No Image
ثقافة

محمد سمير ندا بين حدي الكتابة والتلقي في النادي الثقافي

20 أغسطس 2025
احتفاء بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية
20 أغسطس 2025

احتفاء بفوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) استضاف النادي الثقافي الروائي المصري محمد سمير ندا في جلسة حوارية وضعت "صلاة القلق" بين حدي الكتابة والتلقي، في حوار فتشت فيه الكاتبة منى حبراس مع الكاتب عن ذلك الصوت الذي ظل يرتجف خلف اللغة، ويحاول أن يقول شيئا لم يقل بعد.

وضيف الجلسة محمد سمير ندا مشتغل في الجوانب المالية والإدارية، وحقق نجاحات كبيرة في مجال الفندقة وإدارة المشاريع العاملة بصناعة الأغذية والمشروبات لمدة تتجاوز 25 عاما، وهو خريج كلية التجارة بجامعة الزقازيقفي عام 2001، وحاصل على الدبلوم الدولي في إدارة السياحة والفنادق من كلية كامبريدحج الدولية في المملكة المتحدة في عام 2009. ألف روايته الأولى (مملكة مليكة) فب عام 2016، وروايته الثانية (بوح الجدران) في عام 2021م، وأخيرا روايته الثالثة (صلاة القلق) في عام 2024م، وحاز بها بها على الجائزة العالمية للرواية العربية في عام 2025م.

في الحديث عن البون الشاسع بين المجال المالي الذي يعمل فيه والكتابة الإبداعية وموقع مطبخ الكتابة في عالمه، قال محمد سمير ندا: " نصحني والدي بالفصل بين الهواية والعمل وأنا ككاتب أعرف أن الكتابة ليست مصدر رزق، ولو خيرت بين العمل والكتابة سأضحي بالكتابة".

وحول اعتماده تعدد الأصوات لتفتيت السلطة السردية وبين وتخفيف عبء الحقيقة وزيادة وطأة الالتباس، أشار ندا إلى أن الالتباس متعمد وغايته أن أجعل القارئ يحتار ويُأول بطريقة مختلفة. وقال: "المسودات في الرواية بلغت سبع أو ثمان مسودات، والكتابة بدون ضغط يعطي أريحية وأنا ألعب وأستمتع بهذه اللعبة بدون "deadline" فالتعدد لزيادة الالتباس نعم، وكنت أريد أن يشك القارئ في كل ما هو مثبت".

وفي سؤال: هل تشعر بالأريحية نفسها حتى بعد الجائزة؟ قال الكاتب: "نعم بعد دوامة الضغط والإعلام رجعت لنفس المزاج، ولم أشغل نفسي، بل بت مؤمنا أن مساحة القراء زادت، ولكن لم أسأل نفسي: ماذا بعد؟ أو أن الناس ينتظرون شيئا، لذلك الجائزة لم تغير أسلوبي في الكتابة".

وحول القراءات المهاجمة وتلقي كل ذلك بصمت يدرّس، قال ندا: "أنا ممثل جيد وأقابل الرأي السلبي والمتجاوز واللأخلاقي بهدوء، فأبدو كرجل لا يبالي، وهذا شيء لا أنصح به أحدا به".

وعن نمو السرد في الرواية وتناسله دائريا مشكلا بذلك طقسا أكثر مما يشكل خطا زمنيا وانعكاسا لوعي منه بانسداد الزمن، أشار ندا قائلا: "تشغلني حكايات ألف ليلة وليلة وأتمنى أن نكتب بأسلوب يناسب الزمن المخطوف ونقلب في تربة التاريخ".

وفي الحديث عن اللغة المموسقة الإيقاعية حتى في السرد الرتيب حيث تبدو الشخصيات وكأنها تكتب نشيدها لا حكايتها قال: "أنا مهووس بالجملة المتموسقة ونغمة القراءة التي تصل إلى حد السجع".

وعن تصدير الفصول بمقاطع من أغاني عبدالحليم ودلالة اختياره، قال ندا: "عبدالحليم حافظ هو الرفيق في الغربة الذي أعرف خلاله مصر وكان صوت المرحلة، وفكرة اختيار الأغاني أخذت شهرا، والرواية بدأت مع أغنية "يا كلمتي لفي ولفي" التي غناها حافظ بعد النكسة، وموسيقيا الرواية واقعة بين دفتين، وحافظ ساهم في التزييف للعقل الجمعي للمصريين وآمن بالحلم وأرى أنه خدعني وخُدع معي في أحلام غير قابلة للتحقق كحلم الوحدةالعربية".

وحول مفاجأة السارد الأخير (حكيم) وإرباك الثقة بكل الأصوات السابقة، قال ندا: "تعمدت أن أحكي حكاية ثم أغرس الشك فيما يُقرأ، وما إذا كان القارئ سيشك في الشخصيات ومصداقيتها"

وعن شخصيات تعاني من عاهات (الصمت، عدم القدرة على الكلام) وما إذا كان ذلك انعكاس لضعف جماعي أم طريقة فنية لتحويل الجسد إلى نص، قال الكاتب: "كيف يمكنني أن أصف العرب؟! الصمت هو العاهة الأكبر، نعيش في حالة إبادة لقضية قومية عربية وأكبر ممارسة يقوم بها العرب هي الصمت، لذلك كان من الواجب تقديم الواقع كما هو."

وعن شخصية (نوح النحال) الذي وصفه ندا بالواعي المخمور، والتطور السلبي لهذه الشخصية كما باقي الشخصيات في الرواية قال: "أزمة كل هؤاء الناس أن مخارج الأزمات موجودة منذ الوهلة الأولى، لكنهم محاصرين في أدمغتهم، وصدقوا ذلك وخضعوا بمحض إرادتهم مع أن سبل النجاة واضحة لمن أراد أن يتعقل".

وحول شخصية (شواهي) وسردها الذي يرتجف أكثر مما يتكلم، بلغة الرعب المتراكم، وما إذا كانت ضميرا جماعيا منخورا بالخوف أوذاكرة تحاول الصمود، وصفها ندا بالحياة المشتهاة التي لا ينالها أحد هي الأصل، ورمز للحياة والحرية التي تتمرد وتخرج ولديها الحلول وتنقذ (حكيم) في النهاية.

أما عن القابلة وداد التي كانت على الضد من شخصية شواهي، أشار الكاتب إلى أنها فيما يخص اللغة فهما شخصيتان تتحدثان بلسان امرأة وكأن من كتبهما امرأة وهما يكملان بعضهما كطرفي الحياة والموت، وهما من تشكلان الفعل وتقرران الكثير من الأمور، وقال: "سلطة القص ممنوحة للمرأة في هذه الرواية، وهاتان الشخصيتان تمتلكان المفاتيح أكثر من الرجال الذين كان يحركهم الخوف".

وفي سؤال: النجع في الرواية وكبنية رمزية، هل كنت تكتب عن مصر التاريخية أم عن جسد الأمة الممزق أم عن لا مكان يسكن الجميع؟ قال: "أكتب في محاولة تجسيد الواقع العربي والنكسة هي نكسة عربية وما نجتمع فيه نحن العرب هو الهزيمة وما يسكن الجميع هو الخوف، أسوأ ما يحدث في الأمة العربية أن تقام السجون في العقول وهذا ماحدث في الرواية، سكنوا أصفادا من وهم."

وحول بقاء الشخصيات في النجع وتفسخها فيه، وعدم منحها فرصة الهروب من النفق، أشار ندا إلى أن قسوة الواقع أشد من الروايات وأكثر إيلاما ولكن في الرواية هو منفذ للأمل وهناك من نجا ليروي وبرغم كل هذا القهر لكنه نجا في الهروب.

وعن القلق -المادة البنائية للرواية- وماجعله خالقا وليس أثرا جانبيا للنكسة، قال ندا: "القلق ملازم للإنسان العربي منذ 48 وهو مستمر ويمكن ربطه بأحداث أخرى (اجتياح، انتفاضات، أوضاع أخرى) مكون أساسي في الشخصية العربية".

وحول القلق الذي يكتب منه محمد سمير ندا لا عنه، قال: "أنا شخص مصري ولدت وعشت في الغربة واكتشفت هذا القلق مع الرواية. القلق اليومي لدى المواطن ليست فقط في القضايا الكبرى، وساقية القلق التي يوضع فيها الإنسان يجعله يتنازل عن كل الأفكار الأخرى مثل المشغول بلقمة العيش لن يفكر في الحرية والانتخابات وتطوير الوعي العربي. نحن العرب ننسحب داخل الصدفة ولينفجر العالم".