العلاقات السعودية- الإيرانية.. مرحلة إيجابية للمنطقة

14 مارس 2023
14 مارس 2023

خلال السنوات الأخيرة تحدّثنا في هذه الصفحة عن ضرورة عودة العلاقات السعودية الإيرانية من خلال الحوار والدبلوماسية لأن في ذلك مصلحة للبلدين والمنطقة والعالم، خاصة أن الرياض وطهران لهما ثقل إسلامي وسياسي واقتصادي على مستوى المنطقة، ومن هنا فإن توقيع الاتفاق في الصين بين مسؤولي البلدين وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وفتح السفارات خلال شهرين تعد نقلة نوعية لاقت صدى إيجابيا على الصعيدَين الإقليمي والدولي. وقد جاءت تلك الخطوة بعد عدد من جولات الحوار بين الرياض وطهران في العراق وبلادنا سلطنة عمان، وتكللت بالنجاح الذي مهّد للوصول إلى التفاهمات في عدد من القضايا السياسية والأمنية وخلق أجواء إيجابية من التعاون الخليجي الإيراني في ظل الجوار الجغرافي والتاريخي وفي ظل أهمية توفير الأجواء نحو إبعاد المنطقة الخليجية من التوتر وعدم الاستقرار الذي شهدته خلال العقود الأربعة الماضية.

لقد أدّت الدبلوماسية العمانية دورا محوريا في محادثات البلدين (السعودية وإيران) في مسقط والتي توِّجت بالاتفاق في الصين، ودخل البلدان مرحلة جديدة قوامها التعايش السلمي وعدم التدخل في شؤون الآخرين وحل الخلافات بالطرق السلمية، كما أن الاتفاق بين الرياض وطهران يفتح الأجواء الإيجابية نحو حل عدد من الملفات المعقدة لعل من أبرزها الملف اليمني حيث الحرب التي تتواصل منذ ثماني سنوات قبل أن تنجح الجهود الدبلوماسية العمانية والسعودية في إنجاز الهدنة الأولى التي تواصلت على مدى ستة أشهر والهدنة الثانية الحالية، وهناك مشروع السلام بين الفرقاء اليمنيين الذي كان لجهود القيادة العمانية بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- دور في التقريب بين وجهات النظر، ومن المؤمل أن تُنهي المصالحة السعودية الإيرانية الحرب في اليمن لأن ذلك جزء أصيل من إنهاء التوتر والحروب في المنطقة. وعلى ضوء ذلك فإن التقارب السعودي الإيراني أنهى ما يُسمّى بـ«فزاعة إيران» التي كان يستخدمها الكيان الإسرائيلي وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جعلت المنطقة في أحيان كثيرة على مشارف حرب كارثية تكون الساحة الخليجية ومقدّراتها ومصالحها هي ساحة الحرب والدمار، وهناك عدد من الملفات السياسية التي سوف تحظى بالانفراج سواء في لبنان أو العراق أو سوريا خاصة أن الرياض وطهران على صلة وثيقة بتلك الملفات بحكم العلاقات بين الرياض وتلك الدول كما هو الحال مع طهران.

إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية هي خطوة في الطريق الصحيح، وقد رحّبت دول مجلس التعاون الخليجي بتلك الخطوة الإيجابية التي توصّلت إليها السعودية وإيران، كما كان هناك ترحيب عربي ودولي مما يعكس أهمية هذا التطور الاستراتيجي على صعيد الأمن والاستقرار في المنطقة وأيضا في فتح مجالات التعاون في كافة الأصعدة بين دول المنطقة على ضفتي الخليج العربي، كما أن مناخ الاستقرار سوف يعطي الفرصة الحقيقية لحلحلة عدد من الملفات المعقدة -كما تمت الإشارة- وفي مقدمتها إنهاء الحرب في اليمن وانعكاس ذلك على السلام واستقرار الشعب اليمني.

إن الكيان الإسرائيلي وحتى الولايات المتحدة كانا لسنوات عديدة يصوّران إيران على أنها تهديد حقيقي للمنطقة وكان ذلك جزءا من استراتيجية لابتزاز دول المنطقة للأسف، وأن تكون إسرائيل هي الكيان الذي يريد حماية المنطقة من خلال التحريض على شنّ حرب كارثية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي ضد إيران وتكون ساحته دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ويتم استنزاف دول مجلس التعاون الخليجي ماليا وأمنيا وإشاعة التوتر والعداء غير المبرر بين إيران ودول المنطقة. من هنا فإن الحكمة السعودية والإيرانية تغلبت على كل تلك المبررات التي كادت أن تعصف بالمنطقة ومقدراتها. ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية والعراقية والصينية أدّت دورا محوريا وفي مراحل مختلفة وهو الأمر الذي عكسته البيانات الرسمية السعودية والإيرانية التي قدمت الشكر والتقدير للدول الثلاث وهي سلطنة عمان والعراق والصين على جهودها المخلصة في إنجاح الحوار السعودي الإيراني الذي استمر لشهور، وعلى ضوء ذلك فإن المنطقة سوف تشهد أجواء إيجابية ومرحلة تتسم بالانطلاق نحو «تصفير» ملفات التوتر في المنطقة وتفعيل التعاون الأمني والتجاري والاقتصادي في منطقة جغرافية يتعايش سكانها على ضفتي الخليج منذ قرون.

إن السلام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين هي ثوابت راسخة لا بد من الحرص عليها في إطار العلاقات الدولية، وهناك مناخ إيجابي يسود بين دول المنطقة وشعوبها لطي صفحة الماضي والانطلاق نحو آفاق التعاون الخليجي الإيراني وفتح مسارات متعددة تتسم بالتعاون الاقتصادي والاجتماعي والبُعد عن الخطاب السلبي وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة، وهذا ما تطمح إليه شعوب المنطقة في المرحلة القادمة وتكون هناك مرحلة العلاقات الطبيعية والإيجابية بين إيران ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك إمكانيات واعدة لتحقيق الأمن الغذائي وفي قضايا التبادل التجاري والشراكة في القطاعات المختلفة وإيجاد مناخ مبني على الثقة المتبادلة. ومن هنا لا بد من توجيه التحية والتقدير لقيادة المملكة العربية السعودية والقيادة الإيرانية على استشعار أهمية الوصول إلى عودة مسار العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران إلى سابق عهدها والحوار المبني على الاحترام المتبادل وإنهاء ملفات التوتر في المنطقة التي استنزفت مليارات من الدولارات وتسببت في حالة من عدم الاستقرار والتحريض على الحرب خاصة من قبل الكيان الإسرائيلي الذي لا يريد للمنطقة السلام والاستقرار؛ فالكيان الإسرائيلي هو أحد شرور هذا الزمن ولا يعيش سوى على أجواء التوتر والصراعات والحروب وينتهك حقوق الشعب الفلسطيني ويرتكب الأفعال البشعة منذ سبعة عقود، كما أن إيران ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتى العالم العربي والإسلامي هو نسيج واحد تجمعه شريعة الإسلام الحنيف وثوابته الراسخة التي تحث على الأخوة الإسلامية.

إن ما حدث في الصين من توافق سعودي إيراني هو خطوة حيوية ومهمة جاءت في وقت مهم وحساس وتعطي مؤشرا قويا على أن دول المنطقة لا بد أن تراعي مصالحها الوطنية وألا تكون أسيرة لأوهام الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي، وأن تكون هناك علاقات الجوار والتعاون والمحبة والسلام.