التدافع مع الجماعة زحمة
تنشط حركة سياحية في ظفار هذه الأيام الفاصلة بين فصلي الخريف (خُرف) والربيع (الصرب) في منطقة جبجات شمال ولاية طاقة، في الحيز الجغرافي المعروف في الجنوب بالقطن وهي منطقة تمتد من شمال ولاية مرباط إلى شمال ولاية ضلكوت؛ ونظرًا لصلابة تربة القطن وقلة سقوط الأمطار عليه في الخريف فقد كان (مخرفا للرعاة، بمعنى مسكن في الخريف). منذ عدة سنوات اتجهت الأنظار إلى جبجات؛ نظرًا لانبساط المساحات وقلة الحشرات المزعجة مثل البعوض وحشرة (العارنوت أو الخانيوت) الحارسة الأمينة للمسطحات الخضراء في بداية نمو الأعشاب، وكذلك وجود أشجار الظل الطلح والقرط، ولكننا لسنا بصدد عدّ مزايا منطقة جبجات بل نناقش ظاهرة تأثير وسائل التواصل على خيارات البعض، فصار التقليد جزءًا من طبع الناس، والتصوير ورفع الصور ونشرها في حسابات التواصل الاجتماعي غاية ومتعة بحذ ذاتها، ويوجد كذلك بعض من الناس لا يستمتعون إلا باستمتاع الآخرين، قدر ينظر إلى ذلك كخصلة حميدة أي مشتركة الآخرين الفرحة، ولكن يمكن خلق السعادة والمتعة دون تأثير العقل الجمعي على خيارات الفرد.
إنَّ تدافع الأفواج السياحية إلى جبجات يحرضنا على التساؤل عن مشاركة الآخرين في متعتهم بمعنى لماذا يشترط البعض وجود جماعات بشرية ليشعروا بالأنس والمرح، فهناك من لا يجد متعته إلا برؤية أناس من حوله، وهنا قد تكون الثقافة الشعبية التي تُكرس التفاعل مع الجماعة، وتعلي من شأنها في الأفراح مثل: المثل القائل "الحشر مع الناس عيد"، وحتى في الأتراح حسب المثل " الموت مع الجماعة رحمة"، فهذا التسليم بالأنس مع الآخرين في الحياة والممات يدعو إلى التفكير في الحمل الثقافي الذي نحمله معنا، فهل علينا إعادة التفكير فيه ونقده، أما نسلم بناموس هذا ما وجدنا عليه أباءنا، ونرفع جدار الموروث الثقافي أمام أي محاولة لتحديث الفكر والذوق، دون النظر إلى الواقع وما يفرضه على الفرد والجماعة. وما يترتب عليه من تنازل الفرد عن خياراته وقناعاته لصالح الجماعة خوفًا من التعيير بالاختلاف والخروج عن النمط السائد الذي يفرضه "وسط معين هو في الحقيقة قانونه الخاص، إذ تقوم طبقة اجتماعية متميزة بإدراج سلطتها في التربية وفي الثقافة". مثلما ذكر ميشال دو سارتو في كتابه الثقافة بالجمع، ترجمة محمد شوقي الزين.
إننا نعول على ميلاد مزاج اجتماعي يقودنا إلى عدم الانجرار خلف خيارات الجماعة غير المُقنعة، فالفرد يبدع ذهنيا وفكريا بعكس الجماعة التي تبدع في الأداء الحركي الجماعي كالطقوس والرقصات والألعاب.
عود إلى موضوع الصرب في ظفار، فإن التزاحم على منطقة بعينها يؤدي إلى تأثير سلبي على البيئة سواء إقامة المخيمات ومحلقاتها إلى إشعال النار تحت الأشجار الظليلة، مرورًا بالمخلفات والقضاء على الأعشاب والحشائش التي ينتظرها الرعاة للتخفيف من مصاريف أعلاف الماشية.
وإذا كانت لدى الجهات المعنية خطط ومشاريع لتنشيط مواسم سياحية في موسم الصرب، فلابد من وضع استراتيجية يسهم المجتمع المحلي في رسمها والاتفاق حولها، هذا إذا أردنا المساهمة بنجاح في الاستثمار السياح وكذلك الحفاظ على المكونات البيئية في المناطق المستهدفة بالأنشطة السياحية. كما نُذكر بوجود مناطق في شريط القطن مماثلة لجبجات وتتوفر على مقومات طبيعية يستمتع بها الأفراد والعائلات، ويا حبذا لو ابتعدنا قليلًا عن التزاحم.
