ما ننتظره من قمة الجزائر
ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن اجتماع ملوك ورؤساء الدول العربية في الجزائر في الفاتح من نوفمبر، مع ذكرى إعلان جبهة التحرير الجزائرية عن تشكيل الجبهة لخوض الصراع المرير ضد المستعمر الفرنسي، والذي تكلل بالاستقلال في يوليو 1962 وكانت الدماء وصلابة الإنسان الجزائري هي ثمن التحرير والاستقلال. الجزائر التي قال عنها الثائر الغيني بيساو إمليكار كابرال ( 1924-1973) " إذا كانت الفاتيكان قبلة للمسيحيين، ومكة قبلة للمسلمين، فإننا نتجه إلى الجزائر قبلة الثوار في العالم". وكان للجزائر مواقف دولية مُشرّفة منذ قيام منظمة عدم الانحياز، أو في دعمها المادي والمعنوي للدول العربية في حرب أكتوبر 1973.
لذا نتمنى أن تخرج قمة الجزائر ببيان يوازي إعلان جبهة التحرير وإنهاء الخلافات العربية العربية، وفتح الحدود البرية بين الدول. إذ سبق وأن احتضنت الجزائر قمما شكلت أحداثا دولية أبرزها إعلان قيام دولة فلسطين 1988 وعاصمتها القدس، وقبلها كانت اتفاقية الجزائر (1975) بين العراق وممثله نائب الرئيس وقتها صدام حسين وبين شاه إيران محمد رضا بهلوي، ونصت الاتفاقية على الاحترام والتفاهم بين الطرفين، قبل أن يخرق العراق الاتفاقية سنة 1980 وبدأت بعدها حرب الخليج الأولى العبثية.
إن ما ننتظره من الجزائر قيام الدول العربية بمراجعة العلاقات العربية العربية، قبل الحديث عن الصراع مع الكيان الصهيوني، وتحرير الأراضي العربية المحتلة. فالخلافات العربية العربية برزت خلال السنوات الماضية على السطح وعكرت الصفاء بين الشعوب، الأمر الذي أدى إلى اصطفاف الشعوب وتراكم الغل والبغضاء بين الإخوة، وزادت وسائل التواصل الشرخ بين الشعوب. إننا لا نلوم ما حدث في الماضي من عداوات وصراع مصالح، ولكن اللحظة الراهنة تتطلب تضافر الجهود لاحتواء الخلافات العربية بعيدا عن وسائل التواصل التي تؤجج الخلافات ولا تعالجها، وهذا لن يترسخ إلا بإعلان مبادئ ومواثيق إعلامية تراعي حقوق الإنسان وكرامته، وتعلي من شأن الترابط الإنساني في الأقطار العربية.
يعيش العالم في لحظة زمنية زئبقية لا ثبات فيها إلا لمن يمتلك القوة والنفوذ، فقد زادت الصراعات والأزمات، وتفاقمت المشاكل البيئية بشكل لا يصدق، إذ تسود الأجواء سحب من الخوف واللا اطمئنان بين دول العالم، وظهر ذلك جليا في الأزمة الأوكرانية وبدء أزمة الطاقة، وتصاعد حركات الاحتجاجات المتواصلة لإيقاف الحرب، وفتح خط الغاز الروسي ليخفف عن أوروبا درجات الصقيع، وارتفاع أسعار المؤن الاستهلاكية.
يتبقى أملنا في بيان قمة الجزائر لإيقاف تسارع التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وإيجاد حلول للقضية الفلسطينية، وإيقاف الحرب على اليمن وتجميع الفرقاء اليمنيين على طاولة المفاوضات، وحل المشكلة السورية والليبية والعراقية. إن ضعف كيان الدول العربية وغياب الديمقراطية ساهم وساعد في تفاقم المشكلات، فالدول التي ارتبطت بأشخاص أو أحزاب انهارت حين انهار الفرد والحزب.
أتمنى للوفود العربية في قمة الجزائر إقامة طيبة، وهي بالتأكيد ستكون كذلك خاصة وأنهم ضيوف عند الشعب الجزائري الكريم الباسل. وأتمنى للوفود التمشي في شارع ديدوش مراد والعربي المهيدي، والاطلاع على متحف الشهداء، وكذلك زيارة حي القصبة، والاستماع إلى أغاني الفنان رابح درياسة، وإذا كان لديهم متسع من الوقت آمل أن يشاهدوا فيلم معركة الجزائر، هذه الأمكنة والمشاهد التي مررنا بها أثناء زيارتنا الأولى للجزائر، الجزائر التي سطرت أروع الأمثلة في نيل الحرية والاستقلال ضد المحتل.
نعول على الجزائر وبقية الدول العربية لإنهاء الخلافات العبثية والصراعات التي لا تحقق شيئا إلا المزيد من الدمار للإنسان والمكان. لقد نزف الجسم العربي الكثير من الدماء وآن الأوان ليتوقف. وختاما نقول تحيا الجزائر.
