ما هي مآلات الحرب في أوكرانيا ؟

02 نوفمبر 2022
02 نوفمبر 2022

حضرت مع مجموعة من الأكاديميين والباحثين العمانيين في الأسبوع المنصرم، الدورة التاسعة لمنتدى الخليج والجزيرة العربية بالعاصمة القطرية الدوحة، وكان موضوع هذه الدورة، يتعلق بانعكاسات أزمة أوكرانيا والتنافس الإقليمي والدولي على مستقبل الأمن والطاقة في منطقة الخليج.

والواقع أن هذه الحرب التي جاءت كنتيجة للصراع الجيوسياسي الروسي الأوكراني منذ شهر فبراير الماضي، أسهمت في أزمات أخرى على أوروبا وآسيا والوطن العربي، خاصة قضايا الحبوب والطاقة والنفط وانعكاسات ذلك على التضخم وارتفاع الأسعار وغيرها من الآثار التي تلحق بالشعوب في المقام الأول، ولا شك أن روسيا بالأخص تمتلك الجانب الأكبر من صادراتها خاصة النفط والغاز، إلى جانب أزمة الحبوب التي تصدرها كل من روسيا وأوكرانيا للعالم، والأخص للشرق الأوسط وأفريقيا.

والإشكال الكبير لمؤثرات الحرب في أوكرانيا، أنها جاءت بعد أزمة كورونا، التي تسببت في أزمات اقتصادية وتنموية وبشرية لدول كثيرة، وأثر في البنية التحتية لها وآثارها لم تشف منه دول كثيرة حتى الآن، لا سيما الدول الأقل نموا في العالم، فهذه الحرب زادت من الأزمات الجديدة على أزمات الوباء وتأثيراته الاقتصادية، منها زيادة أسعار الحبوب والواردات الأخرى بسبب قلتها، ومخاطر مرور السفن في هذه الدول، إلى الزيادات في أسعار الطاقة وارتفاع أسعارها وأثره على المواطن خاصة أصحاب الدخول الصغيرة، وهذا التأثر لم يصب الدول الأقل نموا، بل أيضا تأثرت منه حتى شعوب الدول الكبيرة في العالم، كالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول في الشرق والغرب.

ولا شك أن الباحثين الذين قدموا أوراقهم في جلسات المؤتمر في مسألة الحرب وأثرها على الأمن والطاقة في منطقة الخليج والوطن العربي، وضعوا قضية الأزمة على بساط الفهم الواسع لآثار هذه الحرب وإشكالياتها الكبيرة والمستمرة، سواء في زيادة أسعار الطاقة بعد قيام هذه الحرب، وفي مقابل ذلك زادت الدول المنتجة للسلع المختلفة أسعارها على البضائع التي تأتي منها لدول المنطقة، لكن اللافت الذي برز عن هذه الحرب الخطيرة على استقرار العالم، أنها أوجدت شراكات متعددة، لم تكن في حسابات الدول المنتجة للطاقة ولم تتوقعها، خاصة في مجالي النفط والغاز، وزادت حدة التنافس والتوتر إلى حد الانتقادات بعد خلق شراكات جديدة، فبعض دول مجلس التعاون، كانت علاقاتها بالولايات المتحدة تعتبر استراتيجية، خاصة العلاقة الدفاعية والأمنية، وهي علاقة قديمة، فرغم أن دول مجلس التعاون صوتت ضد الحرب، لكنها وقفت على الحياد فيها، وهي خطوة متوازنة وعقلانية، لتتيح لنفسها المجال السياسي والاقتصادي المرن، والبعد عن المحاور والاصطفاف السياسي، وعدم وضع نفسها في أحادية سياسية واقتصادية مع هذا الطرف أو ذاك، لكونها تريد أن تتنوع علاقاتها مع كل الدول في الجوانب الاقتصادية وحتى السياسية أيضا، وغيرها من المجالات، فالعلاقة أو الشراكة مع الصين أو روسيا، هي خطوة جيدة لاستقراء المتغيرات والتحولات في عالم اليوم، ونظرة لا تخلو من واقعية سياسية، بالرغم أن علاقاتها مع دول الغرب الليبرالي أقوى في مجالات كثيرة وقديمة، لكنها لا تريد أن تضع كل البيض في سلة واحدة.

وكما جاء في تقرير المنتدى: أن الولايات المتحدة تستحوذ على 45 في المائة من مشتريات دول الخليج العربية من الأسلحة.. لكن الاهتمام الأمريكي تحول من الاهتمام بالخليج، نحو منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي، في السنوات الأخيرة، مما أضعف الثقة بالتزام الولايات المتحدة بأمن منطقة الخليج، وتزايد هذا الشعور مع امتناع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في سبتمبر 2019، عن تقديم دعم كاف للسعودية في وجه الهجمات التي قامت بها جماعة أنصار الله منذ عدة سنوات، وتعرضت منشآت شركة «أرامكو» في بقيق وخريص للهجمات.. ولا شك أن دول مجلس التعاون ـكما أشرنا آنفاـ لا تريد أن ترهن نفسها في سياسة ثابتة لا تتغير، إذا لم يكن الشريك العسكري أو السياسي أو الاقتصادي الأمريكي، لا يقوم بما تمليه هذه الشراكة، وهذه سياسات مقبولة وتعطي المجال للتحرك السياسي والاقتصادي في إطار المصلحة الاقتصادية، ولذلك بدأت العلاقة مع روسيا تتطور، وبدأت تقترب مع الشراكة والتعاون، منها التعاون بينهما في مسألة ضبط أسعار النفط للحد من انخفاض أسعاره، وحدث هذا في الاتفاق عام 2020. كما لاحظ المراقبون ازدياد حجم التبادل التجاري بين دول الخليج العربية وروسيا من 3 مليارات دولار عام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار عام 2021.

وجاءت قضية طلب الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية زيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره، لكن المملكة تمسكت باتفاق «الأوبك» الذي توصلت إليه مع بعض الدول المنتجة، ومنها روسيا الاتحادية، والهدف الذي اتجهت إليه السعودية هو الالتزام بالاتفاق عام 2020، وأيضا أنها تريد ألا تدخل نفسها في قضية الحرب في أوكرانيا، والخلاف القائم بين الولايات المتحدة وأوروبا مع روسيا. والأمر اللافت أن الولايات المتحدة تطالب المملكة العربية السعودية بتخفيض أسعار النفط، بعد الأزمة مع روسيا، في حين أن الولايات المتحدة عندما قلصت روسيا مبيعاتها لبعض دول أوروبا من الغاز، رفعت أسعار الغاز لقرابة خمسة أضعاف سعره السابق، وهذه مصلحة رأتها مناسبة، مع أن العلاقة كبيرة مع الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته تنتقد السعودية في الإبقاء على أسعار النفط، وعدم زيادة الإنتاج. فالمصلحة تقتضي البقاء على الاتفاق الماضي للحفاظ على أسعار تستفيد منها الدول المنتجة، بدلا من إغراق الزيادة التي تسهم في انخفاض أسعاره، وهذا سيؤثر على التنمية في هذه الدول، لكن الولايات المتحدة على لسان بعض المسؤولين في الإدارة الحالية، وفي الحزب الجمهوري أيضا اعتبروا هذا الموقف وكأنه دعم لروسيا، لكن المملكة خالفت هذه الآراء، وأكدت على علاقتها الاستراتيجية القائمة بينها وبين الولايات المتحدة.

ولذلك يجب عدم الربط بين الأزمة مع روسيا بسبب تأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا وتقديم السلاح لها ضد روسيا، فالدول الأوروبية بدأت بالبحث عن الغاز كبديل للغاز الروسي، وروسيا أكبر مصدر للغاز لألمانيا وبعض الدول الغربية، وبدأت بعض هذه الدول تتجه للدول العربية، وأهمها دولة قطر التي تعتبر أكبر دولة مصدرة في العالم للغاز المسال، و22 % من سوقه العالمي، تليها الجمهورية الجزائرية في إنتاج الغاز. ولا شك أن دول العالم، سواء في أوروبا أو آسيا ستتجه من الآن وصاعدا، إلى دول مجلس التعاون بعد الحرب مع أوكرانيا، مع توسع هذه الحرب، أو تدخل أوروبا فيها لمواجهة روسيا، أو حصول حرب نووية بينهما كنتيجة من نتائج هذه الحرب، فدول الخليج تمتلك رصيدا كبيرا للطاقة خاصة النفط والغاز، والبديل سيكون في دول مجلس التعاون، بما تملكه من احتياطيات ضخمة في الطاقة.

ولا شك أن الحرب في أوكرانيا تداعياتها كبيرة على كل دول العالم، سواء أوروبا أو آسيا، وكذلك على الدول العربية بسبب زيادة أسعار المنتجات المستوردة، والتضخم الناتج عنها، لاسيما في دول مجلس التعاون، ففي قضية التضخم في دول الخليج يذكر د. أيهب سعد في ورقته في المنتدى أن انقطاع حركة السفن التي تنقل الواردات وتأخرها، سببت التضخم وزيادة الأسعار، وقد حصل بالفعل أن التضخم زاد بنسب متفاوتة، لكن: «ارتفاع أسعار النفط عوض هذه الزيادات في أسعار المواد الغذائية». لكن الإشكال لو أن هذه الحرب زادت حدتها، وتفاقمت أزمة الواردات من الدول التي هي داخلة في الحرب أو القريبة منها، فإن توقف الاستيراد سيشكل أزمة جديدة في ارتفاع الأسعار وحصول التضخم بصورة أكبر، إن لم يتم وضع احتياط غذائي لمثل هذه الظروف. ومن الباحثين الذين ناقشوا الحرب في أوكرانيا على مستقبل علاقات دول مجلس التعاون مع الصين، الباحث الغربي «جوناثان فولتون» إذ أعرب أن العلاقة الاستراتيجية بين دول التعاون والصين ستشهد تطورا أكبر مع هذا العام: سواء بصورة فردية أو جماعية، بهدف إقامة علاقات أقوى تتنوع عبر شراكات متعددة، سواء في الطابع الاقتصادي أو السياسي، أو الأمني». فالصين من عدة عقود لها علاقة متميزة مع دول التعاون، لكن الحرب في أوكرانيا، إن لم تحقق نهاية لها قريبا فإن الأزمات ستكون خطيرة على كل دول العالم فالأزمة جذورها قديمة ومتشعبة.. وللحديث بقية.