فيلم ميجان 2: عالم روبوتي يجمع الرعب والكوميديا والخيال العلمي
طاهر علوان -
مع مستحدثات الذكاء الاصطناعي وتحوله من مجرد خيال واحتمالات كانت في السابق تدور في الأذهان وهي ضمن شبه المستحيلات يبدو المشهد المتعلق بتغلغل تلك المستحدثات في مسيرة حياة البشرية آخذ بالتطور والنمو وصولا الى دخوله منطقة الخطر والمحاذير التي صرنا نسمعها باحتمالات خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة.
هذه الإشكالية صارت السينما تتخذها موضوعا مفضلا ولكن بمقاربات متباينة فتارة تتجه نحو أفلام الخيال العلمي بشكل مطلق ومنه باتجاه توظيف الروبوت كفاعل أساس ومشارك في حياة البشر وتارة تمزج حياة الذكاء الاصطناعي بحياة البشر بشكل مفصلي ومباشر وهو ما يمكن ان يتوسع وصولا الى دائرة الخطر بسبب سوء الاستخدام أو البرمجة الذاتية وتعقيداتها.
في هذا الفيلم لكاتب السيناريو والمخرج جيرار جونستون نمضي مع هذه المعطيات مستندا إلى شخصية ميجان التي تم تكريسها في الجزء الأول من هذا الفيلم في داخل إطار من الرعب من خلال شخصية الدمية الروبوتية التي ينتهي بها المطاف عاجزة عن القيام بدور مهم ما لم يتم إسعافها بالمتطلبات التي تحتاج إليها وهو ما سوف يتعزز في هذا الجزء من منطلق وجود قوتين متضادتين في الفيلم هما ميجان من جهة وإميليا من جهة أخرى وهما تشكلان جوهر الصراع فيما تنتظم الشخصيات البشرية بين الفريقين، ميجان وهي في طريقها إلى منافسة إميليا لهذا لا بد من تعزيزها بألياف كربونية نانوية ومكثفات فائقة الفعالية ومتحسسات عضلية وتقنية تصوير طيفي ومستشعرات صوتية وهذه المنظومة كلها مرتبطة بالذكاء الاصطناعي الذي كانت إميليا قد وصلت فيها الى مرحلة شديدة التطور والخطورة.
يؤسس كاتب السيناريو والمخرج في هذا الفيلم إلى تتابع سردي مختلف عن الجزء الأول فقد شاهدنا كيف تم إخراج القصة من منطقة الرعب الكامل إلى نوع من المزج ما بين الكوميديا والخيال العلمي مع جرعة عالية من التشويق والإثارة والحركة وهو ما تم تمريره بسلاسة من خلال التمهيد لظهور شخصية ميجان كضرورة حتمية لغرض الوقوف في وجه الشر القادم الممثل في شخصية إميليا التي كانت محتجزة في داخل إطار من الزمن الافتراضي الذي ضاعف في داخلها نزعة العنف والانتقام والوحشية والشراسة في مواجهة الخصوم وهو ما سوف نشهد فصوله من خلال المواجهة بين ميجان وإميليا.
وفي هذا الصدد يقول الناقد بيتون روبنسون في موقع روجر ايبيرت: «إن ما كرس الهوس بفيلم ميجان هو طابع الغموض السائد معززا بالجرأة ومدعوما بالنجاح في الجزء الأول والانتشار الواسع، أما في هذا الجزء فهنالك مستوى من التحدي وأساليب التشويق بطرقٍ متعددة، بما في ذلك كثرة المفارقات الطريفة، وكثرة مشاهد الحركة شبه الخالية من سفك الدماء. إنه فيلم يتخلى عن جذوره المرعبة متجها إلى الكوميديا مع مزيج من الاستعراض والسعي لإضحاك المشاهدين، وقد نجح في ذلك بما فيه الكفاية.
إنه يُقدم بالضبط ما يرغب مُحبو الروبوت الجريء في مشاهدته في دور السينما مع أن هنالك الكثير من الإثارة التي عرفها الجمهور في الجزء الأول، وضحى بها المخرج في الجزء الثاني».
على الجانب الآخر من هذه المعالجة الفيلمية يتم الزج بجوانب سياسة وصراعات دولية لتطوير الحبكة باتجاهات تصاعدية مفتوحة ومن ذلك أن حكومة الولايات المتحدة قد حصلت على التكنولوجيا المتطورة المفضية إلى توظيف الذكاء الاصطناعي- أو هكذا ظنت- خبيرة الروبوتات جيما حتى أصبح هذا التطور تحت سيطرة عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي (تيم شارب)، الذي - لسبب ما - يُعيرها لغرض تنفيذ مهمة سرية على الحدود بين إيران وتركيا.
هنا سوف يمضي العميل الفيدرالي في تتبع مسار إميليا بعد فشل المهمة، وتمردها ثم وهي عائدة إلى الولايات المتحدة لمواصلة سلسلة من الجرائم الخطيرة وهو ما سوف يدفع جيما – الممثلة إليسون ويليامز إلى قبول أن يجري إيجاد الضد لإميليا من خلال شخصية ميجان وإعادة تأهيلها لغرض أن تصبح ندا حقيقيا تقف في وجه إيميليا وتتصدى لها وهو ما شهدنا مراحله تباعا مع أن جيما نفسها هي من أشد المناوئين للتكنولوجيا الرقمية المتطورة والذكاء الاصطناعي ومن المحذرين من سيطرته على الحياة البشرية وتعده نوعا من الإدمان الذي يشبه الإدمان على المخدرات ولكن للضرورة أحكام فليس الولايات المتحدة مهددة فحسب بل العالم كله مهدد بسبب إسناد الذكاء الاصطناعي المتطور لجرائم إميليا.
يطرح الفيلم فرضية حول خطر سيطرة أوليجارشية الروبوتات، مُحذّرا من عواقب الجمع بين الملكية المفرطة لشركات التكنولوجيا العملاقة الثرية لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة وتقدمها المتهور في هذا المجال موجها رسالة واضحة مفادها وخلاصتها أنه لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل محل التواصل البشري والإنساني، وعندما يُسلم الكبار المسؤولية للآلات، تكون هناك عواقب خارج السيطرة في كثير من الأحيان ونتائج كارثية غير محسوبة.
ومع تصاعد زخم الأحداث أوجد الفيلم توازنا ما بين الشخصيات الرئيسية والثانوية ومن ذلك النجاح في تقديم شخصية كادي، الطفلة التي فقدت والديها ثم بعد تعرضها لصدمة نفسية، وما تلا ذلك من انخراطها في حيل للذكاء الاصطناعي بالتوازي مع دور عمتها جيما التي كانت غائبة بشكل شبه كلي عن المخاطر المحتملة القادمة، بينما هي غارقة في عملها التقني لذا كان بناء شخصية ميجان بوصفها آلة مُبرمجة لكي تكون بمثابة الحامي المثالي وصولا إلى شخصية المنقذ من الكارثة القادمة والصراع والمواجهة التي لابد منها، كل ذلك جعل جيما تقبل بالأمر الواقع.
بالطبع مرر الفيلم نوعا من النقد الضمني لمجريات التربية الحديثة ومن أوجهها أن تعطي جهازا لوحيا لطفلك وتتركه غارقا في ذلك الإدمان وهو ما وقفت جيما ضده طويلا لكنها وفي مواجهة العاصفة القادمة كان لابد لها من التعاطي مع تلك التكنولوجيا المتطورة والتسامح مع نتائجها.
وبعد هذا لابد من الإشارة إلى مشهد الافتتاح الملفت للنظر حيث تظهر عبارة «في مكان ما على الحدود التركية/الإيرانية» حيث تظهر ميجان وهي تواجه بشراسة أولئك الحراس والجنود ولكي يمهد المخرج لإشكاليات كونية ذات طابع سياسي زج فيها شخصيتي ميجان وإميليا في خضم الصراعات من تلك الحدود التركية الإيرانية إلى الصين إلى الولايات المتحدة حيث تم تقليص موجة الروبوتات التي هددت حياة الأشخاص باتجاه التهديد العالمي الذي تُشكله الروبوت العسكرية هذه المرة وهو المحور الأساس في تلك الرحلة المشوقة للأحداث.
.....
سيناريو وإخراج: جيرارد جونستون
تمثيل: إليسون ويليامز في دور جيما، فيوليت مجراو في دور كادي، آمي دونالد في دور ميجان، برايان الفاريز في دور كول
إنتاج/ مدير التصوير: توبي اوليفر
مونتاج: جيف ماكفاي التقييمات/ آي ام دي بي 8 من 10، روتين توماتو 70%، لتر بوكس 7 من 10
