طائرة بدون طيار

02 سبتمبر 2025
02 سبتمبر 2025

تناولت في مقالتي الأسبوع الماضي تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، للدرجة التي تصبح فيها أدواته هي المصدر الوحيد للمعرفة، ومساهمة ذلك بالفعل في تكريس سرديات واستبعاد آخَر. 

عادة ما ينطلق نقد الذكاء الاصطناعي من القلق الهائل على سوق العمل، الأمر الذي يعني خسارة الكثيرين لوظائفهم. بالإضافة لاستبدال العلاقات الشخصية بالتطبيقات الرقمية، لتتحقق نبوءة فيلم ( her ) الذي أخرجه سبايك جونز ولعب دور البطولة فيه خواكين فينيكس، وكان قد حظي باستقبال جماهيري استثنائي عام إنتاجه ٢٠١٣. نبكي مع البطل الذي أحب امرأة ليست أكثر من تطبيق على هاتفه، ليس القصد أنه تعرف على امرأة عبر الهاتف، إذ كان يتحدث مع تطبيق رقمي كليا ووقع في غرامها. لعل أي رواية ديستوبية تقف الآن على حدود تحققها أمام ما نعيشه ونشهد عليه في تحولات هذه التطبيقات. 

هنالك أسئلة تتعلق بالإبداع أيضا، يقول لي صديقي أن الأدب هو الجزيرة الوحيدة التي بقيت لنا، منفانا، ربما لم نكن نتخيل أن الجزيرة توشك على الغرق! كل يوم تعدنا تطبيقات الذكاء الاصطناعي بمساعدتنا بضغطة زر لكتابة أي شيء، البحث سريعا في ثوان عن ملخصات، عن أفكار مترامية يمكن أن تعاد صياغتها، هل تشعر بأنها ليست بشرية (ابشر بعزك) ستصبح حميمة كما تريد، شات جي بي تي ٥ ينبهك أنه إذا ما كانت النسخة القديمة منه ٤ بمثابة مساعد باحث لك، فإن النسخة الأحدث هي مجموعة كبيرة من الباحثين تحت تصرفك. 

يتبع أسئلة الإبداع، مخاوف حول حقوق الملكية الفكرية، وقد دفعتْ بمطوري العديد من هذه الأدوات لصالات المجالس البرلمانية، أو للمحاكم. كما أن كثيرا من الشركات تحتكر بياناتها، فلا يمكن مثلا أن تعتمد على شات جي بي تي لتحليل حساب على (أكس)، فهي شركة كبيرة أخرى منافسة. لكن ماذا عن الشركات الصغيرة؟ لعلنا نستدعي القضايا التي أثيرت قبل سنوات في أستراليا مع تراجع المؤسسات الصحفية خصوصا المستقلة هناك بسبب من نقل أخبار الصحف نفسها على فيسبوك، دون أن تتكفل إدارته دفع بيسة واحدة لمؤسسات انهارت دون عودة. بالتالي نعم سنحصل على إجابة عن بحوثنا من مجموعة الباحثين تحت تصرفنا لكن يبدو أن لمصادر 

الإجابة قصة أظن بأنها ستزداد تعقيدا كل يوم. 

ما لا يتم الحديث عنه بصورة كبيرة هو استخدام الذكاء الاصطناعي عسكرياً. ذُعرت شخصيا في حرب الكيان الصهيوني المحتل مع إيران، من مسألة دقة تحديد بنك أهداف لاغتيال شخصيات مهمة، وقبل ذلك قصة «البيجر» في لبنان، لطالما كانت الأسلحة تمثيلا مهما لوحشية التكنولوجيا، لكن ما يحدث في هذه الأثناء تجاوز العقل وقدرتنا على تخيل ما يمكن أن يحدث بعد ذلك. 

يشير د. لويس ماهون وهو أكاديمي متخصص في تحليل أنظمة الذكاء الاصطناعي يعمل في كلية التقنية والمعلومات بجامعة إدنبرة إلى أن فكرتي أعلاه ساذجة، إذ يتم النظر لتدخلات الذكاء الاصطناعي كما لو أنها لم تتحقق بالفعل، فيما تستخدم وبصورة كبيرة في الأعمال العسكرية البسيطة والمعقدة فهي مستخدمة في أعمال الاستخبارات، وتوجيه الأسلحة والصواريخ والتحكم فيها. وتعد الطائرات بدون طيار تطبيقا واضحا لها يتم تطويره كل يوم بسرعة وميزات عسكرية فائقة. 

يقارن ماهون الحرب بين أوكرانيا وروسيا وعسكرة الذكاء الاصطناعي فيها من جهة والواقع بين إسرائيل وغزة في جهة أخرى، فالكيان المحتل يمتلك جيشا نظاميا قويا للغاية، فيما هنالك مجموعة صغيرة مسلحة في غزة، بالإضافة لكثير من المدنيين. لذلك لا يستخدم الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية لقواعد الجيش فيما تُشكل خدمات المراقبة المكثفة الهاجس الأكبر بالنسبة لإسرائيل، فمع قتلها لـ ٦٠ ألف إنسان في غزة، إلا أن مليونين تقريبا ما زالوا هناك، يشكلون تهديدا لإسرائيل. 

يكتب ماهون أن تتبع ما يصل إلى 10% فقط من سكان غزة يتطلب معالجة كمٍّ هائل من البيانات مثل مواقع الهواتف المحمولة، تسجيلات الفيديو، وغيرها. هذا أمر لا يمكن إنجازه إلا عبر أنظمة آلية متقدمة. هنا يأتي دور جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتمد على الأتمتة بشكل واسع. من بين هذه الأنظمة أداة تُعرف باسم «لافندر»، وهي مبرمجة لاستخراج أسماء مشتبهين بالانتماء إلى حماس. بعد ذلك، يمر الترشيح بموافقة بشرية شكلية قبل إصدار أوامر الاستهداف. أحد الضباط الإسرائيليين صرّح لمجلة +972 أنه يثق بـ«لافندر» أكثر من ثقته بالجنود؛ لأن التقنية «تتخلص من العاطفة في القرار». وأضاف: «كلنا هناك فقدنا أشخاصًا في 7 أكتوبر، لكن الآلة تتعامل مع الأمر ببرود، ما جعل القرارات أسهل. 

قلت وأصدقائي مؤخرا ترى ما الحاجة لجيش نظامي، وتمارين بشرية على الأرض، إنها هناك طائرة صغيرة جدا ستدخل بنعومة وسلاسة إلى داخل الغرفة، ثم ما الذي يحدث؟ سنهلك جميعا. وفي سيناريو آخر ولأن الطائرة قد تكون مكلفة، من هاتفك المحمول، هناك حيث تضع قائمة مشترياتك، وتصلك إيصالات الدفع، تتواصل مع الآخرين، تلتقط صورا، تخفي أسرارا. هناك تلك المساحة غير محايدة، وسيتم السطو عليها، لتعرف ما يراد لك أن تعرفه، أو تموت بالطريقة التي توفر علينا تلطيخ أيدينا بالدماء مباشرة، فالآلة لا تتعامل إلا ببرود. 

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية