وادي بني حبيب .. سلة فاكهة على سفح الجبل الأخضر
تسكن قرية وادي بني حبيب بين أحضان الطبيعة في ولاية الجبل الاخضر، وتختزل في جنباتها سيرة كفاح الانسان العماني مع الارض، وبراعة الهندسة المعمارية في إنشاء المساكن على سفوح الجبال، وإقامة الممرات للوصول اليها، وزراعة كل شبر صالح للزراعة بمختلف اصناف الأشجار المثمرة والمزروعات الموسمية.
وعندما يقف الزائر لقرية وادي بني حبيب على مدخل القرية من الأعلى يشاهد القرية القديمة والمساكن التي بناها الأجداد على سفوح الجبال، والناظر للقرية من الأعلى تشده تلك الاشجار الخضراء المزروعة على ضفاف بطن الوادي الذي يقسم القرية الى ضفتين، حيث لا بد من النزول الى الاسفل لاكتشاف الكثير من إبداعات الانسان هناك وكيف استطاع ان يستغل الارض وتحويل قساوتها الى بساتين للجوز والرمان والخوخ والمشمش وكروم العنب.
- أشجار الجوز
تزخر بساتين قرية وادي بني حبيب بزراعة أشجار الجوز على امتداده، بينها اشجار معمرة يصل عمرها الى 100 عام، وهي من اكبر الاشجار عمرا على مستوى الجبل الاخضر، حيث يحتاج المزارعون الى 7 سنوات لبدء جني ثمار الجوز بعد زراعة بغرس ثمرة من شجرة اصلية ذات وفرة وجودة في الثمار.
ولا تحتاج شجرة الجوز الى اسمدة او مبيدات، اذا يفضل الاهالي زراعتها والاعتناء بها بإزالة الحشائش منها وتنظيف المكان من حولها من أي نباتات تنمو بقربها، وينتظرون سبع سنوات لقطف الثمار.
ينساب بين جنبات القرية فلج وادي بني حبيب ليسقي المزروعات، منحدرا من العيون التي تتدفق وتصب في ساقية الفلج، حيث يطلق الاهالي عشرات الاسماء على الفلج من مكان الى آخر، ومن بين الاسماء الجبين و الكهوف و وادي الصرم وجبة السوداء وقلت الكتت، نزولا لوادي العين وعين دقل وعين البتيتة وغيرها من الاسماء.
ويتبع الاهالي العديد من الطرق لسقي البساتين في قرية وادي بني حبيب، من بينها تجميع مياه الفلج في بركة مائية، والسقي بما يسمى (التلايف) اي تجميع المياه في بركة ثم سقاية الاموال الخضراء المتمثلة في اشجار الجوز والخوخ والرمان والعنب والمشمش، حيث يأخذ المزراع الذي يقوم بسقاية الاموال أجرته من اصحاب البساتين.
وقديما كان يتم تعيين قرابة 3 حراس لحراسة المزروعات والاشجار على طول الوادي، ليل نهار، ويتم إعطاؤهم ثمرة رمان واحدة من كل شجرة، كأجرة على جهود الحراسة.
ينزل الزائر الى بطن الوادي بقرية وادي بني حبيب ليشق طريقه في الممرات التي تظللها ظلال اشجار الجوز والرمان والعنب والمشمش والخوخ على امتداد البساتين، يلمس براعة الانسان في استغلال الارض بالزراعة، وعدم ترك أي مساحة إلا ويتم استغلالها بزراعة شجرة مثمرة، حيث تتشابك اغضان الاشجار على طول الوادي مشكلة لوحة جميلة يانعة مخضرة.
القرية القديمة
على الرغم من انتقال الاهالي لمناطق سكن حديثة، تقف منازل القرية القديمة شامخة تحكي قصص من عاش هناك، حيث اصبحت القرية ضمن المزارات السياحية التي يزورها السياح ويطلعون على فنون العمارة العمانية القديمة وكيف استطاع الانسان بناء قرية متكاملة على سفح جبل، في دلالة على براعة الانسان العماني منذ فترات زمنية طويلة.
والزائر الى وادي بني حبيب يجد الاهالي يتجولون بين بساتينهم برفقة اطفالهم، يقطفون ثمار الاشجار التي حانت ثمارها للقطف، ويعتنون بالاخريات في مشهد يعكس الصورة الحقيقية لتوارث المحبة للأرض وارتباط الانسان بأرضه، إذ يعتني الانسان بأرضه وتبادله بثمار يانعة طيبة المذاق.
ويقول راشد بن سليمان الفهدي من سكان قرية وادي بني حبيب: انتقلنا الى مساكن حديثة ولكننا نقضي معظم أوقاتنا في مزارعنا والبساتين للعناية بالاشجار والمزروعات، فهي مصدر رزقنا.
اضاف الفهدي: الوضع سابقا كان شاقا ولكن الإنسان بطبيعته مكافح، ونحن اليوم حريصون على ان نعلم أجيالنا كيف حافظ الانسان على زراعة الارض والعناية بها كمصدر للعيش. ورغم طبيعة الجبل القاسية ساعدنا اعتدال الطقس على زراعة اشجار ومحاصيل لا يمكن زراعتها في أي منطقة اخرى في سلطنة عمان، مثل الخوخ والمشمش والجوز و الزيتون.
وعند الصعود من بطن وادي بني حبيب الى الاعلى أشار لنا راشد الفهدي الى واحدة من طرق (العزل) للمرضى قديما، وقال: كان الاهالي يعزلون المرضى في أماكن بعيدة على سفوح الجبال خاصة من يعانون من مرض نادر، الى ان يتعافوا.
السياح والزوار تشدهم عراقة وادي بني حبيب وجمال بساتينها، والأهم من ذلك طيب اهلها الذين يستقبلون زوارهم بثمار الرمان والجوز وماء الورد.
