أوكرانيا بحاجة إلى مستقبل وعضوية في الناتو

11 يوليو 2023
ترجمة: أحمد شافعي
11 يوليو 2023

ما لم تقدم الولايات المتحدة في قمة الناتو التي تنعقد بالعاصمة الليتوانية فيلينوس هذا الأسبوع، نموذجا للقيادة الجريئة في ما يتعلق بأمن أوكرانيا على المدى البعيد، فقد يأتي اليوم الذي يتساءل فيه المؤرخون «من ضيَّع أوكرانيا؟» وقد يكون جوابهم الصادم هو «الرئيس جو بايدن».

أقول هذا وقد تحدثت إلى نطاق عريض من الناس في كييف الأسبوع الماضي، قبل أن أغادر أوكرانيا يوم السبت، وهو اليوم الخمسمائة في أضخم حرب شهدتها أوروبا منذ عام 1945. لم تزل هناك الروح القتالية الاستثنائية التي وجدتها في زيارتي السابقة في فبراير. لكن في غضون خمسة أشهر يبدو أن بعض الناس شاخوا خمس سنين. تعبوا. لم تزل الخسائر في أرواح العسكر والمدنيين تتصاعد.

مع أعضاء آخرين في بعثة تقصي الحقائق التابعة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، شهدت صلوات تتلى في دير سان ميشيل على نعش الكاتبة الأوكرانية فيكتوريا أميلينا. ففيما كانت تزور كراماتورسك لتوثيق جرائم الحرب الروسية، أصبحت هي نفسها ضحية حرب روسية. وفي الوقت الذي ينتاب القلق فيه إدارة بايدن إزاء كل خطوة من خطوات التصعيد، يستمر فلاديمير بوتين في تصعيد واضح بتفجيره جسر كاخوفكا قاضيا على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية.

في استطلاع أخير، قال 78% من الأوكرانيين إن أفرادا مقربين من العائلة أو الأصدقاء أصيبوا أو قتلوا منذ حرب روسيا وأوكرانيا في العام الماضي. وليس خفاء الألم إلا بسبب قناع أدرينالين المقاومة، لكن بعد الحرب، سوف يواجه البلد كله صدمة عظيمة الانتشار. ولقد حكى لي قس عن جندي رجع من الجبهة بعد أشهر فلم يستطع النوم. كان الهدوء في البيت أشد من أن يسمح له بالنوم.

اعترف ضباط كبار صراحة بمدى بطء تقدم الهجوم المضاد في هذا الصيف، وبخاصة على حقول الألغام الروسية والخطوط المتعددة الدفاعية المضادة للدبابات في الجنوب. فلم يصل بعد الدفع الجمعي للألوية المدربة والمجهزة من قبل الغرب، ولكن في هذا النوع من الحروب تكمن الميزة في الدفاع المترسخ. وروسيا أقوى في الجو بشكل حاسم. ومن هنا الإصرار الأوكراني المستمر على الحاجة إلى المزيد من أنظمة الدفاع الجوي وطائرات إف 16 المقاتلة.

في استطلاع أجري في شهر مايو، قال 87٪ من الأوكرانيين إنهم متفائلون بشأن مستقبل بلدهم، ولكن بعيدا عن العلن ثمة مزاج متزايد التجهم. فقد قيل لنا إن واحدا من كل خمسة أطفال أوكرانيين موجود الآن خارج البلد. وقد أطلعنا تيموفي مالوفانوف رئيس مدرسة كييف للاقتصاد على توقعاته القائمة على الاتجاهات الآلية أن قوة العمل سوف تتقلص إلى حد الثلث خلال السنوات القليلة القادمة. سيكون تحديا شاقا أن يتم توفير الوظائف والسكن والمدارس التي بدونها لن يرجع ملايين الأوكرانيين من الخارج.

لذلك حينما أسأل «من ضيع أوكرانيا؟» لا أعني من تسبب في خسارة الحرب. وإنما أعني خسارة السلام: من خسر البلد المنهك المدمر المصدوم الذي لا تزال أرضه نهبا، ولم يزل كله في البرزخ. وذلك لأن هذا هو هدف بوتين الانتقامي: إذا لم يتسن له إرجاع أوكرانيا إلى الإمبراطورية الروسية، فليتركها خرابا.

وهذا ما يرجع بنا إلى الولايات المتحدة. فدعمها العسكري جوهري لأوكرانيا كي تفوز في الحرب. والأمن بعيد المدى جوهري لأوكرانيا كي تفوز بالسلم. وبدون الأمن، سيكون الاستثمار قليلا، والعائدون أقل، وإعادة الإعمار فاشلة. ويعني هذا في النهاية أن عضوية الناتو مسألة حاسمة بالنسبة لأوكرانيا.

في حين أن دعم الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا لأوكرانيا كان هائلا ولا غنى عنه، فأوروبا الآن متقدمة على الولايات المتحدة في الموقف الاستراتيجي تجاه البلد المنكوب. لقد فعل الاتحاد الأوروبي ما لم يفعله الناتو إذ التزم التزاما لا لبس فيه بعضوية أوكرانيا. ومثلما حدث في أماكن أخرى في وسط أوروبا وشرقها منذ 1989، فإن لهذا أثرا كبيرا على سياسات البلد وأوضاعه السياسية. فالجميع في أوكرانيا الآن لديهم ذلك الهدف الكبير المشترك وهو «الانضمام إلى أوروبا». وقد قال لنا خبراء ونشطاء غير حكوميين إنهم يريدون بالفعل اشتراطات أوروبية أشد صرامة، لمكافحة الفساد، وتقوية سيادة القانون وتحسين الحكم. إن حزمة الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي بقيمة خمسين مليار يورو ولمدة أربع سنوات تمثل إطارا لأجندة داخلية لإعادة الإعمار والإصلاح.

والأوروبيون متقدمون أيضا عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى بيان قوي من قمة فيلينوس بشأن عضوية أوكرانيا مستقبلا في الناتو. ولا يقتصر هذا على وسط أوروبا وشرقها. ففي «تحول سحري» في الموقف الفرنسي على حد وصف مركز أبحاث في كييف، خرج الرئيس إيمانول ماكرون بتأييد قوي. ألمانيا أكثر ترددا لكن مشكلة كييف الكبرى الآن هي واشنطن.

ولكن الأوكرانيين واقعيون. يعرفون أنهم لا يمكن أن ينضموا للناتو والحرب لم تزل سارية. وهم يريدون ما يطلقون عليه «الدعوة السياسية» التي يتم تنفيذها فقط حينما تكون الظروف مواتية. وعلى سبيل الجسر المفضي إلى تلك اللحظة، يسعون إلى التزامات أمنية من قوى الناتو الرائدة من قبيل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتسمى هذه في بعض الأحيان «ضمانات أمنية»، لكن مثلما أوضح أحد الخبراء، قد يكون الوصف الأدق هو «ضمانات المساعدات الأمنية». حيث تتعهد هذه القوى بالاستمرار في توفير الوسائل العسكرية اللازمة لأوكرانيا لمحاربة المعتدي. وسيكون هذا شيئا مماثلا لما تفعله الولايات المتحدة مع إسرائيل، ولكن من شركاء متعددين وفي مسار واضح إلى عضوية الناتو في نهاية المطاف.

في وقت كتابة هذه السطور، لم يزل بايدن غير حاضر. وقد قال في يوم الأحد للصحفي فريد زكريا من (سي إن إن) إن أوكرانيا ليست مستعدة لعضوية الناتو وإن الترتيبات الأمنية يجب أن تكون متاحة «إذا حدث وقف لإطلاق النار، وإذا كان هناك اتفاق سلام». وأكد كلمة «إذا». عند التحقق من ذلك من خلال التصريحات العلنية والخاصة لكبار المسؤولين الأمريكيين، يكتشف المرء موقفا متشددا إلى حد ما. سيتم منح عضوية الناتو كمكافأة مستقبلية لأوكرانيا التي تفاوض على أفضل سلام يمكن الحصول عليه، ربما بقبول بعض الخسائر الكبيرة في الأراضي.

لو أن هذه هي النتيجة المنتظرة من قمة فيلنيوس، فستكون خيبة الأمل كبيرة في أوكرانيا. (هدية القنابل العنقودية الأمريكية المشكوك فيها أخلاقيا ليست بديلا عن الالتزامات الأمنية طويلة المدى، ولكنها تضفي حيرة على الجدل كله). ولقد سمعنا بالفعل مؤشرات في كييف عن تزايد الغضب على الغرب. فلو ترك الأوكرانيون لخوض 500 يوم أخرى من القتال وحدهم، دون وعد ثابت بالأمن في المستقبل، فسيجد حتى أشجع الشجعان صعوبة في إعادة بناء بلدهم المنهك المجهد المصدوم.

أما لو أعطى الغرب لأوكرانيا الوسائل العسكرية اللازمة لكسب هذه الحرب، مضيفا وعدا ثابتا بعضوية الناتو في المستقبل عندما تنتهي الحرب، فإن الولايات المتحدة ستنتهي بأوروبا أقدر على الدفاع عن نفسها أمام روسيا. ستكون الولايات المتحدة بعد ذلك قادرة على تخصيص المزيد من مواردها للتهديد الجيوستراتيجي من الصين.

سيتم اتخاذ القرار النهائي هذا الأسبوع، على طاولة القادة في فيلنيوس. هيا يا سيادة الرئيس، افعل الشيء الاستراتيجي الصائب، والجريء. فالتاريخ عينه عليك.