No Image
العرب والعالم

نساء غزة بين أنقاض الحرب وزنازين الاحتلال الإسرائيلي

02 سبتمبر 2025
02 سبتمبر 2025

الحرب على غزة لم تقتصر على القصف والتدمير والتهجير، بل امتدت لتطال النساء من جميع الأعمار: طالبات جامعيات، جدّات، وحتى قاصرات في عمر الزهور. جميعهن وجدن أنفسهن فجأة وراء القضبان، متهمات بلا محاكمة أو دليل.

شهادات الأسيرات المحررات تكشف جانبًا مظلمًا من الانتهاكات التي تشمل الإذلال النفسي والجسدي، الحرمان من أبسط الحقوق، والمعاملة اللاإنسانية، قبل أن يُلقى بهن على المعابر وكأنهن "أشياء انتهت صلاحيتها".

سمر بسام 19 عامًا، جلست بجوار خيمتها بالقرب من ميناء غزة، تحكي عن تجربتها داخل سجون الاحتلال:

"كنت أحمل دفاتري وأحلام تخرجي من جامعة الأزهر، لكنني وجدت نفسي في زنزانة باردة، متهمة بالإرهاب.

خلال نزوحنا من حي الزيتون، أوقفني الجنود على الحاجز، وبعد تقييد يديّ وتعصيب عيني اقتدت إلى المعتقل، حيث واجهت أسئلة تحقيق تعجيزية وضربًا وإهانات متكررة. قضيت أسابيع في زنزانة ضيقة، محرومة من النوم والدفء، وأُجبرت على الوقوف بملابسي الداخلية أمام الجنود. بعد ثلاثة أشهر، أُفرج عني على معبر كرم أبو سالم، منهكة بلا متاع، فالتقيت أمي بعناق صامت غارق في الدموع".

تضيف سمر بصوت مرتعش: "الليل كان أطول من أي نهار، وكل صرخة من حولي كانت تقطع قلبي. لم أعد أعرف مكان الأمان أو معنى الحرية".

أم زهران البراوي، 55 عامًا، تعاني من آلام حادة في قدمها بعد إصابتها قبل اعتقالها، وتروي معاناتها في مخيم الرباط بخان يونس: "أطلقوا النار عليّ رغم علمهم أنني وحدي داخل المنزل، ثم اقتادوني وأنا أنزف إلى المركبة. في المعتقل، عانيت من البرد والجوع وحرمان الدواء، ورغم مرضي بالقلب وضغط الدم، تحولت إلى أم لبقية الفتيات المعتقلات، أحميهن من التحرش اللفظي والجسدي. بعد أكثر من ثلاثة أشهر، خرجت لأجد أحفادي يبكون ظانين أنني قُتلت".

وتضيف: "كنت أواسي الفتيات، أشاركهن القليل من الطعام، وأحاول أن أبعث لهن شعورًا بالأمان، رغم ضعفي وإرهاقي".

حليمة زاهر، 17 عامًا، كانت تحلم بدراسة الطب في مصر، لكنها وجدت نفسها تملأ الجالونات بالماء في خيام النازحين بعد أن ضاع عامها الدراسي:

"اعتقلني الجنود أثناء نزوحنا من رفح، جُردت من ملابسي وتعرضت للضرب حتى سال الدم من أنفي، وحُرمت من الاستحمام لأسابيع. الاحتلال سرق حقنا في التعليم وحرمنا طفولتنا. لم أتناول الطعام لأيام داخل المعتقل، وحُرمنا من العلاج".

وتقول: "كل مرة أرى كتب المدرسة أو الحقيبة التي كانت معي، يعتصر قلبي الألم على ما فقدناه."

عبير قاسم، 43 عامًا، كانت مع أطفالها الصغار عند حاجز نتساريم، حيث اعتقلها الجنود منفصلة عن أطفالها:

"داخل المعتقل، جُردنا من ملابسنا واتُهمنا بالإرهاب. الجنود تناوبوا على إذلالنا جسديًا ونفسيًا. عشنا في قلة نظافة، وسوء تغذية، وصوت بكاء النساء تحت الضرب والتحرش.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر، أُفرج عنا قرب معبر كرم أبو سالم، عشر نساء محررات، بلا لباس أو غطاء، نُقلنا إلى مستشفى ثم مدرسة إيواء، وبدأت رحلة البحث عن أطفالنا."

تضيف عبير: "صورة أطفالي لم تفارق مخيلتي طوال فترة الأسر، وكل يوم كان اختبارًا لصبرنا وتحملنا. الحرمان كان أقسى من الجوع."

الحياة داخل المخيمات.. معاناة بلا نهاية

في خيام النزوح المكتظة بالمئات من العائلات، تتحول الحياة اليومية إلى صراع للبقاء: الطوابير الطويلة للماء والطعام، الأطفال الذين يبكون من الجوع والبرد، والنساء اللاتي يحاولن حماية أبنائهن من اليأس والخوف المستمر.

تقول أم زهران: "كل يوم أصحو وأعد نفسي لمواجهة حر الخيام والجوع، وأحاول أن أزرع الأمل في قلوب أحفادي، رغم أن أعينهم تحمل صور الموت والدمار."

أما حليمة، فتضيف: "أحيانًا أنظر إلى السماء وأحلم بحياة طبيعية، لكن الضجيج المستمر للطائرات والدخان يجعل الحلم بعيدًا".

المخيمات تحولت إلى مساحات مفتوحة من المعاناة: الخيام ممزقة، والمياه شحيحة، والأمراض منتشرة بين الأطفال والنساء. كل يوم في هذه المخيمات يمثل اختبارًا للصبر، ودرسًا قاسيًا في الصمود الإنساني.

انتهاكات ممنهجة

وفق تقارير مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، تعرّضت الأسيرات بعد 7 أكتوبر لسياسات ممنهجة: العزل الانفرادي، والتجويع، والاعتداء الجسدي، ومصادرة المقتنيات، والحرمان من الزيارة والدواء. الاكتظاظ داخل السجون أجبر العديد على النوم على الأرض في برد الشتاء، بملابسهن نفسها التي اعتُقلن بها.

تعاني العديد من الأسيرات من أمراض جسدية ونفسية وسط إهمال طبي متعمد، ما يشكّل جريمة حرب واضحة.

وحسب إحصاءات هيئة شؤون الأسرى والمحررين، منذ 7 أكتوبر 2023 هناك أكثر من 18,500 معتقل فلسطيني، بينهم 570 امرأة و1,500 طفل. خلال عام واحد فقط: 490 حالة اعتقال لنساء، بينهن أمهات، طالبات جامعيات، صحفيات، وقاصرات. وحتى أغسطس 2025، لا يزال هناك 49 أسيرة فلسطينية، بينهن امرأتان من غزة مجهولتا المصير.

بين الأرقام والشهادات

الاحتلال لم يفرّق بين طالبة تكتب الشعر، وجدّة تحمل عصاها، وقاصر تحلم بأن تصبح معلمة. كلهن وُصمن بتهمة "الإرهاب"، فقط لأنهن فلسطينيات.

هذه الأصوات ليست قصصًا فردية، بل مرآة لمعاناة جماعية، تذكّر العالم أن الحرب لم تُشن فقط على الأرض والبيوت، بل أيضًا على كرامة النساء وحقهن في الحياة.