السودان بين الحل السياسي والصراع العسكري

09 مايو 2023
09 مايو 2023

دخلت المفاوضات بين ممثلي الجيش السوداني وقوات التصدي السريع في مدينة جدة السعودية مرحلة صعبة بعد التصريحات التي تتحدث عن المواقف السياسية المتناقضة للطرفين، وفي ظل استمرار المعارك العسكرية، خاصة في العاصمة الخرطوم، وفي ظل المشكلات المعقدة التي يعاني منها الشعب السوداني على صعيد الخدمات الصحية وأزمة الغذاء ومشكلات لوجستية تتعلق بجلاء آلاف العالقين في المدن السودانية.

وعلى ضوء الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تطورت سلبيا بعد اندلاع الحرب فان المشهد السياسي في السودان هو في مفترق طرق خاصة وأن هناك دعما إقليميا للطرفين المتحاربين وهنا تكمن معضلة السودان منذ عقود، ورغم احتدام المعارك وتصميم كل طرف على تسجيل الانتصار عسكريا فان كل المؤشرات تشير إلى استحالة الحسم العسكري، وهذا يعني أن عدم الوصول إلى حل سياسي فإن الحرب سوف تتحول إلى حرب استنزاف كما هو الحال في الحرب اليمنية والحرب الروسية الأوكرانية، كما أن ذلك سوف ينعكس على الأوضاع الإنسانية خاصة قضايا الناس ومصالحهم المختلفة، وهذا هو نتيجة الحروب والصراعات الداخلية في الدول. كما أن استمرار الحرب سوف يضر بمقومات الدولة السودانية خاصة القطاع الصحي الذي يعاني الأمرين، حيث خرجت عشرات المستشفيات من الخدمة كما أن نقص الأدوية يشكل معضلة كبيرة علاوة على قطاع التعليم حيث من الصعب وجود انتظام الدراسة مع وجود المعارك حتى داخل أحياء مدينة الخرطوم.

إن الحرب في السودان لم تعد محلية الطابع ولكن تتحول تدريجيا إلى حرب بالوكالة، وهنا تكمن خطورة هذا الصراع في السودان حيث يصر كل طرف على موقفه، كما اتضح ذلك في اجتماع جدة. ومن هنا فإن الحرب في السودان سوف تتواصل إلى مدى أطول وهذا يعني معاناة الشعب على صعيد الخدمات الإنسانية، كما سوف تزداد معاناة آلاف المقيمين من العرب والأجانب، كما أن السفارات قد تنقل خدماتها إلى مدينة بورتسودان أو حتى تعلق خدماتها. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تلوح بفرض عقوبات اقتصادية على طرفي النزاع وهذا سوف يزيد المعاناة على المواطنين السودانيين. وعلى ضوء ذلك فإن الحل السياسي يكمن في تطبيقه وهو إعطاء دفة الحكومة إلى حكومة مدنية بشكل مؤقت تمهيدا إلى انتخابات عامة وبذلك ينتهي دور مجلس السيادة وعودة العسكريين إلى مواقعهم وثكناتهم وأداء مهامهم الوطنية المتمثلة في الدفاع عن الوطن السوداني ومقدراته، وهذا يعني أن وجود الدولة المدنية هو الحل بعد عقود صعبة من الحكم العسكري والانقلابات، ولعل التاريخ يسجل للمشير سوار الذهب رحمه الله والذي سلم السلطة لحكومة مدنية وهو موقف مشرف يسجل لهذا الزعيم السوداني ولكن للأسف انقلب العسكر من جديد ليحكموا السودان لمدة ثلاثة عقود في عهد الرئيس السابق عمر البشير من خلال انقلاب عسكري. ومن هنا فإن أول اختبار للقيادة الجديدة نحو إرساء الحكم المدني سجل فشلا ذريعا بعد الانقلاب على حكومة حمدوك وفشلت خريطة الطريق نحو الدولة المدنية. ومن هنا فإن السودان الشقيق يعيش منذ عهد الاستقلال عام ١٩٥٦ وهو يعاني من هذا الاستقطاب السياسي والصراعات بين الأحزاب والجماعات المسلحة وهناك الجماعات التي تقاتل في دارفور وكردفان وهذا يفرض واقعا سياسيا معقدا للوضع في السودان ويدخله وضعا صعبا خاصة مع التدخل الخارجي، حتى وإن كان غير معلن. كما أن موقع السودان الاستراتيجي ووجود عدد من الدول الأفريقية قرب الحدود السودانية يفرض وضعا لوجستيا معقدا فهناك إثيوبيا ومصر وتشاد وكينيا ودولة جنوب السودان، ومن هنا فإن الحرب في السودان هي حرب معقدة لابد من التدخل العربي والأفريقي لوقفها والتلويح بالضغط السياسي والاقتصادي على الطرف الذي يرفض وقف الحرب لأن المتضرر الأكبر من هذا الصراع العسكري هو الشعب السوداني حيث تقدر الأمم المتحدة بأن عدد النازحين إذا تواصلت الحرب لأسابيع قد يقترب من المليون سوداني، وهذه سوف تكون كارثة إنسانية كبيرة. كما أن القمة العربية المرتقبة في المملكة العربية السعودية الشقيقة في التاسع عشر من مايو الجاري لابد أن تناقش الوضع المتدهور في السودان الشقيق وإيجاد مقاربة سياسية لإنهاء الحرب والجلوس على طاولة الحوار حتى يمكن تجنب الأسوأ. إن السودان يدخل مرحلة ضبابية خطيرة خاصة إذا تدحرجت الحرب وأصبحت بمثابة حرب استنزاف أهلية وحرب إقليمية بالوكالة من خلال تدخل الأطراف الخارجية مع هذا الطرف أو ذاك كما أن المسؤولية الوطنية لكلا الطرفين المتحاربين أن يدركا أن مصلحة السودان شعبا ومقدرات أهم بكثير من الصراع على السلطة والنفوذ فبناء الأوطان يقوم على التضحية وخدمة الشعوب لما فيه الأفضل. ومن هنا فإن المنطق السياسي يقول بأن المسؤولية تقع الآن على قادة الجيش السوداني وقوات التصدي السريع لإنقاذ وطنهم السودان والذي يعاني أساسا حتى قبل اندلاع الحرب، وهناك نماذج صارخة على خطورة الحروب والصراعات، ولعل الحرب في اليمن وليبيا وسوريا هي مجرد أمثلة لما تعانيه شعوب تلك الدول. وعلى ضوء ذلك لابد من التفكير بشكل موضوعي من القيادات العسكرية وإيقاف الحرب لصالح السودان وشعبه الذي يعاني الأمرين. أما الإصرار على الحرب فقد يؤدي إلى نتائج كارثية تؤدي إلى تقسيم السودان في ظل اندلاع حروب وصراعات أهلية من الصعب التكهن بتوجهاتها وخطط الأطراف الخارجية حولها فهل تتوقف الحرب وينجح صوت الحكمة نأمل ذلك لصالح البلد العربي الشقيق السودان.