العالم والانتقال إلى موارد الطاقة المتجددة

13 يوليو 2022
13 يوليو 2022

ترجمة: قاسم مكي -

انتهى نسيانُ أمنِ الطاقة. فأزمة الطاقة العالمية التي تغذي تضخمًا قياسيًا في ارتفاعه تُزَلزل الحكوماتِ مع شعور المستهلكين بالصدمة وغضبهم من ارتفاع الأسعار ومن احتمال نقص الإمدادات.

القلق العام بشأن أمن الطاقة كان قد تبدد خلال العقد الماضي لأسباب من بينها ظهور النفط الصخري الأمريكي. فقد حولت تقنية التكسير المائي أمريكا من أكبر مستورد للنفط في العالم إلى أكبر منتج وحققت لها أمن الطاقة بعد عقود من وعدها بذلك.

وصار من الممكن امتصاص المهددات السياسية أو العسكرية المحتملة لإمدادات الطاقة في الشرق الأوسط وسواه بإنتاج الولايات المتحدة. فبعد تضرر منشأة ضخمة لمعالجة النفط في السعودية في سبتمبر 2019 في حادثة كان يمكنها في السابق رفع الأسعار إلى عنان السماء امتص إنتاج النفط الصخري الأمريكي صدمة الإمداد (التي ترتبت عنها). وبالكاد تحركت الأسعار.

أيضا اعتقد مراقبون عديدون أن الطلب على النفط بلغ ذروته في عام 2019 وأن موارد الطاقة المتجددة ستحل محله بسرعة. وبدا أن انخفاض الطلب أثناء إغلاقات كوفيد يثبت صحة ذلك التحليل. كما ساد الاعتقاد بأن الانتقال إلى الموارد المتجددة يمضي قدمًا بمعونة سياسات حكومية واسعة النطاق.

لكن ذلك التصور اصطدم مع الواقع. فالطلب على النفط والغاز ارتفع مجددًا مع انتهاء الإغلاقات وتعافِي الاقتصادات. ولم يتمكن إمداد الطاقة العالمي من مجاراة الطلب لأسباب من أهمها عدم كفاية الاستثمار في المصادر التقليدية للطاقة.

أعدَّ الطلبُ القوي والإمداد الضعيف المسرحَ لأزمة الطاقة العالمية التي بدأت في الخريف الماضي. فأسعار الغاز الطبيعي والفحم الحجري والنفط ارتفعت كلها. وفي أواخر العام الماضي كان الأوروبيون يدفعون خمسة إلى ستة أضعاف السعرِ المعتاد للغاز الطبيعي المسال وكانت أسعار البنزين ترتفع في محطات الوقود بالولايات المتحدة.

هذا وقد حوَّل غزو روسيا لأوكرانيا أزمةَ الطاقة والاقتصاد المتسارعة في تفاقمها إلى أزمة جيوسياسية قادت إلى المزيد من ارتفاع الأسعار.

على مدى نصف قرن تباهَت روسيا (وقبل ذلك الاتحاد السوفييتي) بكونها مورِّدا موثوقا للنفط والغاز خصوصًا إلى أوروبا. حظيت تلك الفكرة بالقبول على نطاق واسع في أوروبا استنادًا إلى فرضية أن الاعتماد المتبادل (بينها وبين روسيا) يفيد كلا الجانبين من خلال ما أسماه الألمان «التغيير عبر التجارة».

كانت ألمانيا مطمئنة إلى هذه العلاقة لدرجة أنها مثلا قررت في عام2011 إغلاق محطات الطاقة النووية التي كانت تنتج وقتها ربع احتياجاتها من الكهرباء. واتجهت إلى الفحم الحجري والغاز الطبيعي الروسي لتغطية العجز.

في شن الحرب افترضت موسكو أن أوروبا لن يكون لديها خيار في النهاية سوى الإذعان لاحتلالها أوكرانيا. لكن أوروبا بدلا عن ذلك عارضت طموحات روسيا. وتردُّ موسكو على ذلك بشن حرب طاقة في أوروبا. فهي تعطل تدفقات الغاز لزعزعة الاقتصاد وإحداث أكبر قدر ممكن من العنت.

هكذا اضطرت بلدان كانت في السابق لا تولي اهتمامًا يذكر لأمن الطاقة إلى الإسراع في البحث عن إمدادات بديلة وموثوقة.

تجدد أوروبا الآن التزامها السابق والطموح أصلا تجاه الطاقة المستمدة من الرياح والشمس. لكنها تدرك كما يبدو أن تحقيق ذلك سيستغرق بعض الوقت، ويحل فقط جزءًا من المشكلة.

الانتقال إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية لن يحدث بدون أمن الطاقة التي ستستوجب على الأقل في العقود التالية توافر القدرة على استخدام تشكيلة متنوعة ومضمونة من موارد الطاقة.

لا يوجد بلد يتخلى بسرعة وعزم عن الاعتماد على موارد الطاقة الروسية مثلما تفعل ألمانيا التي تخوض ما يدعوه المستشار أولاف شولتز نقطة تحول «زايتينفندة».

عمل زعيم حزب الخضر ووزير الاقتصاد روبرت هابيك على نحو وثيق مع صناعة الطاقة لفهم الكيفية التي يمكن أن تتخلص بها ألمانيا من نفط وغاز روسيا رغم صعوبة تخليها عن الغاز.

فبرلين تلزم نفسها ببناء عدة منشآت لاستيراد الغاز الطبيعي المسال وهذا شيء تجنبته ألمانيا لعدة عقود. بل سمحت ألمانيا للمحطات التي تستخدم الفحم الحجري في توليد الكهرباء بدعم إمدادات الطاقة قبل حلول الشتاء.

وتبذل الحكومات الأوروبية الأخرى جهودًا منسقةً لحظر النفط الروسي. فروسيا كما قال نائب رئيس الوزراء الروسي الإسكندر نوفاك في يونيو «يجري عمليا إخراجها من سوق الطاقة الأوروبية».

هذا يتطلب من البلدان المعنية النظر في مصادر الطاقة التي نبذتها في وقت ما. فرنسا مثال على ذلك. ففي بداية فترته الرئاسية الأولى في عام 2017 طرح الرئيس إيمانويل ماكرون فكرة إغلاق 14 مفاعلًا نوويًا وخفض اعتماد فرنسا على الطاقة النووية التي كانت تزود فرنسا بحوالي 75% من احتياجاتها من الكهرباء. أما الآن فيدعو ماكرون إلى إيجاد 6 مفاعلات نووية جديدة واحتمالا 8 مفاعلات أخرى.

مثال آخر بريطانيا التي سمحت بتطوير حقل غاز جديد في بحر الشمال. كما شرعت البلدان الأوروبية أيضا في إرسال بعثات إلى الولايات المتحدة وإفريقيا للبحث عن المزيد من النفط والغاز والفحم الحجري. ويساعد الاتحاد الأوروبي الآن على تطوير حقل غاز شرقي المتوسط التابع لمصر وإسرائيل كبديل للطاقة الروسية.

أيضا اكتشفت واشنطن مجددًا أمن الطاقة. لقد دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض وهو عازم على تسريع الانتقال (من الوقود الأحفوري) إلى موارد الطاقة المتجددة. لكن مع اضطرار الأمريكان إلى مواجهة الأسعار القياسية في ارتفاعها عند مضخات الوقود شرعت إدارته في حث الشركات الأمريكية على إنتاج المزيد من النفط والغاز وتكرير المزيد من وقود البنزين والديزل.

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ازدياد إنتاج النفط في الولايات المتحدة بحوالي 800 ألف برميل في اليوم خلال العام الحالي. هذا وتنتج مصافي التكرير الآن بأقصى طاقتها.

ورغم استمرار الإدارة الأمريكية في التمسك بأهدافها المتعلقة بالانتقال إلى الموارد المتجددة إلا أنها تدرك حاجة العالم الملحة لمزيد من النفط والغاز الطبيعي.

وعد بايدن أوروبا بتزويدها بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي. وتسعى إدارته إلى حث البلدان الأخرى لإنتاج المزيد من النفط.

التفاوت العالمي بين الطلب والعرض المتاح من النفط والغاز الطبيعي غير آمن. ومن المرجح أن يسوء أكثر خلال الأشهر القليلة القادمة مع تصعيد روسيا حرب الطاقة وارتفاع طلب الصين بعد خروجها من إغلاقات كوفيد وتزايد الأعطال في نظام الإمداد العالمي واتساع الفارق الضئيل بين العرض والطلب.

يتم تداول النفط في سوق عالمية ومعقدة يتحرك فيها يوميا 100 مليون برميل حول العالم في انسياب لافت. لكن عندما يضيق الفارق بين العرض والطلب يكون عرضة إلى حد كبير للاضطراب. ويمكن أن تأتي الاختلالات الجديدة من مصادر متنوعة من بينها تمدد الحرب إلى خارج أوكرانيا من خلال هجمات إلكْترونية على خطوط أنابيب الغاز الطبيعي أو تعطيل الأعاصير المصافي الأمريكية لبعض الوقت.

في اللحظة الراهنة يبدو أن الشيء الوحيد الذي يمكنه إنهاء الضغوط على أسواق الطاقة سيكون تباطؤًا عامًا ومتطاولًا في النشاط الاقتصادي ينشأ عن ارتفاع الأسعار وتشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية. هذا الاحتمال لا يشيع إحساسًا قويًا بالأمان.

دانييل يرجين نائب رئيس شركة ستاندارد آند بوزر جلوبال ومؤلف عدة كتب عن الطاقة من بينها «الخارطة الجديدة»

ترجمة خاصة لـ $ عن «وول ستريت جورنال»