بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية الوجع المشترك

13 يونيو 2023
13 يونيو 2023

رغم المقدرات والإمكانيات والثروات الطبيعية التي توجد في قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية لا يزال هذا الحيز الجغرافي من العالم يعاني الأمرين على صعيد التنمية المستدامة وعلى صعيد مؤشر الفقر والحروب والصراعات المتواصلة منذ عقود.

ورغم وجود البرازيل البلد الأكبر في أمريكا اللاتينية وهي من القوى الاقتصادية المهمة وعضو مجموعة بريكس إلا أنها تعاني من مشكلات داخلية في ظل تنامي السكان والديون وتصاعد البطالة. وهناك على الجانب الآخر من القارة الإفريقية تبرز جنوب إفريقيا كقوة اقتصادية مهمة كونها أيضا عضوا في مجموعة بريكس ولديها صناعات عسكرية ومدنية مهمة كما هو الحال في البرازيل، ومع ذلك فإن جنوب إفريقيا التي ناضل شعبها لعقود ضد الفصل العنصري لا تزال فيها مشكلات حقيقية خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

وإذا كان الأمر مع أهم نموذجين في أمريكا اللاتينية وإفريقيا فكيف يكون الحال مع بقية دول القارتين الإفريقية واللاتينية في ظل الصراعات والحروب والانقلابات العسكرية التي تعد الأكثر حدوثا منذ عهد الاستقلال علاوة على المخططات الاستعمارية التي واجهتها دول القارتين خلال عقود ولا تزال.

أمريكا اللاتينية تميزت بثورات شعبية متواصلة في كوبا وتشيلي والأرجنتين ونيكارجوا وغيرها من الثورات التي قادتها رموز وطنية في بلادهم فهناك تشي جيفارا وكاسترو وأورتيجا ودي سيلفا وغيرهم الذين يعدون رموزا وطنية في نظر شعوبهم. ويبدو لي أن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي القارة الجارة لأمريكا اللاتينية لعبت دورا سلبيا على صعيد الانقلابات العسكرية، وعلى صعيد زعزعة الاستقرار في دول مثل كوبا وفنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية. ولعل الباعث الأساسي للسياسة الأمريكية تجاه دول أمريكا اللاتينية هو ضمان وجود أنظمة سياسية تنسجم، والسياسة الأمريكية علاوة على أن واشنطن تدرك أهمية الثروات والطاقة في هذا الجزء من العالم ومن هنا حدث عداء تاريخي بين نظام فيدل كاسترو والقيادات الأمريكية المتعاقبة خلال عقود، وتعرض كاسترو لعشرات من محاولات الاغتيال، والسبب أن النظام اليساري في كوبا يؤثر على مسار بقية الأنظمة في أمريكا اللاتينية. وهذا ما حدث حيث نجح عدد من القيادات اليسارية في الوصول إلى السلطة مثل الراحل تشافيز في فنزويلا وحتى داسيلفا في البرازيل، وإن كانت هذه الأخيرة لها علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإن قيادات في تشيلي والإكوادور ونيكارجوا يمثلون الوجه السياسي ضد الليبيرالية الأمريكية. ومن هنا دخلت دول أمريكا اللاتينية في صراعات وحروب أهلية قاسية لعقود وإثر ذلك على مجمل التنمية والتحديث. ورغم الإمكانات الطبيعية لعدد من دول القارة اللاتينية إلا أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لا تزال جاثمة على شعوب تلك القارة، صحيح لا يمكن إلقاء اللوم بشكل مباشر على التأثيرات والتدخلات الأمريكية في شؤون دول القارة إلا أن ذلك ساهم في جملة من المشكلات علاوة على انتشار قضايا الفساد وتجارة المخدرات والجريمة. ومن هنا لم تستطع دول أمريكا اللاتينية الخروج من تلك المشكلات التي أعقبت استقلالها من الاستعمار الأسباني ولعل النموذج الأرجنتيني يعد صارخا على صعيد الديون وتدهور العملة المحلية.

إذن الأنظمة السياسية المتعاقبة في دول أمريكا اللاتينية لم تستطع خلال نصف قرن من إيجاد تحولات حقيقية، رغم أن البرازيل ومع تقدمها الصناعي والعسكري لا تزال تعاني شعبيا من مشكلات حقيقية. كما أن الثروات النفطية الكبيرة مثلا في فنزويلا لم تغير من مسار الحياة الاجتماعية على ضوء المؤشرات الدولية والتصنيف الدولي، وإن كان الاقتصاد البرازيلي يظل هو الاقتصاد الأكبر في أمريكا اللاتينية، ولعل من الظواهر الإيجابية في أمريكا اللاتينية هو انحسار الحروب والصراعات الداخلية، وهذا مؤشر إيجابي قد يعطي السلطات في تلك الدول فرصة لانطلاقة اقتصادية وتنموية في هذا الجزء من العالم. كما أن من الأمور الإيجابية التي ينبغي الإشادة بها هو الموقف السياسي الإيجابي لعدد من دول القارة المساند للقضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية وهذا الأمر يسجل تاريخيا لعدد من دول أمريكا اللاتينية.

على صعيد إفريقيا فإن المشهد السياسي أكثر تعقيدا رغم الإمكانات الكبيرة التي تحويها القارة من النفط والغاز والذهب والمعادن النفيسة والأنهار وحتى القوة البشرية إلا أن القارة الإفريقية تعاني من وجع متواصل حيث إنها من أكثر القارات حروبا أهلية وصراعات، ولعل ما يحدث في الصومال وتشاد وإفريقيا الوسطى والسودان هي مجرد أمثلة فهناك صراعات عرقية مزقت عددا من الدول الإفريقية. وما يقال عن دول أمريكا اللاتينية يمكن قوله عن القارة الإفريقية السمراء من خلال دور الاستعمار القديم، خاصة الفرنسي والبريطاني وحتى الإيطالي والبلجيكي، لكن دور الشركات النفطية، يعد هو الأخطر وربما يجوز تسميته بالاستعمار الجديد من خلال استغلال ثروات القارة الإفريقية. ولعل شركة توتال الفرنسية هي فقط نموذج ولعل قيام بعض دول القارة بطرد القوات الفرنسية وإعادة العقود مع الشركات النفطية الغربية هو مؤشر على صحوة إفريقية، وإن كانت متأخرة. كما إن قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية كانت بمثابة عوامل تدخلت من خلالها القوات العسكرية الغربية، ولعل ما يحدث في تشاد والنيجر ودول الساحل وجنوب الصحراء هو نموذج على إثارة توتر مسلح في تلك الدول بحيث يظل الهاجس الأمني هو الشغل الشاغل للسلطات الإفريقية.

وعلى ضوء تلك المحددات السياسية والعسكرية فإن القارة الإفريقية تعاني وجعا متواصلا حيث انتشار الثالوث الخطير المرض والجهل والفقر، صحيح هناك بعض النماذج التي تبعث على الأمل كنموذج رواندا، ولكن نحن هنا نتحدث عن عشرات الدول. ويبدو لي أن عددا من الأنظمة السياسية العسكرية في إفريقيا خلال العقود الأخيرة فضلوا مصالحهم الشخصية على مصالح شعوبهم، ومن هنا يمكن تفسير ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تعد الأكبر على صعيد العالم خاصة وأنها تأتي بقيادات عسكرية.

إن أمام القارتين أمريكا اللاتينية والإفريقية فرصا حقيقية بمعنى أن المقدرات الطبيعية والبشرية متوفرة وإن نقلة تنموية كبيرة يمكن أن تتحقق إذا كانت هناك إرادة سياسية وتخطيط ورؤى مستقبلية والتعامل مع الشركات الغربية بشكل عادل وبدون ذلك سوف تظل القارتان تدوران في فلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وزيادة نسبة الفقر والبطالة وعدم الاستقرار.