No Image
ثقافة

فيلم "رجل الليل".. شخصيات يلاحقها الماضي وتغرق في الظلام والضباب

31 أغسطس 2025
31 أغسطس 2025

لو نظرنا إلى تاريخ السينما لوجدنا أن هنالك مزيجا من أفلام الإثارة والعنف تجد لها جمهورا عريضا لكنها في كثير من الأحيان تمتزج بمساحة من الخرافة والرعب والجريمة، وبذلك تزداد الصراعات بين الشخصيات تعقيدا ويزداد الغموض الذي يحيط بها، وبالتالي يجد الجمهور مزيدا من المتعة في المتابعة واستكشاف ذلك النوع من الأفلام.

وهذا الفيلم للمخرجة الفرنسية -البلجيكية الشابة ميلاني ديلويي- وهي نفسها كاتبة السيناريو إلى جانب ايلسا ماربيو، هو من نوع أفلام الإثارة الذي يستكشف العنف القائم في داخل فئات اجتماعية تبدو أكثر هشاشة وتأثرا، حيث تدور أحداث هذا الفيلم النفسي المثير، وهو يتناول علاقة متوترة بشكل متصاعد بين شابة وزوجها، على خلفية من الأساطير الأيرلندية التي سوف تحضر بقوة لاسيما في أجواء غامضة ما بين أطلال قلاع وبين الغابات التي يلفها الضباب.

هذه المعطيات الجغرافية التي تتعلق بالمكان ستكون بمثابة تأسيس وإعادة اكتشاف يشمل جميع الأطراف وخاصة لجهة الزوجة اليكس -تقوم بالدور زارا ديلفن، وداميان مارك- يقوم بالدور هامبرمان، لا سيما انهما قررا الخروج من تجارب قاسية ظلت تنعكس بقوة على حياة كل منهما بشكل أو بآخر، وكأن ذلك المكان البكر الذي أرادا استكشافه ومن ثم العيش فيه كان بمثابة المنطلق نحو حياة جديدة.

في البدء سوف نلحظ أن أليكس تحمل في داخلها أعباء عائلية ثقيلة، فمع المشاهد الأولى سوف نشاهدها وهي تعترف لمعالجها النفسي قائلة: "لقد ابتسمتُ لأبي عندما كان يقتل والدتي". هذا الاعتراف أو الوهم الضمني شكل ملامح شخصية إشكالية مضطربة شكلت الصدمة بالنسبة لها تحولا مهما رغم أنها تغاضت طويلا عن تلك الفكرة التي هي خليط من الوهم ولربما طوتها في صفحات النشأة المبكرة ولكنها لا تعلم انه صار جزءا أساسيا من شخصيتها، ولهذا فإن ذلك الماضي المضطرب سوف تنفتح أبوابه بمجرد زواجها من داميان.

ها نحن في بيئة غابات ضبابية شبه معزولة، لنكتشف في وسط الأحراش وجود صيادين مجهولين يهددون اليكس ويحذرونها من الاقتراب من تلك البقعة التي يتواجدون فيها ملمحين إلى معرفتهم بماضي داميان السيئ. هنا في تلك البقعة، حيث يتردد صدى أصوات طلقات الصيادين، تحرك العزلة وحالة الشعور بالاغتراب وفي تلك الأرض الجديدة سوف تتحرك التساؤلات التي تثيرها اليكس عن نفسها، وكذلك عن الرجل الذي تزوجته، والذي تبدأ متغيرات تتعلق بسلوكه تطغى على العلاقة بين الزوجين.

في وسط هذه الدراما تكتشف أليكس أسطورة تُعرف بـ"البانشي"، وهي أسطورة أيرلندية قديمة تتعلق بمخلوقة خارقة للطبيعة والتي يبدو أنها تتوافق مع العدد الكبير من النساء الميتات في حياة أليكس، وبالتحديد والدتها وزوجة أخيها، وهذا الاكتشاف للأسطورة سوف يساهم في تصاعد التوتر عندما يدخل داميان في نوبات المشي أثناء النوم، حيث يبدو أنه يكشف خلال ذلك عن أعداءً غامضين يحملون الشر في داخلهم.

ولعل القسم الآخر من الدراما الفيلمية والذي يساهم في تصعيد الأحداث، هو ما سوف تكتشفه اليكس أن لزوجها ماضيا مظلما، وها هو يتفاعل مع ذلك الماضي في أجواء قصر عائلته الفخم في الريف الأيرلندي وهو الذي أدخل والدته في دار العجزة، بزعم أنها امرأة مُسنّة مُصابة بالخرف، ولهذا يؤول القصر إليه وهو الذي يعود إليه بعد 26 عامًا.

وإذا تعمقنا أكثر في ذلك لتكشّفت لنا المزيد من الصلات بين الأسطورة وخبرات الماضي وما شهدته عائلة داميان من آثام، في المقابل نجد أن حالهم حال معظم سكان المنطقة من الصيادين كانوا يعدون قتل الحيوانات بمثابة جزء أساس من عملية تحول الفتى إلى رجل، ولهذا فإن العودة إلى القصر تُعيد إلى العقل تلك الذكريات الكثيرة المدفونة والتي لم يرغب داميان في استعادتها.

وقد تناول كثير من النقاد هذا الفيلم في معرض كتاباتهم النقدية وتحليلاتهم ومن ذلك ما كتبته اورور اينجيلين في موقع سين أوروبا" أن الفيلم يقدم شكلا معقدا من أشكال السيطرة الزوجية من خلال السرد الفيلمي، حيث التلاعب النفسي وهو شكل من التلاعب، يدفع الضحية إلى الشك فيما رأته، وسمعته، وصدقته، وحتى فيما تفكر فيه، من خلال تعزيز الأكاذيب أو إلقاء اللوم على الضحية، كما يشجعنا الفيلم على التساؤل عن كيفية تعامل مجتمعاتنا مع الأطفال الذين ينحرفون عن المسار الصحيح، والعواقب التي قد تسببها هذه العلاجات التجريبية ولا يبدو دائما أن محاربة النار بالنار هي السبيل الأمثل أي معالجة الأخطاء بالأخطاء وتركها وهي تتراكم".

أما الناقد سيدهارثا داس في موقع فيوغيتيفز فكان له رأي آخر ووجهة نظر أخرى إذ قال: " يقدم الفيلم قصة قوطية مظلمة حديثة، مستخدما ببراعة أساليب هذا النوع من الأفلام في أجواء عائلية. ويتأمل الفيلم في مواضيع الصدمات المكبوتة، والروابط العائلية السامة، والآثار السلبية للمحافظة المُتأصلة والسلطة الأبوية -كل ذلك مع دمج بعض عناصر الرعب المرتبط بالأسطورة والحكاية الشعبية ولهذا تسود الفيلم مسحة غامضة وكئيبة، وهي سمة مميزة لأفلام الرعب القوطية، مما يُعزز المعالجة السردية بإضافة لمسة من الشفقة. وبفضل الأداء القوي لكلا الممثلين، استطاع الفيلم أن يصبح بلا شك فيلمًا مفضلًا لدى مُحبي هذا النوع من الأفلام الذين يرغبون في أن تكون أفلام الرعب الخاصة بهم مُفعمة بالمشاعر والعواطف كما هي في هذا الفيلم".

على أننا وفي وسط هذه الدراما الفيلمية وعلاوة على تلك العلاقات النفسية المتشابكة والخبرات الماضوية التي شكلت ركنا أساسيا في السرد الفيلمي نجد أن الغموض المرتبط بالجريمة شكل ركنا آخر في الدراما الفيلمية لاسيما مع تتابع حضور الشرطة وتحريهم عن أناس مختفين أو مقتولين وهو ما يعزز علامات الاستفهام لدى اليكس وحقيقة أن زوجها الذي يمشي في نومه ربما يقود سلاحا قاتلا يستحضر خلال ذلك شخصياته الغامضة والأسطورية وإذا به ينتقم من شخصيات حقيقية.

في المقابل تحقق اليكس الكثير من التوازن في الدراما الفيلمية عندما تتحول إلى نوع من التحري بمراقبة حالة داميان الذي يظهر انه يعاني من حالة غريبة من المشي أثناء النوم، إذ يستيقظ ليلًا ليخرج متذكرًا أحداثًا مؤلمة من ماضيه، لكنه ينكرها عندما تسأله أليكس عنها وكلما حاول كتمان أسراره، ازداد فضول الزوجة بشأن ماضي الزوج الغامض وأسراره.

في المقابل، فإن المزيد من الغموض الذي تفاقمه المشاهد الليلية وفيما الضباب يلف المكان الذي يشبه قلعة مهجورة يدفع اليكس قدما للتحقق من شكوكها التي ما لبثت أن أفضت إلى مواجهة درامية شرسة بين الطرفين فتارة هي التي تقوم بتقييده بالحبال وتارة هو الذي يخرج عن السيطرة ويعود إلى هوسه القديم في مواجهة الآخرين وإزاحتهم عن طريقه أيا كانوا.

.....

إخراج/ ميلاني ديلويي

سيناريو/ ايلسا ماربيو وميلاني ديلويي

تمثيل/ زارا ديلفن في دور اليكس، مارك هامبرمان في دور داميان، غاري ميرفي في دور الدكتور كيلي

مدير التصوير/ ليوناردو انتوني

موسيقى/ الكسندر لا بوم

Image