قراءة في الزيارة السلطانية إلى إيران
تعد الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذات بعد استراتيجي وسياسي واقتصادي انطلاقا من العلاقات التاريخية التي تجمع بين بلادنا سلطنة عمان وإيران، حيث تميزت العلاقات بينهم بالاستقرار والاحترام المتبادل والتنسيق في مختلف المجالات. وهذا يعود إلى جملة من المعطيات من أهمها الجوار الجغرافي والبعد التاريخي، كما أن هناك الشريان البحري وهو مضيق هرمز الذي تمر عبره الطاقة إلى مختلف العالم علاوة على الروابط الاجتماعية والتبادل التجاري على ضفتي الخليج العربي.
لقد كانت زيارة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ذات بعد استراتيجي من خلال جملة من القضايا التي كانت محل بحث وحوار شفاف بين القيادتين العمانية والإيرانية، خاصة وأن الدبلوماسية العمانية بذلت جهودا كبيرة خلال السنوات الأخيرة في حل عدد من الأزمات والخلافات التي أرهقت المنطقة وخلقت توترا كبيرا بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران. علاوة على الخلافات بين إيران وجمهورية مصر العربية، وأيضا هناك الخلافات بين مملكة البحرين وإيران، علاوة على موضوع الملف النووي الإيراني الذي يعد أحد المشكلات الأساسية بين الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
وفي ظل هذا المشهد السياسي المعقد وفي ظل تلك الأزمات الإقليمية بذلت سلطنة عمان بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- جهودا مقدرة نتج عنها تفكيك بعض الأزمات. ولعل عودة العلاقات السعودية الإيرانية والاختراق الأهم على صعيد الحرب اليمنية تعد من الجهود التي نتج عنها انفراج إيجابي على صعيد تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
الزيارة السلطانية كانت ناجحة على ضوء البيان المشترك الصادر عن اجتماع القيادتين العمانية والإيرانية خاصة اللقاء المهم بين السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي علاوة على المباحثات الرسمية بين جلالته -حفظه الله- والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وقد بدأت ملامح نتائج تلك الزيارة الاستراتيجية في الظهور من خلال ترحيب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بعودة العلاقات بين إيران ومصر، وهذا مؤشر إيجابي على الجهد السياسي العماني في إنهاء الحروب والصراعات والأزمات التي أرهقت كاهل الشعوب ومقدراتها. ومن هنا فإن السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يواصل جهوده الخيرة والصادقة في إيجاد علاقات طبيعية بين دول المنطقة وإيران وحتى على الصعيد العربي العربي. وكان للدبلوماسية العمانية دور كبير في عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت أكثر من عقد، كما أن ملف العلاقات الإيرانية البحرينية حاضرة. ومن هنا فإن سلطنة عمان ومن خلال تلك الزيارات السلطانية إلى مصر وإيران وما سيأتي بعدها من زيارات في المستقبل القريب تشكل علامة فارقة في الانتقال من مفهوم الصراعات والحروب والخلافات إلى عهد الحوار والتعاون والشراكات الاقتصادية.
ومن خلال هذا المفهوم الشامل والموضوعي تنطلق الدبلوماسية العمانية التي تتخذ من مفهوم السلام والحوار منطقا أثبت جدواه منذ أكثر من نصف قرن منذ عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ويتواصل في عصر النهضة المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه.
على صعيد العلاقات الاقتصادية مع إيران فإن عددا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ينبغي تفعيلها علاوة على تطوير الحقل النفطي هنجام بخا، كما أن تطوير العلاقات في المجال السياحي والصناعي سوف يعزز من اقتصاد البلدين الصديقين وهناك إرادة سياسية بين القيادتين حول الدفع بالتعاون الاقتصادي إلى مستويات أكبر تعبر عن مستوى العلاقات السياسية المتميزة بين مسقط وطهران، خاصة وأن هناك فرصا واعدة في مجال الاستثمار والمناطق الاقتصادية وغيرها من المجالات علاوة على التعليم والزراعة والصحة والبحث العلمي وغيرها من المجالات الواعدة التي يمكن تحقيق تحول كبير لصالح البلدين والشعبين الصديقين.
إن الزيارة السلطانية لإيران تعد من الزيارات ذات البعد الاستراتيجي لأسباب تتعلق بالجوار الجغرافي والتاريخي علاوة على المشتركات التي تجمع بين سلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما أن هناك احتراما وتقديرا كبيرا يجمع بين القيادتين العمانية والإيرانية، وعلى ضوء كل تلك المحددات المشار إليها فإن إيجاد السلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي يعد أولوية قصوى لسلطنة عمان ولكل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران والمؤشرات وملامحها الحالية مشجعة من خلال حلحلة عدد من الملفات التي تمت الإشارة إليها.
ومن هنا فإن السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يواصل النهج السياسي العماني الذي بدأ منذ نصف قرن مما يجعل سلطنة عمان على الصعيد الإقليمي والدولي دولة تتمتع بالمصداقية والاحترام، وفي تصوري فإن إيجاد مقاربة سياسية للملف النووي الإيراني بين إيران والدول الغربية وروسيا والصين ستعود مجددا إلى ما حدث في عام ٢٠١٣، حيث لعبت سلطنة عمان وقيادتها الحكيمة والسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- دورا محوريا في الوصول إلى الاتفاق النووي الإيراني عام ٢٠١٥ مما جنب منطقة الخليج العربي اندلاع حرب كارثية مما جعل قادة العالم ودبلوماسييها يتحدثون عن دور الدبلوماسية العمانية التي تواصل النهج السياسي الحكيم لإيجاد منطقة تتمتع بالاستقرار والسلام وتتفرغ الدول والشعوب للإبداع والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
