تناقض إسرائيل: تنكر أنها مستعمرة استيطانية بينما تسعى وراء مشروع "إسرائيل الكبرى"
يخوض أنصار إسرائيل حربًا دعائية شرسة، يصوّرون فيها الفلسطينيين على أنهم "المستعمرون"، فيما يتعمدون محو الجذور الاستعمارية للحركة الصهيونية وتغليف مشروع الغزو بأساطير "العودة" و"الأصالة التاريخية".
الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحةً تبنيه مشروع "إسرائيل الكبرى"، مؤكداً في حوار مع قناة i24 أنه يخوض "مهمة تاريخية وروحية" هدفها التوسع والسيطرة على الأراضي.
هذا التصور التوسعي يبني على الواقع القائم بالفعل، حيث تسيطر إسرائيل كمستعمرة استيطانية على القدس الشرقية وهضبة الجولان والضفة الغربية، وتسعى اليوم للعودة مجددًا إلى غزة بعد انسحابها منها. والهدف هو توسيع الاستيطان اليهودي ليشمل كامل فلسطين التاريخية، بزعم أنها كانت يومًا الموطن الحصري للعبرانيين القدماء، وأنها "أرض الميعاد" التي وهبها الإله اليهودي لـ “شعبه المختار"، بل ويمتد الطموح ليشمل أجزاء من الدول العربية المجاورة مثل الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
وقد ارتفعت وتيرة تبني هذه الأيديولوجيا مع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، إذ انتشرت صور لجنود إسرائيليين يرتدون على بزاتهم خريطة لـ “إسرائيل الكبرى" الممتدة على مساحات شاسعة.
وفي هذا السياق، تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى ترسيخ سيادتها على الأرض بأكملها. فقد أعلنت هذا الشهر سلسلة من القرارات، بينها خطة للسيطرة على مدينة غزة، والمضي قدمًا في مشروع الاستيطان بمنطقة (إي 1) في الضفة الغربية، وهو المشروع الذي سيعزل الفلسطينيين عن القدس الشرقية ويهجر البدو القاطنين هناك، وقد أكد مسؤولون كبار أنه يهدف إلى "دفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا".
لكن، وبينما تواصل إسرائيل عرض مشروعها التوسعي الدموي جهارًا، بما يشمل القتل الجماعي وتجويع السكان، يمضي أنصارها في شن هجوم دعائي مضاد، زاعمين أن ما تقوم به منذ أكتوبر 2023 يدخل في إطار "الدفاع عن النفس"، لا أنه تتويج لعقود من الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري. وكعادتها، أطلقت المنظمات المؤيدة لإسرائيل حملة دعائية ضخمة تقلب الحقائق رأسًا على عقب، لتصوّر الإسرائيليين ضحايا للفلسطينيين، وتدّعي أنهم "السكان الأصليون" الذين يستعيدون "أرضًا يهودية" قديمة من "مستعمرين فلسطينيين".
ولكي تنجح هذه السرديّة، كان لا بد من محو الأساس الاستيطاني الاستعماري للحركة الصهيونية، الذي يشكّل جوهر سياسة إسرائيل في قمع الشعب الفلسطيني بلا انقطاع.
في بداياتها، كانت الحركة الصهيونية والنظام الإسرائيلي الناشئ يصفون نشاطهم صراحةً بـ “الاستعمار" و"الاستيطان"، حتى أن مؤسساتهم حملت أسماء مثل "الصندوق الاستعماري اليهودي" و"جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين". غير أنهم ما لبثوا أن تخلوا عن هذه المصطلحات مع تزايد اقتران كلمة "استعمار" بالإمبريالية والعدوانية.
ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، غيّروا خطابهم، فتخلوا عن المصطلح لكنهم واصلوا تجسيد منطقه على أرض الواقع بوحشية أكبر.
أسطورة "العودة"
على الرغم من أن هذا الهجوم الأيديولوجي يسبق زمن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، فإن أنصارها ضاعفوا من وتيرته لتبرير استمرار المذبحة في غزة. فعلى سبيل المثال، أصدرت "اللجنة اليهودية الأمريكية" العام الماضي ورقة بعنوان: "الرد على الادعاءات الكاذبة حول إسرائيل"، هدفت إلى دحض توصيف ما تقوم به الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني بأنه استعمار استيطاني.
تقول الورقة إن الاستعمار الاستيطاني "يشير إلى محاولة من قوة إمبريالية لاستبدال السكان الأصليين لمكان ما بمجتمع جديد من المستوطنين"، مؤكدة أنه "لا يمكن أن يصف واقعًا قامت فيه مجموعة قومية، نيابةً عن نفسها لا بأمر من قوة خارجية، بالعودة إلى موطنها التاريخي لتحقيق تقرير المصير، وفي الوقت نفسه دعمت إنشاء دولة قومية لمجموعة وطنية أخرى إلى جانب إقامة دولتهم".
دعونا نتأمل هنا النقاط الأساسية في هذا الطرح.
فمشاريع الاستعمار الاستيطاني الأوروبية لطالما لجأت إلى أسطورة "العودة" إلى "الأراضي القديمة". الفرنسيون على سبيل المثال زعموا أنهم "يعودون" إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية التي اعتبروا أنفسهم ورثتها حين غزوا الجزائر، مدّعين أن العرب الجزائريين هم المستعمرون الحقيقيون. والإيطاليون بدورهم ادّعوا أنهم "يعودون" إلى أراضي الرومان القديمة عندما غزوا ليبيا، فصوّروا استعمارهم وكأنه مجرد استعادة وإحياء لجزء من وطنهم التاريخي.
حتى النازيون الألمان برّروا غزوهم لشرق أوروبا وروسيا الأوروبية باعتباره "عودة". فقد أصرّوا على أن تلك الأراضي ليست غريبة عن الألمان، بل هي أراضٍ "يعود" إليها (فولك) أي الجماعة القومية الألمانية بمدلولها العرقي-الثقافي، وأعلن أدولف هتلر بوضوح: "أهدافي ليست مفرطة؛ في الأساس هذه كلها مناطق استقر فيها الألمان سابقًا. ومن حق الشعب الألماني أن ينمو داخل هذه الأراضي". كما سعى النازيون أيضًا إلى "العودة" إلى أراضي الرايخ الأول، أو الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التي شملت روسيا وبولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا ودول البلطيق وغيرها.
إن الادعاء الصهيوني بأن استعمار فلسطين لم يكن سوى "عودة" لليهود الأوروبيين إلى "وطنهم القديم" ينسجم تمامًا مع هذا التاريخ الأوروبي الطويل للاستعمار الاستيطاني.
"أسطورة "الفتح"
الزعم المرتبط بأن المستعمرين الاستيطانيين لا يدعمون "إنشاء دولة قومية لشعب آخر إلى جانب إقامة دولتهم" هو ادعاء يمكن دحضه بسهولة، فالنظام العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا فعل ذلك بالضبط، حين أنشأ عشرة أوطان "مستقلة" للبانتوستات، خُصّصت للأغلبية من السكان السود الأصليين، بهدف سلبهم هويتهم الوطنية مع الإبقاء على هيمنة البيض. كما أنشأ بانتوستات خاصة بالسكان الأصليين في ناميبيا للحفاظ على التفوق الأبيض إبان الاحتلال الجنوب أفريقي لتلك البلاد.
وكما فعل الفرنسيون والإيطاليون والألمان، زعم الصهاينة أن الفلسطينيين الأصليين هم "المستعمرون الحقيقيون" لـ “الوطن القديم" لليهود الأوروبيين، وصوّروهم كأحفاد العرب المسلمين الذين فتحوا بلاد الشام وفلسطين في القرن السابع الميلادي.
غير أن الفتح العربي لم يكن استعمارًا استيطانيًا، بل كان توسعًا دعويًا وأراضيًا. فقد بقي معظم السكان الأصليين في بلاد الشام وفلسطين، الذين كانوا تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية ثم خضعوا للعرب المسلمين، على حالهم يشكّلون الأغلبية بعد الفتح، ومن بينهم الغساسنة المسيحيون الناطقون بالعربية.
وقد استغرق الأمر نحو خمسة قرون، في فلسطين وبلاد الشام الكبرى، ومدة أطول في مصر، قبل أن يعتنق معظم السكان الإسلام، بينما سبقت عملية التعريب واعتماد اللغة العربية هذا التحول، حتى في أوساط الكنائس المسيحية المحلية.
كما أن أعداد العرب الذين هاجروا إلى الأراضي المفتوحة كانت قليلة للغاية، وأغلب بضعة آلاف منهم استقروا في المدن. وبحلول الحروب الصليبية، التي يمكن وصفها بأول موجة صهيونية، في القرن الحادي عشر، كان معظم سكان فلسطين من المسيحيين العرب الأصليين الناطقين بالعربية، إلى جانب أقلية من المسلمين العرب الناطقين بالعربية.
سوابق استعمارية
حتى عام 1919، كان دافيد بن غوريون وإسحاق بن زفي، المؤسسان البارزان للمستعمرة اليهودية، يقرّان في كتاب مشترك بأن معظم الفلسطينيين الأصليين هم في الحقيقة أحفاد العبرانيين القدماء الذين اعتنقوا المسيحية أولاً ثم الإسلام لاحقًا.
وبسبب الخلط بين العروبة كهوية لغوية ثقافية وبين العرق، سعت القوى الاستعمارية الأوروبية ذات النزعة العنصرية إلى تقسيم العرب. فادعت أن المصريين والعراقيين وشعوب شمال أفريقيا والمسيحيين الموارنة وغيرهم ليسوا عربًا حقيقيين، بل شعوبًا تم تعريبها بعد الفتح. بينما أصرّ الفكر القومي العربي على أن العروبة هي ببساطة الانتماء إلى اللغة العربية كلغة أم، ولم يدّع يومًا أنها عِرق أو إثنية.
ومن الحجج الشائعة لدى الصهاينة أن بريطانيا لم تكن "الوطن الأم" للمستعمرين الصهاينة، إذ إن معظمهم لم يكونوا بريطانيين بل جاؤوا من دول أوروبية أخرى. غير أن هذا الطرح واهٍ.
فالاستعمار الاستيطاني لفلسطين كان امتدادًا طبيعيًا لمشاريع أوروبية مماثلة. إذ كفلت بريطانيا الاستعمار الصهيوني، الذي شمل يهودًا من مختلف أنحاء أوروبا إضافة إلى البريطانيين، وهو أمر لم يكن استثنائيًا. فقد سبق أن رعت بريطانيا استعمار آيرلندا بمستوطنين بريطانيين وألمان وفرنسيين هوغونوت، مع أن أغلبهم كانوا من الأسكتلنديين والإنجليز. واستعمر الهولنديون جنوب أفريقيا بمستوطنين هولنديين وفرنسيين هوغونوت، مع غلبة للهولنديين. أما الفرنسيون فقد استوطنوا شمال أفريقيا بمواطنين فرنسيين بالدرجة الأولى، لكنهم جلبوا أيضًا إسبانًا وإيطاليين وسويسريين ومالطيين وروسًا.
واتبعت روسيا القيصرية النمط ذاته حين استعمرت الأراضي العثمانية التي غزتها كاثرين العظمى أواخر القرن الثامن عشر، فاستقدمت يهودًا بولنديين وبلغارًا وإيطاليين وألمانًا ويونانيين ورومانيين وغيرهم كثير ممن دُعوا للمشاركة في الاستعمار الاستيطاني.
وبعد أكثر من قرن، أي عام 1897، كان الاستعمار الروسي في أوديسا يضم غالبية من اليهود واليونانيين والأوكرانيين والبولنديين والألمان، بينما لم يشكّل الروس سوى أقل من 49 بالمئة من السكان.
وبناءً على هذه السوابق، فإن رعاية بريطانيا للمستعمرين الصهاينة، وكان بعضهم بريطانيين، لم تكن استثناءً، بل مجرد نسخة مبالغ فيها من ممارسة أوروبية مألوفة.
الاستثنائية الزائفة
هناك من يظن نفسه بارعًا حين يزعم أن الصهيونية أكثر تعقيدًا من حركات الاستعمار الاستيطاني الأخرى، بحجة أنها سعت إلى "تقرير المصير" و"التحرر الوطني" لليهود، وهي أهداف عادة ما ترتبط بالشعوب المستعمَرة، لكنها حققتها عبر الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. غير أن هذا الادعاء محض هراء.
فالمستوطنون البيض في أميركا الشمالية قاتلوا بدورهم من أجل الاستقلال و"تقرير المصير" و"التحرر الوطني" من بريطانيا. وكذلك فعل المستوطنون الإسبان في أمريكا اللاتينية ضد إسبانيا. وفي جنوب أفريقيا، خاض البوير الهولنديون حروبًا ضد الاستعمار البريطاني لتحقيق "تقرير المصير" الاستيطاني، تمامًا كما انقلب بعض الصهاينة على بريطانيا بعد عام 1945 لضمان "استقلال" مشروعهم الاستيطاني.
وحتى المستوطنون الفرنسيون في الجزائر حاولوا الانقلاب على فرنسا للحفاظ على مستعمرتهم الاستيطانية، وهو ما فعله مستوطنون آخرون حول العالم، من بينهم "البيض الروديسيون". ومن ثَمَّ لا يميز المشروع الصهيوني في سعيه لإقامة دولة استعمارية استيطانية أي اختلاف جوهري عن هذه الحالات.
أسطورة الأصالة
الأكثر تأثيرًا في الرأي العام الأوروبي والأميركي المسيحي هو ادعاء الصهاينة أنهم "سكان أصليون" في فلسطين، مستندين إلى الروايات التوراتية، ومؤخرًا إلى مزاعم "روابط جينية". هذه الروابط المزعومة، "التاريخية والدينية، شكل جوهر الادعاء الصهيوني بحق اليهود في "وطن" الفلسطينيين، وترتكز بالأساس على فكرة أن "الشعب اليهودي" عاش في فلسطين قبل ألفي عام وكان سكانها الوحيدين.
غير أن الحقيقة أن بعض سكان فلسطين آنذاك كانوا من العبرانيين، لا من "الشعب اليهودي" الذي هو مفهوم لاحق. والعبرانيون أنفسهم لم يكونوا يومًا وحدهم في الأرض. فالكتاب المقدس ذاته، في سفر يشوع، يذكر أن العبرانيين لم يكونوا من أهل فلسطين الأصليين، بل غزوها من الكنعانيين واستوطنوها زاعمين أن إلههم "وعدهم" بها. بل إن إبراهيم، الذي عقد إله العبرانيين عهده معه وفق النصوص اليهودية، جاء من "أور" في العراق الحالي.
أما الخرافة الأكبر فهي الزعم بأن يهود اليوم هم حصريًا أحفاد العبرانيين القدامى. هذا الربط كرّسته اللاهوتيات المسيحية، حيث ارتبطت كراهية الكنيسة الكاثوليكية التاريخية لليهود الأوروبيين بتحميلهم وزر "قتل المسيح"، وزاد الأمر مع البروتستانت الذين دفعهم هوسهم بعقائد نهاية الزمان وعودة المسيح إلى المطالبة بترحيل اليهود الأوروبيين إلى فلسطين لتسريع "المجيء الثاني" للمسيح. ولم يبدأ الأوروبيون المسيحيون بالنظر إلى اليهود كـ “أمة أجنبية" إلا في أواخر القرن الثامن عشر.
والحقيقة أن اعتقاد بعض اليهود المتدينين تاريخيًا أنهم جاؤوا من فلسطين لا يختلف في جوهره عن اعتقاد المسلمين في الهند أو الصين أو إندونيسيا أو نيجيريا أو ماليزيا أنهم جاؤوا من الجزيرة العربية لمجرد أن دينهم نشأ هناك. ولو أخذنا هذا المنطق، لكان من حقهم ادعاء "ملكية ثابتة" لمكة والجزيرة العربية، لمجرد أن بعض حجاجهم استقر هناك عبر القرون، أو أن بعض المهاجرين العرب المسلمين رحلوا إلى تلك الأقاليم.
لكن الصهاينة يرفضون مثل هذه المقارنات، زاعمين أن اليهودية لم تكن يومًا ديانة تبشيرية. وهذا ادعاء كاذب؛ فقد أثبت الباحثون بالدليل أن اليهودية مارست الدعوة وحققت تحولات جماعية واسعة حتى القرن التاسع الميلادي.
وحتى لو قبلنا بفكرة "صلة تاريخية" بين اليهود الأوروبيين وفلسطين، وافترضنا أنهم ليسوا من نسل المهتدين إلى اليهودية، فإن تحويل تلك الصلة إلى "حق" في استعمار فلسطين لا يحمل أي مشروعية أخلاقية، فضلاً عن افتقاره لأي سند قانوني.
فالأميركيون البيض والأستراليون والنيوزيلنديون والجنوب أفريقيون جميعًا يحتفظون بروابط نسبية فعلية مع أوروبا، لكن ذلك لا يخولهم الحق في إعادة استعمارها. كما أن سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بريطانيا في الماضي لا تمنح الإيطاليين المعاصرين الحق في المطالبة بها اليوم.
خرافات استعمارية
لقد كان استيلاء الصهيونية على تاريخ العبرانيين الفلسطينيين باعتبارهم أسلافًا لليهود الأوروبيين محاولة متعمدة لقطع صلة الفلسطينيين بإرثهم التاريخي، فبينما يستطيع المصريون والأردنيون واللبنانيون والعراقيون أن يرووا دون جدل تاريخًا وطنيًا ممتدًا إلى الفراعنة والأنباط والفينيقيين والبابليين، يُحرم الفلسطينيون من أي حق وطني في ماضي فلسطين، لأن جالية من المستعمرين اليهود الأوروبيين قررت أن تستولي على ذلك الماضي وتنسبه إلى نفسها وتقصي السكان الأصليين عنه. وهكذا، فبينما قد يثير انتساب الفلسطينيين إلى الكنعانيين جدلًا، فإنهم، وفقًا للرواية الصهيونية، يُمنعون تمامًا من أن يعدّوا العبرانيين الفلسطينيين القدامى جزءًا من أجدادهم.
الصهيونية منذ بدايتها قائمة على حجج واهية لا تصمد أمام تمحيص المستعمرين أنفسهم. وقد فندها الفلسطينيون على مدى أكثر من قرن وربع، غير أن منطقهم لم يُثنِ رعاة إسرائيل الإمبرياليين يومًا.
وما جعل الخطاب الصهيوني الزائف مقنعًا هو التزام أوروبا المسيحية بإعادة صياغة الأساطير التوراتية وبمعايير عنصرية، وهي ذاتها التي بررت الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، كما بررت الغزو الأوروبي للأمريكتين، واستعباد الأفارقة، واستمرار الهيمنة الغربية على العالم.
لا يوجد أي طرح صهيوني يميّزها عن بقية مشاريع الاستعمار الأوروبي. ولهذا فإن تبني إسرائيل اليوم لمشروع "إسرائيل الكبرى" ليس خروجًا عن هذا التاريخ، بل يمثل ذروته: المرحلة الأكثر وقاحة من مشروع استيطاني استعماري طالما تستر خلف أوهام "العودة" و"الأصالة الزائفة" و"الوعد الإلهي".
جوزيف مسعد أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا بنيويورك، ومؤلف لعدد من الكتب والأبحاث الأكاديمية والمقالات الصحفية. من بين كتبه: آثار الاستعمار: صناعة الهوية الوطنية في الأردن، اشتهاء العرب، مسألة فلسطين المستمرة: مقالات في الصهيونية والفلسطينيين، وأحدثها الإسلام في الليبرالية. وقد تُرجمت كتبه ومقالاته إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة.
