نوافذ :بين فضاءين..

23 يونيو 2023
23 يونيو 2023

shialoom@gmail.com

يبدو أننا محاصرون بين فضاءين لا ثالث لهما؛ هما: الفضاء الخاص، والفضاء العام، ففي المسافة الفاصلة بين الفضاءين ثمة اشتغالات كثيرة، لا بد أن تكون بعضها من المسلمات، وبعضها الآخر من الواجبات، وثالثها من المحظورات، ورابعها من المندوبات، وخامسها من (خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وفي كل هذه التراتبية من الاشتغالات، أو حتى في عشوائية تراتبيتها تبقى مجموعة من المحاذير لا بد من الأخذ بها، وتبقى مجموعة من الأوامر والنواهي؛ لا بد من الأخذ بها أيضا، والذي يحدث أكثر أن كلا الفضاءين يعيشان في حركة دائمة، متداخلين إلى درجة الانصهار، في ظرف ما، ومتقاطعين إلى درجة النفور، في ظرف آخر.

تحضر القيم الإنسانية بوجهيها (الإيجابي/ السلبي) في هذين الفضاءين بقوة كبيرة، وتؤثر تأثيرا غير منكور في اشتغالات الأفراد في كلا الفضاءين، ولو سلسلنا مجموعة من هذه القيم لضرب المثل؛ فيمكن القول: إن الرحمة، والصدق، والأمانة، والكرم، والأخوة، والتآزر، واللحمة، والكذب، والسرقة، والخيانة، والظلم، وسوء الظن، وغيرها الكثير، فهذه كلها أول خطوة في انطلاقتها أنها تنطلق من الفضاء الخاص بالفرد، ويمكن للفرد أن يحتويها، ويوظفها التوظيف الذي يذهب إليه أو يفكر فيه، ويمكن في الوقت نفسها أن تتحرر هذه القيم، والممارسات من فضائها الخاص بالفرد، إلى الفضاء العام بالمجموعة الإنسانية، ويمكن قياسها على مجموعة الأسرة، أو المجموعة الأكبر «المجتمع» وفي الوقت نفسه يمكن أن تحدث مجموعة من التداخلات بين طرفي الفضاءين فيتم تبادل هذه القيم والممارسات، وبالتالي تؤثر إيجابا أو سلبا حسب نوع القيمة، أو السلوك أو الممارسة المعنونة بذاتها.

ولا تقتصر الصورة على هذه المفردات الصغيرة على أهميتها في إحداث فوارق نوعية في سلوكيات الناس، فهذه الفوارق النوعية تحددها نتائج الفعل أو السلوك المنفذ على الواقع؛ سواء هذا الواقع في إطار الفضاء الخاص، أو الفضاء العام، حيث تنضم إليها مجموعة من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين الفضاءين، ولكن ما يميز الموضوعات أنها قابلة لأن تحتل شيئا من الاهتمام في فضاء ما (فردي/ عام) ومن ثم تنتقل إلى الفضاء الآخر، فتكون محطة اهتمام غير عادية، يشار إليها بالبنان، ومعنى ذلك فلو أن هناك قضية خاصة متعلقة بفرد ما- ضمن خصوصيته الفردية- وعندما يكثر عنها الحديث فتنتقل تلقائيا من فضائها الخاص، إلى الفضاء العام، وقد ترتقي إلى ظاهرة اجتماعية، تستوجب الاهتمام الكبير، حيث قضية المجتمع ككل، وليس الفرد صاحب النشأة الأولى.

ولذلك نرى كثيرا من القضايا والموضوعات التي كانت حالة خاصة بفرد، أو بأسرة صغيرة، ولكن لأنها تتكون من حمولة اجتماعية ثقيلة، تصبح رأيا عاما يتسع تشعبها بصورة تراكمية سريعة، قد تتجاوز سرعتها استيعاب الناس لها، فيتساءلون عن ماذا حدث بالضبط؟ فالطلاق؛ مثلا؛ سلوك فردي، ويحدث باستمرار بين حواضن الأسر؛ صغيرها وكبيرها؛ لكن عندما تتعدد حالات الطلاق في مجتمع ما، فالحالة هنا تنتقل من فضائها الخاص بزوجين حدث بينهما طلاق، إلى الفضاء العام الذي تعددت فيها حالات الطلاق، حيث يستوجب الأمر بحث الظاهرة، والوقوف على أسبابها خوف تناميها البغيض؛ لأنها مرتبطة بمجتمع يحرص أفراده ومجموعاته على الأمن الاجتماعي والاستقرار الأسري، فاليقين لا أحد يريد أن تحدث حالة طلاق واحدة، فكيف بتعدد الحالات؟ ومن الملاحظ في هذه المسألة أن الفضاء الخاص هو الحاضنة المُوَلِّدَةُ لأحداث الفضاء العام، وليس العكس، وإنما يستشف الخاص شيئا من قضاياه من الفضاء العام، فقد يستفيد منها، ويقلل من أخطائه.