لستُ كاتبة جيدة متى ستكتشفون ذلك؟

14 فبراير 2023
14 فبراير 2023

أتحدث مع صديقاتي دوما، عن شعوري العام بالفشل، لكن ذلك لا يقلقني في العادة، أنتبه لكون المسألة مرتبطة بالعصر الذي نعيش فيه، وذلك الجرح النرجسي الذي يعد إحدى نقاطنا العمياء الكثيرة، لكن الأمر يفوق قدرتي على الاحتمال، عندما يحدث اختبار من أي نوع، وتكون ردة فعلي المباشرة بعده، بأنني لم أجتزه بل ربما كنتُ في منتهى السوء، سواء بمقابلة الناس في جلسة أدبية للحديث عن كتابي، أو مقابلة عمل، وحتى وإن جاءت النتائج بعكس ما اعتقدت فإنني غالبا أشعر بأنني «احتلت» على المنظومة، كأن يكون القارئ الذي استمتع بالحديث معي عن كتابي لا يعرف الكثير عن هذا النوع من الكتابة، أو ربما يخدعه بريق ما، لكن من المستحيل أن تكون تلك الجلسة جيدة أو حتى الكتاب جيد، عرفتُ قبل أعوام بأنها متلازمة شائعة تدعى بمتلازمة المحتال.

نشرت نيويورك مؤخرا قصة التجارب التي قامت بها كل من كلانس وايمز اللتين تعانيان من المتلازمة نفسها لينشر بحثهما حول هذه المسألة عام 1978 في مجلةPsychotherapy: Theory،Research and Practice. إذ تحدثتا مع أكثر من مائة وخمسين امرأة «ناجحة» مهنيا، ثم توصلتا لبحث بعنوان «ظاهرة المحتال لدى النساء ذوات الإنجازات العالية: الديناميات والتدخل العلاجي» مستعرضات كيف أن النساء كانت عرضة بشكل خاص لتجربة داخلية من الصوت الداخلي المفكر والمراقب ويعشن في خوف دائم من أن يكتشف أحد مهم بالفعل أنهن لم يكن فكريا أكثر من محتالات. تلقت كلانس العديد من الرسائل من نساء كاتبنها عن شعورهن المستمر بالاحتيال على الآخرين، فكتبت كتابا بعنوان «متلازمة المحتال» صدر عام 1985 لكن المفهوم لم ينتشر بشكل واسع بحسب المجلة إلا بعد خمسين عاما تقريبا، إذ يتصدر هذا المفهوم وسائل التواصل الاجتماعي ويتحدث عنه الجميع باستمرار، الأمر الذي كوّن وبطبيعة الحال سوقا يقوم على استثمار هذا المفهوم في كتب وبرامج التنمية الذاتية، إما عبر تحديها «أي الملازمة» أو الإشارة لعكسها بشكل مطلق، «نعم أنت أكثر من جيد، إنها متلازمة المحتال فحسب، والإفراط في التفكير والرغبة في تحقيق الكمال) لم يكن هذا في مخيلة كلانس آنذاك، ما سعت به من خلال كتابها هو تحديد ورسم للصوت الداخلي الذي يخبرنا بأننا محتالات كمخلوق محدد أو وحش، لفحص حديث هذا الصوت السلبي ومراجعته.

تقتبس ليزلي جايمسون كاتبة القصة على نيويوركر، عن الشاعرة والكاتبة الأمريكية المشهورة مايا أنجلو التي قالت ذات مرة «كتبتُ أحد عشر كتابا، لكن في كل مرة أتأمل فيها هذا الأمر، أشعر بأن الجميع سيكتشف أمري الآن، وبأنني تلاعبت بهم» نيل جايمان واحد من أشهر الكتّاب اليوم، يحسُ أحيانا كما لو أنه سيتعرض لمداهمة من قبل «شرطة الاحتيال» إذ لا يحق له أن يتنعم بكل ما يتمتع به من امتيازات منحته إياها الكتابة فهي ليست من حقه. زارت جايمسون كلانس في منزلها في أحد الأحياء المرموقة، كان أول ما لاحظته في الردهة الأمامية تمثال خشبي لامرأة منتصرة تحمل فوق رأسها قناعا، لطالما برزت ثيمة القناع في كتابات كلانس بكل تنويعاته «ارتداء القناع» «خلع القناع» «الشخصية وراء القناع» وتجادل من خلال كتابتها، أن ما ينتاب هؤلاء الناس الذين يعشرون بهذه المتلازمة هو القناعة بأن عليهم إخفاء هويتهم.

شاركت كلانس المتلحفة بغطاء صوفي على كنبتها والتي تبلغ من العمر الآن الرابعة والثمانين جايمسون تجربتها في سنوات من العمل العلاجي مع مراجعين يعانون من المتلازمة، والتي ترى بطبيعة الحال أن مواجهتها تبدأ بالتركيز على طبيعة الأسرة في الطفولة المبكرة، فهنالك نمطين في العادة، إما أن يكون للنساء اللاتي يعانين من المتلازمة شقيق ذكر، يشار إليه دائما بالبنان في أنه متفوق ومختلف وهو من الأذكياء، أو أن ترى العائلة أو أحد أفرادها بأن ابنتهم ذكية وفاتنة ومتفوقة في كل شيء بداية من المظهر وصولا للشخصية. فتبدأ النساء في الحالة الأولى بمحاولة التحقق اللاتي لم يحصلن عليه في البيت، ولكن ينتهي الأمر بهن إلى الشك في أي تحقق يأتي في طريقهن لاحقا. أما النمط الثاني فيعشن حالة من الانفصال والارتباك بين ما تلقينه من الوالدين وما يتلقينه بالفعل من العالم الخارجي. النمطان إذن يجيبان على سؤال واحد: « هل كان والديّ محقان في أنني لستُ ناجحة؟» أو «هل كان والديّ محقان في أنني ناجحة؟»

يتطور الأمر ليبدأ المصاب بهذه المتلازمة بالقيام بأفعال لمنع اكتشاف عيوبه التي يتصورها عن نفسه. فإحدى مراجعات كلانس، تتوقف عن المذاكرة ما أن تدخل أمها الغرفة بشكل مباغت، لأن الأذكياء لا يضطرون للمذاكرة وليس عليها أن تفعل ذلك وتكشف نفسها أمام أمها. وغالبا ما يقع المصاب بمتلازمة المحال في حالة من الشعور بالفشل الوشيك الذي يتبع العمل الشاق، كما أنه بهذه الطريقة يحسُ بالإشباع قصير المدى عندما يتجنب بذلك الفشل الفعلي. إذ تؤمن النساء خصوصا بأن جرأتهن على الإيمان بأنفسهن وأحلامهن وطموحهن ستحكم عليهن بالفشل، لذلك يجب عليهن توقع الفشل بدلا من ذلك. وغالبا ما يتحقق في الحالة النموذجية للمصابة بمتلازمة المحتال، الخوف من التعبير عن الذات بسبب الخوف من أن ينظر إليها بأنها غبية، وإذا ما تلقت الدعم على آرائها من شخص يحمل سلطة ما تخوله بتوجيه ذلك الدعم، فتعتقد أنها تلقته لأنها جذابة، أو لأن ذلك الشخص يتعاطف معها. ثم نجد أنفسنا داخل حلقة من كراهية الذات لحاجتنا لهذا النوع من التحقق، الأمر الذي يعدُ دليلا دامغا على زيفنا.

في عام 2021 نشرت هارفرد بيزنس ريفيو مقالا لامرأتين أخريتين هما روشيكا تولشيان وجودي آن بوري بعنوان «أوقفوا إخبار النساء بأنهن مصابات بمتلازمة المحتال» وتجادلان فيه بأن هذا الادعاء يشير لمعاناة النساء من أزمة ثقة بالنفس لا يستطعن الاعتراف بها. مما يوحي بأن العقبات الحقيقية وعدم المساواة المؤسس الذي تواجهه النساء المهنيات ليس إلا مرضا فرديا، إنها تدعونا لإصلاح المرأة بدلا من إصلاح المكان الذي تعمل فيه هذه المرأة.

بطبيعة الحال أحسُ دوما بأننا كنساء خصوصا في هذا المكان ينبغي أن نفكر أكثر حول هذه المسائل، وأن نجادل بعضنا حول الممارسات السياسية والاجتماعية التي تجعلنا في هذا الموقع من النظر للذات، في حين أن الرجال مثلا، ومع أبسط ما يمكن أن يقدموه وينجزوه فلديهم شعور أكثر منا بالاستحقاق الكبير، كما أنهم في الأساس لا يرغبون في التحقق بقدر رغبتنا في ذلك، لأننا عشنا تاريخا طويلا في الظلال الشاحبة والمتلاشية.