بريد القراء

تنظيم سوق اللبان العماني أولوية وطنية

17 يوليو 2025
17 يوليو 2025

كان التواصل في قديم الزمان بين الحضارات يتم من خلال وسائل اتصال مثل الحديث، والصور، والرسم، وغيرها. وتنقسم الحضارات من الناحية الاتصالية إلى عدة أنواع، مثل الحضارة السمعية- الشفوية، والحضارة الكتابية، وحضارة الطباعة، وأخيرًا حضارة التلغراف والهاتف والصور. وقد حظيت شجرة اللبان عبر التاريخ بحضور هائل جعل منها جسرًا إلى كل حضارات العالم القديم قبل أكثر من 7 آلاف سنة. ولأجلها، تحركت القوافل التجارية في مسارات شاقة من محافظة ظفار بجنوب سلطنة عُمان إلى شواطئ جنوب العراق، وإلى الشام ومصر القديمة، وحتى غزة الفلسطينية الساحلية التي حملت منها السفن ثمار الشجرة الظفارية إلى البلدان الأوروبية، وخاصة روما القديمة.

ويُعد اللبان العماني من أهم الموارد التي تزخر بها أرض عُمان المباركة، وكما قال الأستاذ الراحل عبدالقادر الغساني في بحثه «أرض اللبان في سلطنة عمان»: «يجب أن يعود النفط الأبيض للسوق، لمساعدة النفط الأسود في رفد ميزانية الدولة». والنفط الأبيض هو اللبان.

مرارًا وتكرارًا، رأينا العديد من اللجان التي تُعنى بشؤون اللبان ومنتجي اللبان، ولكن لم نرَ أثرًا إيجابيا لهذه اللجان على أرض الواقع. لذا، يجب علينا أن نتحرك جميعًا نحو تحرير هذه الشجرة المباركة من سطوة الأيادي العاملة الأجنبية التي لا ترحمها. والشيء بالشيء يُذكر، لقد مررت على شجرة للبان في وادي شليون التابع لولاية سدح قبل سنة تقريبا، ورأيت شجرة لبان شبه ميتة من كثرة استخدامها دون الاهتمام بأي تفاصيل بسيطة تساعد على استمرار حياة هذه الشجرة كما أنني أكاد أن أجزم أن من قام بتلك الفعلة غير عماني.

هذه الشجرة لها اهتمام وتقدير في ثقافة العماني ومنها عاشت أجيال عديدة لما قبل ظهور النفط. في الواقع هناك عدة تحديات فيما يخص إنتاج اللبان والحلول المقترحة كثيرة ومنها: إن شجرة اللبان تقع في أماكن وعرة في أغلب المواقع، وقد أصبحت ممارسة هذه المهنة أمرا صعبا على المواطنين في رغد الحياة الذي نعيشه في ظل جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه -، ومعظم هذه الأشجار تنمو في مواقع غير مأهولة بالسكان، وقد أصبحت القوى العاملة الوافدة تسكن تلك المواقع وتعمل على استخراج اللبان وبيعه في الأسواق وتحديد سعره، ناهيك عن التعديات التي تقوم بها هذه القوى العاملة ربما يصل إلى إدخال لبان غير عماني إلى السوق وهذا الأمر غير مستبعد، وأصبح المواطن مستهلكا فقط للبان وغير مستفيد منه تجاريا من ناحية سلسلة توريد وإنتاج هذا المنتج الأصيل الذي يعتبر منتجًا وطنيًا بامتياز، ولكن قد نجد المواطن في بعض جنبات الأسواق كبائع تارة وأخرى كصاحب محل صغير في إحدى الأسواق المحلية. لذا، يجب علينا جميعًا أن نبحث عن أفضل الاستراتيجيات لحل هذه المعضلة وإدارة تلك المواقع التي توجد بها شجرة اللبان، وتحديد سعر كيلو اللبان بناءً على تكلفة استخراجه، لتصبح دورة الأموال المستثمرة في هذا المجال بين العمانيين أنفسهم دون غيرهم، بما أن المنتج وطني بامتياز، من الحلول المتوقعة لحل مشكلة حيازة الأراضي والقوى العاملة الوافدة، واجهت بعض اللجان مشكلة أن المواقع التي توجد بها شجرة اللبان توجد بها صكوك قديمة وخلافات تاريخية.

لذا، ليس من واجبنا الوقوف أمام هذه المعضلة دون حل. ومن أبسط الحلول هو توزيع أراضٍ لزراعة أشجار اللبان، أو استثمار بعض المواقع في محمية دوكة أو غيرها من المواقع المحمية التي يجب أن تؤتي أُكُلها بعد كل هذا الاهتمام طيلة عقود من الزمن.

وبهذا الحل سنحقق الاستدامة في إنتاج اللبان من خلال وجود الأرضي المنتجة وهي النقطة الأولى في توطين هذه المهنة، والخطوة التالية بعد الحصول على مواقع لاستخراج اللبان تأتي إشكالية أخرى، وهي أن هذا القطاع لا نجد له قوى عاملة وطنية متشجعة للعمل في استخراج اللبان لصعوبة طريقة استخراجه، ولا توجد هناك حلول واضحة من قبل هذه اللجان.

يمكننا حل هذه الإشكالية من خلال السماح لمنتجي اللبان، باستخراج إقامة عمل لبعض العمال من الجاليات العربية التي لديها خبرة في أشجار اللبان، وأن يعمل هؤلاء العمال بطريقة قانونية تحت إشراف المواطن العماني الذي صُرفت له أرض بها أشجار للبان أو المزرعة. وهذه المزرعة تخضع لإشراف من قبّل جهات مختصة، للحفاظ على هذه الأشجار بطريقة معقولة ومنظمة. ومن خلال هذا الحل، سنصل إلى مرحلة إنتاج اللبان ثم يجب أن يكون لدينا سوق منظم مختص في بيع اللبان العماني، وأن يكون محطة لتخزين وبيع اللبان. وأعتقد أن هذه الخطوة تم تنفيذها قبل الخطوات الأكثر أهمية منها، وهو سوق الحافة الجديد، أيعقل أن يكون سوق قائم على منتج عماني أصيل دون النظر في طرق استدامة هذا المنتج؟

اللبان منتج ذو جدوى اقتصادية كبيرة في حالة تم تنظيمه بشكل واضح، ويمكن للقارئ أن يلاحظ أن كل تلك الحلول التي قدمتها وهي: تنظيم أراض لزراعة أو جني اللبان وتنظيم مهنة جاني اللبان، هي حلول قانونية لا تحتاج إلى أي موازنة مالية وإنما تحتاج إلى تنسيق وتقنين للوصول إلى سوق منظم.

إذا استمر قطاع اللبان بدون تنظيم كما هو عليه الحال حاليًا، لا يمكننا أن نتمكن من أن نقول: أصبح اللبان بمثابة النفط الأبيض. اللبان لغاية لحظة كتابة هذا المقال لا يمكن أن يحصل على هوية «صنع في عمان» لأنه منتج غير صناعي واستنادا إلى القرار الوزاري الصادر من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار رقم 2023/12 بشأن لائحة تنظيم ترخيص استخدام هوية المنتج الوطني «صنع في عمان»، فإن المادة (٤) من اللائحة نصت صراحة على أن من شروط الحصول على ترخيص استخدام الشعار أن تكون الجهة المتقدمة حاصلة على ترخيص صناعي أو ترخيص حرفي ساري المفعول. مثل هذه اللوائح التنظيمية مهمة جدا، ولكن عندما يتعلق الأمر بتنمية منتج وطني معين أعتقد من المهم أن يتمّ استثناؤه كونه منتجا وطنيا، وهناك تساؤل في حالة لم يحصل تجار اللبان على موافقات لاستخدام هوية صنع في عمان على اللبان، كيف يمكن للوزارة أن تمنح الهوية ذاتها للمنتجات المصنعة من اللبان مثل الزيوت، دون التأكد من هوية المادة الخام التي صنّعت منها تلك المنتجات؟؟

أخيرا الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية كثيرة ومثمرة، ولدينا في سلطنة عمان أمثلة عديدة ومجربة في حماية المنتجات وتوطينها يجب الاستفادة منها على سبيل المثال لا الحصر، قطاع صيد الأسماك، وهناك أنواع مختلفة من التراخيص، بما في ذلك تراخيص الصيد التجاري، والصيد الحرفي، والصيد الترفيهي، التي ينص بعضها على أن لا يعمل بها إلا المواطنين وعلى عكس غيرها التي يسمح بها العمل للأجانب بشرط وجود كفيل عماني مما يضمن عدم المساس بحقوق الصيادين المحليين أو الثروة البحرية، ونتائج هذه القوانين إيجابية وكثيرة ومن ملامح نجاح هذه القوانين وجود تجار مواطنين بنسبة كبيرة في هذا القطاع من مرحلة الصيد إلى البيع في الأسواق المخصصة ثم التصدير، ووصل الأمر إلى حد كبير من الاهتمام بتلك الثروة من خلال وضع مواسم لبعضها مثل الصفيلح والشارخة لضمان وجودها في الأحياء المائية. ختاما اللبان بحاجة إلى لوائح تنظيمية مثل هذه التجربة العمانية الناجحة التي ذكرتها.