ما مصير المواهب بعد تتويجها؟!
قُدّر لي الاطلاع عن قُرب على مسابقة الأندية للإبداع الثقافي 2022/ 2023 في محافظة ظفار في نسختها التاسعة، التي تشرف عليها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وتهدف إلى تفعيل الأنشطة الثقافية في الأندية التي تولي النشاط الرياضي اهتماما أكثر من الفعاليات الثقافية، بل وأحيانا يركز النادي على كرة القدم ويتجاهل باقي الرياضات على أهميتها. لكن مسابقة الأندية للإبداع الثقافي أعادت الاهتمام بالأنشطة الثقافية إلى أروقة الأندية التي كانت في السبعينيات والثمانينات تقيم أنشطة ثقافية جماهيرية كالحفلات الغنائية والمسرحية، بل يُحسب لأندية مثل النادي الأهلي ونادي عُمان ونادي النهضة احتضانها لبواكير النشاط المسرحي في سلطنة عمان.
سعت المسابقة من خلال رسالتها إلى "إيجاد بيئة محفزة للموهبة وتعزيز الشغف لدى الشباب للتعبير عن ذواتهم ومواهبهم ومشاركتهم في بناء المجتمع وتنميته"، وتنقسم المسابقة إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى على مستوى النادي حيث يتم إقامة المسابقة، وفي المرحلة الثانية تجري التصفيات على مستوى المحافظة، وفي المرحلة الثالثة تقام التصفيات على مستوى سلطنة عمان. وفي كل مرحلة تُصرف المبالغ المالية المخصصة لكل ناد، ولكن بعض الأندية تصرف الأموال المخصصة للمسابقة الثقافية في مجالات أخرى لا علاقة لها بالثقافة، وهذه معضلة تتطلب إجراءات إدارية وفنية لضمان حصول المتسابقين والمحكمين في المسابقة الثقافية على حقوقهم.
يتنافس الشباب في عدة مجالات خلال الموسم الجاري مثل مجالات الثقافة والأدب (الشعر الشعبي، المسابقات الثقافية "عمانيات")، ومجال التقنية والابتكار (التصميم الرقمي وتطبيقات الهواتف الذكرية)، والفنون الأدائية (الإنشاد، المسرح، العزف على الآلات الموسيقية) والتعليق الرياضي، أما مجال الفنون البصرية (الفنون التشكيلية، التصوير الضوئي، التصوير الضوئي، الأفلام القصيرة)، زاوجت المجالات بين عدة خيارات حديثة وتقليدية وتناسب الفئات العمرية والمقسمة على فئتين، الأولى (10-16) والفئة الثانية (17- 30)، وهنا لابد من الإشادة بمرونة السماح للمراحل السنية الأقل من 15 أو الأكثر من 24 سنة بالمشاركة في المسابقة علما أن تصنيف الأمم المتحدة للشباب ينحصر بين سن (15-24) سنة.
استوقفتني عدة ملاحظات أثناء متابعتنا للمرحلة الأولى من التصفيات، وهي وجود عدة أعمال فنية لمواهب شابة لم يحالفها الحظ بالحصول على مراكز متقدمة، ولكن أعمالهم الفنية صغيرة الحجم يُمكن عرضها للبيع في أركان المبيعات في الفنادق أو أبهاء مراكز التسوق، أو إقامة مزادات للأعمال الفنية للشباب تتبناها إحدى المؤسسات الخاصة الحكومية أو الوطنية كمبادرة منها لاقتناء أعمال الشباب، فيولّد لديهم الإحساس بقيمة تسويق المنتج الثقافي والمردود المادي، فالمواهب الإبداعية يتوجب رعايتها والاهتمام بها في حواضنها الأولى قبل انطلاقها واعتمادها على ذواتها بعد تجاوزها لسن الشباب. أما الملاحظة الثانية فهو سؤال يتبادر إلى الذهن عن مصير المواهب بعد فوزها بالمسابقات، أو بقية المواهب المشاركة وإن لم تتوج بالجوائز. فالغاية من اكتشاف المواهب هو تطويرها لتتمكن من استثمار طاقاتها الإبداعية في الإنتاج الثقافي الفني منه والأدبي وإيجاد مصدر دخل مالي يُحفز المبدع على تطوير مهاراته وقدراته في حقله الإبداعي.
لذلك لابد من بعث مؤسسة أكاديمية معنية بالمواهب الشابة في كافة المجالات الثقافية والرياضية والعلمية، تقوم بصقل المواهب على أسس علمية وفنية أسوة بالمؤسسات الدولية الناشطة في مجال إعداد المواهب واستثمارها، لأن الموهوبين والمبدعين موجودين في مجتمعاتنا ولكنها بحاجة إلى من يكتشفها في مراحلها الأولى وخاصة في المدارس، فكم طاقة مهدورة لم نكتشفها وكم من موهوب يفتقد إلى التأطير ليشع في سماء الإبداع.
إن استمرارية المسابقات الثقافية للأندية ورفع قيمة الجوائز سيعزز من قيمة النماء والانتماء في نفوس الشباب الذين يحتاجون إلى من يستمع لهم ويستثمر طاقاتهم الجبارة في البناء والتجديد.
