ظفار تحتضن العيد الوطني الثاني والخمسين
تحتفل بلادي غدا -الجمعة- بعيدها الوطني الثاني والخمسين، وتم الاختيار أن يكون عيد هذا العام في مدينة صلالة، حاضرة محافظة ظفار، ويحظى هذا الاحتفال الكبير بالرعاية السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي سيقام بميدان النصر بالقرب من قصر الرباط، ولا شك أن هذه الرمزية الاحتفالية بالعيد الوطني سنويا، تجسد معاني الوطنية العمانية، كما هي عبر تاريخها التليد، وأن هذه الرمزية تستعيد معها التحولات الضخمة التي شهدتها عُمان منذ انطلاقتها المباركة في عصرها الحديث عام 1970، التي قادها باقتدار السلطان الراحل قابوس بن سعيد -تغمده الله بالرحمة والمغفرة- وفي خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق الأول بعد توليه الحكم، عبر بكلمة وفاء للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، ودوره في بناء ونهضة عمان، وقال جلالته مخاطبا شعبه: «ما كان لبلادنا عُمان أن تحقق كل ذلك لولا القيادة الفذة للمغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -رحمه الله- والأسس الثابتة التي أقام عليها بنيان هذه الدولة العصرية والتفافكم حول قيادته واعتزازكم بما أنجزناه جميعا تحت قيادته الحكيمة ولولا ثبات ورسوخ الأمن وانتشار الأمان في ربوع هذه البلاد الذي ما كان ليتحقق إلا بوجود قوات مسلحة جاهزة وعصرية ومعدة إعدادا عاليا بكل فروعها وقطاعاتها، وأجهزة أمنية ضمنت استقرار البلاد واحترام المواطنين فنحن نقدر دورها العظيم في ضمان منجزات ومكتسبات البلاد ونؤكد على دعمنا لها واعتزازنا بدورها».
واستكمل جلالة السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله- مسيرة النهضة المتجددة بما يحقق المزيد من الإنجازات والتحولات التي تحتاجها عمان في هذه المسيرة المباركة، لتضاف إلى هذا الوطن لتحقيق المزيد من الإنجازات، بما يعزز قدرتها على العطاء والبذل في النهضة والتقدم المنشود، ووفق الخطة الاستراتيجية العمانية 2040، التي أشرف عليها جلالة السلطان المفدى بنفسه منذ المراحل الأولى لتأسيسها وإعداد برامجها. وأتذكر أن أول احتفال بالعيد الوطني في محافظة ظفار أقيم، كان العيد الوطني السابع في عام 1977، وقد تزينت مدينة صلالة وكل الولايات الأخرى في ذلك اليوم السعيد، بما يليق وهذه المناسبة الوطنية الكبيرة بالرغم من محدودية التنمية فيها آنذاك، وقد جاء اختيار هذا العيد في هذه البقعة العزيزة من أرض عُمان، أنه جاء بعد انتهاء الثورة وحركة التمرد في ظفار، بعد إعلان استتباب الأمن في ربوعها عام 1975، وعاد المئات من المقاتلين ممن كانوا في هذه الثورة في جبال ظفار للوطن الأم، ليساهموا في نهضتها وترك ذلك الماضي وظروفه السلبية التي عمت كل عُمان من أقصاها إلى أقصاها، كانت التنمية في ظفار -وأيضا بقية المدن العمانية آنذاك- تعاني من تراجع كبير على كل المستويات التنموية، لكن بلادنا تحركت بالتدرج لاستعادة ما تأخر من نهوض وتراجع في تلك الظروف السابقة، وكلنا نعرف تلك الظروف التي مرت بها بلادنا، قبل نهضتها المعاصرة.
ولا شك أن النهضة تسارعت بقوة، وبدأت الخطط تنطلق وتسير، ومن خلال أيدي أبنائها الذين كانوا الهدف الأساسي والمحوري لهذه النهضة العمانية الحديثة، وستكون أيضا المحرك لنهضتها المتجددة التي يقودها ويرعاها جلالة السلطان هيثم بن طارق، وقد أشار جلالته -حفظه الله- في خطابه الأول إلى أهمية المرحلة المقبلة بعد توليه الحكم فقال: «أبناء عمان الأوفياء: إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة فينبغي لنا جميعا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم، وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى وأن تقدموا كل ما يسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء».
كانت اهتمامات ومعطيات النهضة العمانية، ومنذ انطلاقتها ولا تزال في نهضتها المتجددة مستمرة، وهذا ما برز في رؤية 2040، على بناء الإنسان العماني علميا وفكريا، القادر على العطاء وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في النهضة والتقدم، وهذه كلها أساسها التعليم الجيد الذي يوازن ويقارب احتياجات الوطن ومتطلباته، وهذا بحمد الله ما نجحت فيه نهضتنا العمانية الحديثة، من خلال هذه المعطيات الفكرية، وفي تركيزها على الإنسان العماني خاصة الشباب، باعتبارهم المحور والركيزة في أي منطلق من منطلقات البناء النهضوي الحديث، كما أنها وازنت بين ما يجب أخذه، وبين ما يجب تركه في مسار حركة النهضة الدائبة، بين الأخذ بتكنولوجيا العصر والعناية برصيد التراث الحي الذي يمكن الاستفادة منه في معطيات القيم الطيبة كفكر ورؤى، والتفاعل مع الحضارات الإنسانية بالاستفادة مما حققته من نهوض وبناء وعلوم متقدمة، ولا شك أن من أبرز الدلائل والمعطيات في عصرنا الراهن، على نجاح الأمم ورقيها، إنما يعتمد على شبابها، بما يشكل هذا النهوض الحضاري والتنموي الركيزة الضرورية لبناء الإنسان والوطن، وهذا ما سارت عليه نهضتنا الحديثة وسالكة في تحقيق هذا التوازن وبهدوء ومتابعة لكل جديد في عالم التقدم والتطور في هذا العالم المتسارع في مجال العلوم والتقنيات الحديثة.
وسأسرد حادثة تستحق الإشارة بهذه المناسبة على قدرة الإنسان العماني وتفاعله واستجابته لما هو جدير بالرقي والتقدم، ومع البدايات الأولى للنهضة العمانية الحديثة، وقد أشرنا إليها في كتابنا (العمانيون وتحدي الجغرافيا)، عندما التقيت بأحد الصحفيين العرب أثناء زيارته لسلطنة عمان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت زيارته الأولى لعمان، وجلسنا معه لفترة من الوقت نتبادل أطراف الحديث حول موضوعات عدة.. وسألته عن انطباعاته عن السلطنة كأول زيارة له فقال في الواقع إنني مندهش لهذه المنجزات الضخمة التي تحققت في بلدكم وفي غضون الفترة الوجيزة التي لا تقاس في عمر الشعوب وقال لي: صدقني أنني لم أقل لك ذلك مجاملة لأنني كنت متصورا غير الواقع الذي شاهدته ولمسته بنفسي وهذا شيء يدعو للفخر والاعتزاز لبلد شقيق تجمعنا به روابط كثيرة وعادات وتقاليد متشابهة واستطرد الزميل الصحفي قائلا: «إن ما لفت نظري الإنسان العماني بصموده وسعة إطلاعه وثقافته ولا أكتمك سرا، لقد ذهلت عندما التقيت ببعض الشباب العماني في السلطنة وجلست معه وحاورته فوجدت فعلا مستوى من الشباب الواعي المثقف الواسع الاطلاع بقضايا العصر ومشكلاته المتعددة فسررت حقيقة لهذه الشهادة من شخص يتمتع بمقدرة صحفية ومستوى ثقافي ممتاز». هذه الانطباعات تشكل أهمية الوعي في الشباب العماني، وإدراكه لأهمية أن تعوض بلادنا ما فاتها من تراجع في فترة ما قبل النهضة. والآن.. ومع نهضتها المتجددة في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق -أيده الله- تتجدد حركة البناء في أغلب مواقع العمل والتخطيط، فنجد شبابنا في قلب الخطة الاستراتيجية 2040، فهم الممسكون لأغلب برامج الخطة، مع ندرة الذي لا يعبر عن مكنونات الخطط التي تحتاج على عكوف دائم عليها، وعلى كيفية الموائمة بين البرامج بما يحقق أهداف هذه الخطط، بما وضعت له، دون أن يتم حرق المراحل، أو الإدلاء ببيانات نظرية لا تعبر تعبيرا دقيقا عما يتم من جهود تتوازن مع واقع ما طرحته الخطة في تقسيماتها الآنية والمرحلية.
في هذا الاحتفال الوطني المجيد في مدينة صلالة، نتفاءل بمستقبل ناهض في بلادنا، بالرغم من الظروف الاستثنائية التي مر بها العالم كله في الجانب الاقتصادي والتنموي، وكما تقول الأمثال والأقوال المحلية: إن لا شيء يبقى على الدوام ثابتا لا يتحرك، وأقصد التغيرات السياسية والاقتصادية التي تجري في عالم اليوم لا ثبات لها، فما دام الأمة وشبابها وقيادتها الحكيمة المتمثلة بجلالة السلطان هيثم -وفقه الله تعالى- والواعية بكل التحولات والمتغيرات، فالتعامل مع هذه الظروف، سيكون برؤية ثاقبة وحريصة على الوطن، والشباب هم الذين يعتمد عليهم، كما قال جلالته -حفظه الله- في خطابه المشار إليه: «إن الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها».
