الحماية الاجتماعية ضرورية لكل الأطراف !!
ليس من المبالغة في شيء القول إن العلاقة بين السلطة والمجتمع، بشرائحه وأفراده، قد شغلت وعلى امتداد قرون عديدة، قبل ظهور الدولة الحديثة في أوروبا، وبعدها، وحتى الآن، حيزا كبيرا من الفكر السياسي والاجتماعي بمفهومه الواسع، وظلت العلاقة بين السلطة وبين المجتمع، ومن ثم المواطن بوجه عام، محل جدل وخلاف وتباين في المنطلقات والتوجهات والأهداف بين المذاهب والتوجهات الفكرية والاجتهادات لوقت طويل بعد تبلور المدارس الرأسمالية والاشتراكية والإصلاحية، وظهور الفكر الاجتماعي التنموي المتأثر بالبيئة والثقافة المحلية، خاصة في مجتمعات شرق آسيا، ومع استمرار التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي سقطت الكثير من الجدران وتقلصت الكثير من المسافات بين المدارس والمذاهب والتوجهات الفكرية، خاصة ذات الصلة بتطور المجتمعات والتعامل مع قضاياها الحياتية، وذلك منذ «النيوديل» الأمريكي خلال الأزمة المالية العالمية الأولى 1929 / 1932، ووصولا إلى تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991، ثم انفجار فيروس كورونا ( كوفيد-19 ) عام 2019 وما تعرض ويتعرض له العالم من أزمات متلاحقة حتى الآن. ولعل الخط المتصل بين هذه التطورات، المتباعدة في ظاهرها، أن العلاقة بين السلطة والمجتمع ظلت محور الاهتمام فكريا وسياسيا واجتماعيا أيضا، وذلك من منطلق أهمية وضرورة وحيوية الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ككل والحفاظ على الدولة ومصالحها، بل ووجودها الوطني، في النهاية وفق معايير الأمن الوطني المعروفة، والمؤسف أننا نعيش في مرحلة تتزايد وتتنوع فيها التهديدات المباشرة للأمن، وتتداخل إلى حد باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي - برغم كل ما يقال عنها - من التهديدات التي لا يمكن الاستهانة بها، كما كان يحدث قبل سنوات. والمؤكد أن ذلك أصبح يفرض المزيد من العناية والاهتمام، ليس فقط بالمواطن كمواطن، وبرعايته وحمايته اجتماعيا بقدر الإمكان في إطار ما يعرف بالعقد الاجتماعي، ولكن الأهم أن هذا الاهتمام أصبح ضرورة وطنية، في شمولها وعمقها وفي المشاركة فيها أيضا للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع وتوفير ما يمكّن الدولة من العمل المتواصل لتحقيق مصالحها وأولوياتها وباستخدام كل قواها البشرية والمادية المتوفرة على أفضل نطاق ممكن. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أبرزها ما يلي: أولا، إنه إذا كان معروفا أن هز أمن واستقرار المجتمع، أي مجتمع، يبدأ بهز الصورة القومية المستقرة والطيبة له، مع اقتران ذلك بالتشكيك المنتظم والمتواصل والمتعمد فيما كان مستقرا من أفكار ومعتقدات عاش عليها الفرد والمجتمع لسنوات وعقود، وإلى جانب هدم أو محاولة هدم الرموز الوطنية ذات المكانة، يتم إرساء ونشر وتعميق صورة سلبية للمجتمع ولمنجزاته ولما تم منها، وذلك بشكل ممنهج من أجل إرساء صورة سلبية ما، يمكن أن تفيد في المستقبل في إطار خطط أو خطوات معدة ومرسومة جيدا للنيل من المواطن ثم الوطن عندما تحين الفرصة، ولم يكن ما حدث أثناء مسابقة كأس الخليج لكرة القدم في دورتها الخامسة والعشرين في البصرة مؤخرا مجرد مصادفة وقد سجل بعض المواطنين الغيورين رفضهم لذلك. من جانب آخر فإن ظروف التغير السياسي الكبيرة في المجتمعات عادة ما يصاحبها تغيرات بشكل أو بآخر، حتى ولو كان في إطار الاستمرارية والتماسك بين أمس واليوم، وهو ما تفرضه طبائع الأشياء ومتطلبات الانطلاق والاستمرار في نهج التنمية المتجددة والمستدامة، غير أنه يبدو أن هناك، بعض الباحثين عن النجومية، وربما عن دور، أو الإعلان عن الذات، أو المزايدة حتى على الدولة وجهودها بشكل ما، ومحاولة استثمار ظروف التغيير من منطلق المصلحة الفردية ولو على حساب المصلحة الجماعية بشكل أو بآخر، وهو أمر يتطلب الاهتمام والعناية الكافية من مختلف الجهات المعنية. خاصة أن الأمر يبدو يجتذب مزيدا من الراغبين في الدخول إلى حلبته. غير أن ما يدعو إلى الاطمئنان، أن المجتمع العماني معروف بأصالته وبحب أبنائه له وبحرصهم وخوفهم عليه ووقوفهم مترابطين في مواجهة من يستهدفه أو يحاول النيل منه بشكل أو بآخر والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى تاريخيا وفي العصر الحديث وقبل عام 1970 وبعدها وحتى الآن أيضا.
ثانيا: إن فترات التغيير في المجتمع تشهد عادة ظهور وإثارة مشكلات وقضايا عديدة ومتنوعة أيضا، وذلك بحكم أشياء ومتغيرات جديدة تفرض نفسها عادة بالنسبة لمختلف المجتمعات، ومن ثم تتعدد وتتنوع القضايا والمشكلات، وخاصة مشكلة الباحثين عن عمل، ومشكلة المتقاعدين، ومشكلة ارتفاع الأسعار، ومشكلات الحاجة إلى تطوير مرافق التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، غير أن ذلك لا يخيف في الواقع، ولا يبعث على البأس على أي نحو، كما يحاول البعض أن يوحي بأساليب ماكرة ومقصودة ومكشوفة، ولعل ما يبعث على الأمل في هذا المجال، أن هناك جهودا مخلصة وشجاعة من جانب الحكومة لاقتحام هذه المشكلات، بما يتماشى مع أولويات التنمية و«رؤية عمان 2040»، خاصة أن الكثير، إن لم يكن كل المشكلات المشار إليها، هي مشكلات قديمة وقائمة ومستمرة ويوجد لها وبشأنها خطط وبرامج وخطوات محددة، أما استخدام أساليب التواصل الاجتماعي بل والحرب الإعلامية بشكل ما فإنه يتطلب التعامل القوي والسريع والمتعدد المجالات معه، وليس من المبالغة القول بأن مشروع قانون الحماية الاجتماعية المعروض بصفة الاستعجال على مجلس الشورى العماني الآن تمهيدا لإكمال إجراءاته الإدارية والتشريعية هو من أهم إجراءات حماية الوطن والمواطن. ليس فقط لأنه جاء بتوجيه من جلالة السلطان، ولكن أيضا لأنه يسعى إلى علاج جوانب مختلفة لتحقيق الحماية الاجتماعية لشرائح مهمة ومؤثرة في حركة المجتمع وفي قدراته التنموية أيضا، وحسنا أنه تم الانتباه المبكر لذلك، قطعا للطريق أمام محاولات الصيد في الماء العكر.
ثالثا: إن مشروع قانون الحماية الاجتماعية، بغض النظر عن محتوياته ومكوناته وما قد يتم إدخاله من تعديلات عليه، سيشكل في الواقع نقلة نوعية ومهمة على صعيد التعامل مع عدد من الموضوعات والمشكلات ذات الصلة بتوظيف القوى العاملة الوطنية وإعادة هيكلة مجال ومكونات وسمات الموارد البشرية في سلطنة عمان بوجه عام، على النحو المأمول، خاصة أن هناك بالفعل دراسات وخططا وبرامج للتعامل مع هذه القضية الحيوية التي تتعامل مع أعداد كبيرة من الشباب في الحاضر والمستقبل، والمؤكد أن توفير نظم ملائمة للحماية الاجتماعية لهم ولأسرهم يحقق الكثير من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لهم ولأسرهم وللمجتمع ككل، كما أنه يسهم في تنمية وتطوير الاقتصاد العماني، خاصة إذا أمكن إيجاد سبل ومسارات للاستفادة من جهود المتقاعدين بشكل يحقق فائدة لهم وللاقتصاد العماني في نفس الوقت. ولعله من المهم التأكيد على أن فكرة الحماية والرعاية الاجتماعية لا تعني الاعتماد على الدولة كممول مادي فقط أو مقدم مساعدات مجانية فقط، لأن الدولة ومؤسساتها المختلفة يمكنها تقديم الكثير مما يحقق الحماية والرعاية الاجتماعية للمواطن من خلال تيسير ضوابط وفرص العمل ومن خلال تسهيل تملك المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتعاون مع القطاع الخاص في حل أية مشكلات قد تواجهها ومن خلال إيجاد سبل للإسهام في تسويق وتصريف منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة في السوق المحلي والخارجي، وكذلك تيسير السبل أمام رواد الأعمال من الناجحين في مجالات الصناعة والزراعة والابتكار لاقتحام مجالات أكبر بشرط أن تكون مدروسة جيدا وهذه كلها وغيرها لا تشترط الاعتماد على التمويل الحكومي ولكنها تشترط الجدية والالتزام والقدرة على المتابعة والرغبة الحقيقية في النجاح في بناء مشروعات ناجحة وتحقيق ذلك لا يتوقف على الحكومة وحدها، بقدر ما يحتاج إلى التعاون الجاد مع مبادراتها ومقترحاتها من جانب الشباب، أما بث الاتهامات والإحباطات والشائعات وتشويه صورة المجتمع العماني فإنها تخدم فقط من يحاولون الإساءة إليه وهز صورته واستقراره ولو بالادعاءات والصور المفبركة !!
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
