حرب الوثائق والانتخابات الأمريكية

17 يناير 2023
17 يناير 2023

بعد الانتخابات النصفية للكونجرس وسيطرة الحزب الجمهوري على أغلبية مجلس النواب بدأت حرب تصفية الحسابات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث بدأت الأخبار والتصريحات عن فتح تحقيق من قبل وزارة العدل الأمريكية حول جملة من الوثائق السرية بحوزة الرئيس الأمريكي الحالي بايدن، والتي وصفت بأنها تحمل قدرا كبيرا من السرية خاصة حول روسيا والأمن القومي وحتى أوكرانيا.

ومن هنا فإن إعلان وزارة العدل الأمريكية فتح مثل ذلك التحقيق هو رد على التحقيقات الواسعة التي أجراها الحزب الديمقراطي من خلال لجنة خاصة في الكونجرس حول جملة من الاتهامات ضد الرئيس الأمريكي السابق ترامب خاصة عملية اقتحام مبنى الكونجرس والتي أعقبت نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على مجموعة من التهم حول التهرب الضريبي وقضايا البنوك.

ومن هنا فإن المشهد السياسي الأمريكي يشهد ما يمكن تسميته بحرب الوثائق بين الحزبين اللذين يهيمنان على الساحة الأمريكية منذ عقود.

كما أن معركة الانتخابات الأمريكية القادمة بعد سنتين للظفر بسلطة البيت الأبيض سوف تكون قاسية من خلال معركة التحقيقات ومحاولة كل حزب أضعاف شعبية الحزب الآخر والنيل من مساره.

التحقيقات الخاصة بالرئيس الحالي بايدن والرئيس السابق ترامب قد تعصف بحظوظ الرجلين نحو ترشيحهما للانتخابات القادمة في ظل الظروف السياسية الصعبة وربما يجد الحزبان الديمقراطي والجمهوري أنه من مصلحة الحزبين الدفع بمرشحين خاصة الحزب الجمهوري وحتى الحزب الديمقراطي مع تقدم الرئيس الحالي بايدن في العمر علاوة على ما قد تشكله التحقيقات حول الوثائق السرية من ضرر كبير على مسار الحزب وشعبيته تجاه قاعدته الانتخابية في ظل الظروف الاقتصادية والجدل الكبير حول ضرورة دعم أوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات وأيضًا المعدات العسكرية ذات التكلفة الباهظة.

لقد بدأت المعركة الانتخابية منذ الآن وبدأت مراكز البحوث الاستراتيجية وقياس الرأي العام تتحدث عن حظوظ الحزبين في الظفر بسلطة البيت الأبيض حيث سطوة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط على شؤون أمريكا، ولكن على صعيد قضايا العالم عسكريًا واقتصاديًا واستراتيجيًا، خاصة أن المواجهة الأطلسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية مع روسيا الاتحادية في أوكرانيا مشتعلة على كل الصعد.

كما أن المواجهة الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي هي الأخرى مواجهة تحمل التوتر وعدم اليقين بين عملاق آسيا الصين والولايات المتحدة الأمريكية خاصة أن التقارير الخاصة بالاقتصاد من داخل مراكز البحوث الأمريكية ترجح تصدر الصين للمشهد الاقتصادي العالم وإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش الاقتصاد العالمي في مدة لا تتجاوز عقدين.

وعلى ضوء ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أوضاعا سياسية معقدة تجاه الساحة الداخلية وتجاه قضايا العالم في ظل تحركات دبلوماسية إقليمية نحو ضرورة إيجاد عالم متعدد الأقطاب، بعيدا عن هيمنة القطب الأمريكي الأوحد الذي أضر بمصالح دول إقليمية لها طموحات للانطلاق ولعل نموذج مجموعة بريكس هو النموذج الأبرز الذي يضم الصين وروسيا الاتحادية والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وقد ينضم لهذه المجموعة عدد من الدول الطموحة في المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وإيران.

إن الساحة الأمريكية تشهد صراعا سياسيا من خلال الجدل في الكونجرس بعد أن نجحت الانتخابات النصفية في أن تعيد التوازن من خلال سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب ومن خلال أغلبية محدودة ومن خلال مجلس الشيوخ الذي انتزعه الحزب الديمقراطي بشكل غير متوقع وبأغلبية محدودة جدًا لا تتعدى مقعدين.

كما أن الرئيس الأمريكي عادة ما يكون مقيدا خلال السنتين التي تسبق الانتخابات العامة للظفر بسلطة البيت الأبيض علاوة على أن الحزب الديمقراطي وحتى الجمهوري يكونان في حال انشغال متواصل حول الحملة الانتخابية وموضوع مرشحي الحزب والمؤتمر العام لكلا الحزبين الذي من خلاله يتم تسمية المرشح للانتخابات العامة عام ٢٠٢٤.

إن حرب الوثائق بين الحزبين سوف تستنزف الكثير من الوقت والجهد والتغطية الإعلامية الواسعة النطاق حيث الإثارة وتسريب المعلومات على الطريقة الأمريكية خاصة أن تلك التحقيقات تطال الرئيس الحالي بايدن والرئيس السابق ترامب وهي مفارقة ولعل الحزب الجمهوري كان يحتاج إلى هذا التطور السياسي المهم علي صعيد حرب الوثائق لتطال الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي، وكل ذلك له علاقة بالسباق الانتخابي نحو البيت الأبيض بعد سنتين، ولعل الجدل السياسي الواسع النطاق في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن موضوع التحقيقات الفيدرالية حول الوثائق السرية سوف يضيف المزيد من التعقيدات وتزايد حالة الشك لدى الرأي العام الأمريكي، وقد يؤثر ذلك على نسبة الإقبال على تلك الانتخابات.

كما أن استمرار تلك التحقيقات سوف تستغرق وقتا طويلا وقد لا تتوصل إلى نتائج حاسمة، والرئيس الأمريكي بايدن لا يزال يتمتع بالحصانة عكس الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

وعلى صعيد آخر قد يجد الحزب الجمهوري تحديدا فرصة لتقديم مرشحين جدد وأبرزهم حاكم ولاية فلوريدا الذي لمع اسمه إعلاميًا وسياسيًا خلال الانتخابات النصفية.

وعلى الجانب الآخر فإن هناك قناعات داخل الرأي العام الأمريكي وأنصار الحزب الديمقراطي بأن فترة الرئيس الأمريكي الحالي بايدن لم تكن مميزة أو كانت ذات تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الأمريكي.

كما أن مسألة التضخم وارتفاع أسعار البنزين والدعم المتزايد لأوكرانيا أثرت بشكل كبير على شعبية بايدن والتي وصلت إلى مرحلة متدنية قد لا تشجع الحزب الديمقراطي لإعادة ترشيحه من جديد، وعمره سيكون عندها عام ٢٠٢٤ على مشارف ٨٠ عاما وهذه ستكون سابقة أولى في السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض على ضوء الأرقام.

ومن هنا فإن المشهد الأمريكي أصبح أكثر إثارة من خلال إدخال اسم الرئيس الأمريكي بايدن في موضوع التحقيقات حول الوثائق السرية التي يمتلكها وقد عينت وزارة العدل محققا خاصا حول تلك التحقيقات كما حدث مع الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

ومن هنا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية مناخًا سياسيًا ووطنيًا معقدًا سوف يضيف إليه الإعلام والصحافة الأمريكية الكثير من الإثارة والمتابعة والمعلومات المسربة وقد يجد الحزبان الجمهوري والديمقراطي في نهاية المطاف أن ترامب وبايدن لا بد من خروجهما أو حتى التضحية بهم للمحافظة على مصالح الحزبين خاصة على صعيد الانتخابات الأمريكية والفوز بها من خلال تقديم شخصيات أكثر حيوية وبعيدة عن أي شكوك محتملة.