نوافذ
كثيرا ما نوقع أنفسنا في مستنقع الإساءة إلى الآخرين؛ من غير قصد في أحايين كثيرة، وعن قصد -أحيانا- والحمد لله أن القصد أقل عما لا نقصده، وإلا أنزلنا الناس- بلا استثناء- منازل الإساءات، والخلق الرديء، وهذا ما لا يمكن قبوله منطقيا ولا عن وعي أكيد، وذلك لاعتبارات مهمة في مقدمتها: أن كل الناس خطاؤون، ومن المستحيل – واقعا – ألا يخطئ أحدنا في أي شيء من أمور حياته اليومية، وتأتي هذه الألقاب -المساء استخدامها- التي نلبسها الآخرين من حولنا؛ مع أننا لسنا منزهين منها، تأتي لترسخ الصور النمطية في أذهاننا، وهي الصور التي نقيسها مع مفاهيمنا القصيرة، والقائمة على أن كل واحد لا يتوافق معنا في كثير من تصرفاتنا، أو أفكارنا، أو رؤانا، سرعان ما ننزله هذه المنزلة المسيئة، وهذا في حد ذاته قصور في الرؤية، وفي التقييم، ولذا علينا أن نستغفر الله دائما وراء كل لقب نطقت به ألسنتنا عن غير قصد، وذلك لاستحالة إعادته؛ حيث أخذ طريقه إلى الآخرين الذي عنيناهم داخل ذواتنا، وربما عندما نطلق هذه النعوت بشكل عام غير مقصود؛ يكون الأمر أهون.
تكثر ألفاظ: هذا معتوه، هذا مجنون، هذا سافل، هذا غبي، هذا متهور، وهذا جبان، هذا سيئ، هذا منحوس، هذا كثير الهذيان، يحدث هذا إما أنه صدر من هذا الذي نعنيه سلوكا شاذا في لحظة ضعف، أو لدينا منه موقف لم نستحسنه؛ وفق تقييمنا الشخصي، وبالتالي يصبح عرضة لمختلف هذه الألقاب السيئة، والخطورة في ذلك أكثر عندما ننعته بالاسم أو بلقبه المعروف، وسط جمع من الناس أغلبهم يعرفونه، مع أننا، وفي كل أحوالنا نخضع لهذا التقييم من قبل الآخرين، ونتعرض للألقاب ذاتها، أو النعوت، من غير أن ندري، ولذا يأتي النص الكريم مشددا على أهمية الحذر من الوقوع في هذا المأزق، مع التشديد في العقوبة المتوقعة على ذلك في حالة عدم التوبة والإقلاع عن ممارسة هذا الفعل المشين، هذا بخلاف المآسي الكبرى المتعلقة بالغيبة والنميمة، وسوء الظن بالناس.
والمتأمل في هذا الأمر أكثر قد يجد أن هناك سوء تقدير في المواقف، والتصرفات، وربما قلة الخبرة والمعرفة، مع وجود محفزات معنوية تنشط في مثل المواقف سواء المواقف الصدامية التي يتعطل فيها إعمال العقل، وتنشط العاطفة، أو سواء في مواقف المحنة الصادمة أو المباشرة التي نقع فيها جميعنا، فنرتبك في التصرف حيالها، وبالتالي نظهر بسلوك يقيمه الآخرون على أنه سلوك معوج، فيطلقوا علينا هذه الألقاب أو الصفات، أو السباب لمن يقصده، بينما في حقيقة الأمر أن كل ذلك انعكاس لسوء تصرف في لحظة حرجة، وكما قيل: «المرء في المحنة عي».
والسؤال المهم: ما مدى أحقيتنا في أن ننسب إلى فلان من الناس أيا من هذه الألقاب، أو النعوت، أو الصفات؟ هل فقط لأنه لم يتوافق مع ما نفكر به أو لأننا اتخذنا منه موقفا معاديا في موقف ما؟ والاستنكار في طرح السؤالين؛ ذلك لأننا لا نجيز للآخرين أو يصوبوا سهامهم علينا، فكيف نجيز أن نصوب سهام الإساءة إلى الآخر؟ هل هو قصور في الإدراك من كلا الطرفين أو أنها فطرة جبل الناس على توظيفها بهذه الصورة؟ كل ذلك حاضر عند مناقشة هذا الموضوع بحيادية تامة، والمهم أكثر: كيف لنا أن نخرج من هذه المحنة، ونغسل أنفسنا من هذه الشوائب؟ لأنه كما يبدو أنه من باب المستحيل أن ينجو أي منا من الوقوع في ذلك، وهذه إشكالية قد تسميها فطرة، أو ثقافة، وقد تدخل فيها تأثيرات المجتمع من حولنا.
