No Image
الاقتصادية

«صندوق النقد»: النظام المالي العالمي في مواجهة ضغوط ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة

13 أبريل 2023
13 أبريل 2023

سرعة تشديد السياسات النقدية بعد سنوات من انخفاض أسعار الفائدة تكشف عددا من الاختلالات -

سجلت أسهم البنوك تراجعا مؤخرا نتيجة الصعوبات التي يواجهها القطاع مما أسفر عن ارتفاع تكلفة التمويل في البنوك -

صناديق الاستثمار المفتوح ذات الأصول غير السائلة يمكن أن تضخِّم الصدمات وتهز استقرار أسعار الأصول -

«عمان»: قال صندوق النقد الدولي في تقرير نشره اليوم: إن النظام المالي العالمي يواجه ضغوطا هائلة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الذي أدى إلى زعزعة الثقة في عدد من المؤسسات. فسقوط بنك سيليكون فالي وبنك سيجنتشر في الولايات المتحدة نتيجة هروب المودعين غير المؤمن عليهم بعدما أدركوا حجم الخسائر الضخمة في محافظ الأوراق المالية للبنكين نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة والاستحواذ على بنك كريدي سويس في سويسرا من جانب منافسه بنك الاتحاد السويسري بدعم من الحكومة ساهما في زعزعة ثقة الأسواق وأسفرا عن استجابات كبيرة وعاجلة من جانب السلطات.

أشار العدد الأخير من تقرير الاستقرار المالي العالمي إلى تصاعد المخاطر المحيطة بمؤسسات الوساطة المالية المصرفية وغير المصرفية في ظل الزيادة السريعة في أسعار الفائدة لاحتواء التضخم. ويتضح من التجارب التاريخية أن الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية غالبا ما تنشأ عنها ضغوط كاشفة لاختلالات النظام المالي.

وأشار خبراء الصندوق إلى عدد من الفجوات في آليات الرقابة والتنظيم والتسوية في المؤسسات المالية. وحذرت الأعداد السابقة من تقرير الاستقرار المالي العالمي من الضغوط التي تواجه مؤسسات الوساطة المالية المصرفية وغير المصرفية في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.

أوضاع مغايرة لعام 2008

ووفقًا للصندوق، أدت الاضطرابات المصرفية إلى تفاقم المخاطر المهددة للاستقرار المالي، تختلف أسبابها اختلافا جذريا عن أسباب الأزمة المالية العالمية. فقبل عام 2008، افتقرت معظم البنوك إلى رأس المال الكافي بمقاييس اليوم، وكانت حيازاتها من الأصول السائلة أقل كثيرا، كما كانت أكثر انكشافا بكثير لمخاطر الائتمان. وعلاوة على ذلك، شهد النظام المالي الأوسع آنذاك تحولات حادة في المخاطر المرتبطة بآجال الاستحقاق والائتمان، وازداد تعقيد الأدوات المالية، واعتمد تمويل معظم الأصول عالية المخاطر على قروض قصيرة الأجل. وسرعان ما انتشرت الاضطرابات التي بدأت في بعض البنوك إلى الشركات المالية غير المصرفية ومؤسسات أخرى من خلال مجموعة من الروابط.

وأوضح أن الاضطرابات الأخيرة مختلفة. فالجهاز المصرفي لديه رصيد أكبر من رأس المال والتمويل للتغلب على الصدمات المعاكسة، كما تمت تصفية الكيانات خارج الميزانيات العمومية، وأمكن السيطرة على مخاطر الائتمان من خلال فرض قواعد تنظيمية أكثر صرامة في أعقاب الأزمة. أما تلك الاضطرابات، فهي نتيجة مزيج الارتفاع الحاد والسريع في أسعار الفائدة والنمو السريع لعدد من المؤسسات المالية التي لم تكن مستعدة لهذا الارتفاع.

وأضاف خبراء الصندوق: أدركنا أيضا أن الاضطرابات في المؤسسات الأصغر حجما من شأنها زعزعة ثقة الأسواق المالية الأوسع نطاقا، لا سيما في ظل الارتفاع المزمن في مستويات التضخم وما ينشأ عنه من خسائر في الأصول المصرفية. ولذلك فإن الاضطرابات الراهنة أشبه بأزمة المدخرات والقروض في الثمانينيات والأحداث التي سبقت سقوط بنك كونتيننتال إلينوي (Continental Illinois National Bank and Trust Co.) عام 1984، وهو السقوط الأكبر في التاريخ الأمريكي آنذاك. وكانت هذه المؤسسات أقل رسملة، كما عانت من عدم استقرار الودائع.

تصاعد التهديدات

وسجلت أسهم البنوك تراجعا مؤخرا نتيجة الصعوبات التي يواجهها القطاع، مما أسفر عن ارتفاع تكلفة التمويل في البنوك، والذي يرجح أن يؤدي إلى انخفاض مستويات الإقراض. وفي الوقت نفسه، لم يتم تشديد الأوضاع المالية الكلية على نحو ملموس، حيث لا تزال أقل تشددا مقارنة بأكتوبر، وهو أمر قد يثير الدهشة. وتظل تقييمات الأسهم مفرطة، لا سيما في الولايات المتحدة. وكان لتراجع أسعار الفائدة أثر محايد كبير على الارتفاع الطفيف في فروق العائد على سندات الشركات. لذلك يعكس تسعير المستثمرين سيناريو متفائلا إلى حد ما، حيث يتوقعون انخفاض التضخم دون زيادة أسعار الفائدة مجددا. وتزداد احتمالات الركود من وجهة نظر المشاركين في السوق، ولكنه ركود معتدل حسب توقعاتهم.

وقال الخبراء، أن هذه النظرة المتفائلة قد تصطدم بتسارع معدلات التضخم مجددا، مما قد يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر في تقييم مسار أسعار الفائدة، بل وربما يؤدي إلى تشديد حاد في الأوضاع المالية. وهكذا يمكن أن تتجدد الضغوط في النظام المالي، ويستمر تضاؤل الثقة وهي أساس التمويل، وينقطع التمويل سريعا عن البنوك والمؤسسات غير المصرفية، وتنتشر المخاوف بفعل وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الدردشة الخاصة. وفي ظل التباطؤ الاقتصادي، قد تتدهور مخاطر الائتمان في الشركات المالية غير المصرفية وهي أحد أجزاء النظام المالي سريعة النمو.

فعلى سبيل المثال، سجلت بعض الصناديق العقارية انخفاضا كبيرا في تقييمات الأصول.

وحتى الآن، لم يطل أسهم البنوك في اقتصادات الأسواق الصاعدة الكبرى سوى القليل من عدوى الاضطرابات المصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا. فالعديد من هؤلاء المقرضين أقل انكشافا لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، وإن كانت الجودة الائتمانية لأصولهم أقل عموما، فضلا عن التغطية التأمينية المحدودة على الودائع لدى بعضهم. كذلك تفرض مواطن الضعف الكبيرة في هيكل الدين السيادي ضغوطا على العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات الواعدة المصنفة في المراتب الائتمانية الأدنى، وبالتالي قد تنتقل التداعيات إلى قطاعاتها المصرفية.

قياس المخاطر

ويشير مقياس النمو المعرض للخطر، وهو أحد مقاييس الصندوق للمخاطر المهددة للنمو الاقتصادي العالمي نتيجة عدم الاستقرار المالي، إلى أن هناك احتمالية بنسبة 1 في العشرين لانكماش الناتج العالمي بمقدار 1,3% خلال العام القادم. وهناك احتمالية مساوية لانكماش إجمالي الناتج المحلي بمقدار 2,8% في حالة التشديد الحاد للأوضاع المالية الذي يؤدي إلى اتساع فروق العائد على سندات الشركات والجهات السيادية، وتراجع أسعار الأسهم، وانخفاض قيمة العملات في معظم الاقتصادات الصاعدة.

وقال الصندوق أن على صناع السياسات اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الثقة في ظل تصاعد المخاطر المهددة للاستقرار المالي. حيث ينبغي معالجة الفجوات في آليات الرقابة والإشراف والتنظيم في آن واحد، وتعزيز نظم التسوية وبرامج التأمين على الودائع في العديد من البلدان. وفي حالات إدارة الأزمات الحرجة، قد يتعين على البنوك المركزية زيادة الدعم التمويلي المقدم للمؤسسات المصرفية وغير المصرفية على حد سواء.

وأشار الصندوق في تدوينة لاحقة أمس إلى أن صناديق الاستثمار المفتوح ذات الأصول غير السائلة يمكن أن تضخِّم الصدمات وتهز استقرار أسعار الأصول. وقال: صناديق الاستثمار المشترك التي تسمح للمستثمرين ببيع وشراء أسهمهم يوميا هي أحد المكونات المهمة في النظام المالي، حيث تتيح للمستثمرين فرصا للاستثمار وتوفر التمويل للشركات والحكومات. وقد حققت الصناديق المعروفة باسم صناديق الاستثمار المفتوح نموا كبيرا في العقدين الماضيين، وتبلغ قيمة أصولها في العام الحالي 41 تريليون دولار على مستوى العالم. ويمثل هذا قرابة خُمس حيازات القطاع المالي غير المصرفي.

وقد تستثمر هذه الصناديق في أصول سائلة نسبيا مثل الأسهم والسندات الحكومية، أو في أوراق مالية أقل تداولا، مثل سندات الشركات. غير أن صناديق الاستثمار ذات الحيازات الأقل سيولة تنطوي على مصدر خطر كبير محتمل. فبإمكان المستثمرين بيع أسهمهم يوميا بسعر يتحدد في نهاية كل جلسة تداول، لكن الأمر قد يستغرق من مديري الأصول عدة أيام لبيع الأصول وسداد هذه الأموال المستردة، وخاصة عندما تكون الأسواق المالية متقلبة.

وفي فترات التدفقات الخارجة، يمكن أن تنشأ مشكلة كبيرة أمام مديري الأصول من جراء عدم اتساق تدفقات السيولة على هذا النحو، لأن السعر المدفوع للمستثمرين قد لا يعكس بالكامل كل تكاليف التداول المرتبطة بالأصول المبيعة. وبدلا من ذلك، يتحمل المستثمرون الباقون تلك التكاليف، مما ينشئ لديهم حافزا لاسترداد الأسهم قبل أن يفعل ذلك الآخرون، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تدفقات خارجة ضاغطة إذا انخفضت معنويات السوق.

وإزاء الضغوط التي يسببها انسحاب المستثمرين، يمكن أن تضطر الصناديق إلى بيع الأصول بسرعة، مما يمكن أن يزيد من انخفاض تقييمات الأصول. ومن شأن هذا بدوره أن يضَخِّم تأثير الصدمة الأولى وقد يقوض استقرار النظام المالي.

عدم السيولة والتقلب هذه، على الأرجح، هي الديناميكية التي رأيناها أثناء فترة اضطراب السوق في بداية الجائحة، كما نشير في أحد الفصول التحليلية ضمن «تقرير الاستقرار المالي العالمي». فقد اضطرت صناديق الاستثمار المفتوح إلى بيع الأصول في ظل خروج تدفقات بلغت نحو 5% من القيمة الكلية الصافية لأصولها، وهي نسبة أكبر من الاستردادات التي تمت أثناء الأزمة المالية منذ عقد ونصف العقد.

وقال الخبراء: نجد أن الأصول مثل سندات الشركات لدى صناديق الاستثمار المفتوح التي تضم محافظها أصولا أقل سيولة قد هبطت قيمتها بدرجة أكثر حدة مقارنة بالأصول لدى الصناديق السائلة. وفرضت هذه الاختلالات خطرا جسيما على الاستقرار المالي، ولم تتم معالجتها إلا بعد تدخل البنوك المركزية بشراء سندات الشركات واتخاذ إجراءات أخرى.

وبالنظر إلى ما بعد اضطراب السوق بسبب الجائحة، يشير تحليلنا إلى أن عائدات الأصول لدى الصناديق غير السائلة نسبيا عادة ما تكون أكثر تقلبا من الحيازات المناظرة الأقل تعرضا لهذه الصناديق وخاصة أثناء فترات الضغط في السوق. فعلى سبيل المثال، إذا نضبت السيولة مثلما حدث في مارس 2020، يمكن أن يزداد تقلب السندات لدى هذه الصناديق بنسبة 20%. ويمثل هذا مصدر قلق أيضا بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة. ذلك أن تراجع سيولة الصناديق التي يقع مقرها في الاقتصادات المتقدمة يمكن أن يُحْدِث تداعيات كبيرة عابرة للحدود ويزيد من تقلب عائد سندات الشركات في الأسواق الصاعدة.

وقد تتعرض صلابة قطاع صناديق الاستثمار المفتوح للاختبار مرة أخرى، وهذه المرة في ظل تصاعد أسعار الفائدة وارتفاع عدم اليقين الاقتصادي. فقد شهدت الشهور الأخيرة تدفقات خارجة من صناديق الاستثمار المفتوح في السندات، ومن الممكن أن تؤدي صدمة مفاجئة سلبية مثل التشديد غير المنظم للأوضاع المالية إلى زيادة هذه التدفقات وتكثيف الضغوط في أسواق الأصول.

وكما قالت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة للصندوق، في كلمة ألقتها العام الماضي: إن «صناع السياسات تعاونوا معا لجعل البنوك أكثر أمانا بعد الأزمة المالية العالمية والآن يجب أن نفعل الشيء نفسه لصناديق الاستثمار.»

كبح المخاطر

ويمكن وفقًا للصندوق الحد من تقلب الأصول الناشئ عن صناديق الاستثمار المفتوح إذا قامت هذه الصناديق بنقل تكاليف المعاملات إلى المستثمرين المنسحبين. فعلى سبيل المثال، من خلال ما يعرف باسم «التسعير المتأرجح»، تستطيع صناديق الاستثمار تخفيض سعر نهاية اليوم عند مواجهة تدفقات خارجة. ويحد هذا من حافز المستثمرين لاسترداد أموالهم قبل الآخرين. ويؤدي هذا إلى تخفيف ضغوط التدفقات الخارجة التي تواجه الصناديق في فترات الضغط، والحد من احتمالات البيع الاضطراري للأصول.

ولكن، في حين أن التسعير المتأرجح والأدوات المماثلة على غرار رسوم الحماية من تآكل قيمة الأسهم، التي تنقل تكاليف المعاملات إلى المستثمرين المنسحبين بفرض رسوم عليهم يمكن أن يساعد في تخفيف المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار المالي، يتعين معايرة هذه الأدوات بالشكل الملائم حتى تحقق هذا الهدف، وهو أمر غير متحقق حاليا. ففي الغالب، تُفرض على التعديلات التي تستطيع الصناديق إجراءها في أسعار نهاية اليوم والمعروفة باسم عوامل التأرجح حدود قصوى غير كافية، وخاصة أثناء فترات الضغط في السوق. ولذلك، ينبغي لصناع السياسات تقديم الإرشاد حول كيفية معايرة هذه الأدوات ومتابعة تنفيذها.

وبالنسبة للصناديق ذات الأصول ضئيلة السيولة، مثل العقارات، قد يكون من الصعب، حتى في الفترات العادية، معايرة التسعير المتأرجح أو غيره من الأدوات المماثلة. وفي هذه الحالات، ينبغي النظر في سياسات بديلة، كوضع حدود لعدد مرات قيام المستثمرين بعمليات الاسترداد. وقد تكون هذه السياسات ملائمة أيضا للصناديق التي يقع مقرها في بلدان لا يمكن فيها تنفيذ التسعير المتأرجح لأسباب تشغيلية.

وقال الخبراء أنه ينبغي أيضا أن ينظر صناع السياسات في تشديد مراقبة الأجهزة الرقابية لممارسات إدارة السيولة واشتراط تقديم إفصاحات إضافية من جانب صناديق الاستثمار المفتوح بغية تقييم مكامن الخطر بصورة أفضل. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن المساعدة في إعطاء دفعة للسيولة بتشجيع زيادة التداول من خلال غرف المقاصة المركزية وتعزيز شفافية عمليات تداول السندات. ومن شأن هذه الإجراءات أن تحد من المخاطر الناشئة عن أوجه عدم الاتساق في سيولة صناديق الاستثمار المفتوح وتجعل الأسواق أكثر متانة في فترات الضغوط.