لتكن حقوق الإنسان محمية ومصانة
لا بد أن نُسجل شكرنا وامتناننا للمُشرّع في عُمان، بعد صدور المرسوم السلطاني رقم 57/ 2022 القاضي بإعادة تنظيم اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، الذي منح اللجنة استقلالية تامة لممارسة أنشطتها الحقوقية وتوسيع عدد أعضائها ومنحهم حرية انتخاب الرئيس ونائبه، وتكليف اللجنة بوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، وهذا ما يُمكن التعويل عليه للنهوض بالعمل الحقوقي في عُمان، إذ يتعذر تحقيق أي هدف في ظل غياب الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها اختصار الوقت وتوفير الجهد لبلوغ الغايات المنشودة.
إننا ندرك أن اللجان الوطنية لحقوق الإنسان تعمل وفق مبادئ باريس أي المبادئ المتعلقة بالمؤسسات الوطنية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، التي كانت محصلة لحلقات العمل الدولية المنعقدة في باريس في أكتوبر 1991، وجرى تبنيها من قبل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العام 1992، لذلك فإن الأدوار المنوطة باللجان الوطنية تتجاوز دور تقديم الاستشارات ورفع التوصيات للسلطة التشريعية، إلى صنع وعي مجتمعي يثق بالعمل الحقوقي ويتبناه عبر القوانين والتشريعات المُنظّمة، التي تُرسخ هيبة الدولة واستقلال السلطات وتحقق المواطنة وتكفل الحقوق والحريات، فقوة الدول تكمن في قوة قوانينها النافذة المُستنبطة من حاجة الشعوب وتطلعاتها إلى العدالة والحرية.
إن أولى المهام التي على اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التفكير فيها هي إيجاد الثقة بين اللجنة وبين أصحاب المصلحة، بين الإنسان وبين السُلطة، بالإضافة إلى تبني النهج المدني في العمل بالشأن الحقوقي. لأنه لا يخفى على أحد الصورة السلبية التي أُلصقت بسمعة حقوق الإنسان في فترات سابقة، إذ صُوِرت كحصان طروادة يتسلل الأعداء منها إلى المجتمع، ناهيك عن التشويه الذي يطال النشطاء الحقوقيين، إذ قدمتهم بعض الخطابات كأعداء متربصين بالأمة وشياطين يفسدون على الناس تقواهم. ولتقريب وجهات النظر لأجل الصالح العام وتجسير الهوة بين الأطراف يُمكن تبني لغة حوار مشتركة تهدف لحماية حقوق الإنسان وحفظ كرامته ورفع المظلمة عنه وتحقيق العدالة.
سيجد المُهتم بحقوق الإنسان مساحة من الأخذ والعطاء إذا تمكنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من العمل باستقلاليتها الممنوحة لها وتقديم مصلحة عُمان قبل الجميع، لأنه ومن خلال تجارب سابقة وأمثلة واقعية وجدنا أن البعض ممن يمثلون عُمان في ملتقيات حقوقية دولية برعاية الأمم المتحدة لا يُفرقون بين كونهم موظفين وبين حقيقتهم كمواطنين، لهم حقوق وعليهم واجبات، بمعنى أن الوعي بالثقافة الحقوقية لم ينضج بعد. وهنا أقدم مثالا على ذلك، إذ شاركت في بداية مشواري الحقوقي في مؤتمر (حرية الرأي والتعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي: سبل إزالة التحديات) في بيروت (مايو 2012) وشارك معنا من سلطنة عمان وفد حكومي مكون من وزارة الإعلام ووزارة العدل ووزارة التنمية الاجتماعية، وكان المؤتمر برعاية وتنظيم من مكتب الأمم المتحدة ببيروت، وهدف اللقاء إلى تعريف النشطاء والموظفين الحكوميين بالحقوق الأساسية المتمثلة في حق الرأي والتعبير وحق تكوين الجمعيات وحق التجمع السلمي، وفي إحدى الجلسات عقد المشاركون حوارا مع المشرفين حول القوانين والتشريعات في كل بلد على حدة، في محاولة لرفعها للسلطة التشريعية وتعديلها لتستوعب المطالب المجتمعية وتحقيق العدالة. أثناء الاجتماع رفض الموظف (س) المشاركة معنا في النقاش، ظانا بأن المتحدث ملزم بتطبيق ما يتحدث به، وعجزنا أن نشرح له بأن الأمر لا يتعدى اجتهادا منا في النقاش حول تعديل القوانين الخاصة بالحريات المذكورة، واستغربت المشرفة امتناعه عن الحديث قائلة: «لماذا حضرت إذا كنت ستهدينا صمتك». أتممنا النقاش وكتبنا أهم الملاحظات وعرضها أحد الشباب من الفريق الحكومي على الحضور ونالت استحسانهم. قبل ختام المؤتمر أُفسح المجال للحديث والتعليق حول سير الأعمال، فطلب صاحبنا الذي رفض الحوار الكلمة قائلا: «أشكركم على الدعوة والمشاركة، ومن هنا أزكي نفسي لحضور أي مؤتمر مماثل قادم»، وعدد هواياته واهتماماته. أقدم هذا المثال، على أنه يوجد العديد من المحسوبين على حقوق الإنسان ولا يعنيهم الأمر إلا المشاركة في الندوات والمؤتمرات، دون أن يكون لهم أثر على أنشطتهم أو تطوير في مجالهم الحيوي، وهذا ما لا نتمناه لأي عضو من أعضاء اللجان الحقوقية.
لقد بدأ العهد المُجدد بخطوات تُذكر فتُشكر في مجال حقوق الإنسان منها الموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم 46/ 2020، ونأمل أن يستمر تحديث القوانين والتشريعات بما يتلاءم مع مصلحة الدولة واستراتيجياتها ويخدم الوطن والإنسان على هذه الأرض الخيرة.
