سلطة تيك توك على عالم النشر!

05 يوليو 2022
05 يوليو 2022

في عطلتي التي أقضيها هذه الأيام في ألمانيا، أتصفح تويتر بين الحين والآخر، وجدتُ الليلة أن أحد الأصدقاء يعاني مع منصة تيك توك، وذلك بعد أن قام بزيارة متحف فكتوريا وألبرت وشارك صورا للوحات خالدة من المتحف، ليعد الموقع الاجتماعي الأكثر رواجا أنه يقدم (محتوى حساسا) فيمنعها من الظهور وأتأمل في صور اللوحات وآخذ نفساً عميقاً مرده كراهيتي للخوارزميات والآليات التي تعتمدها المواقع لتحديد ما هو مقبول، الأمر الذي بات يستعمل على نطاق واسع حتى عند التقديم للدراسة الجامعية، فإن قرارا يتخذه «الكمبيوتر» قادر على استبعادك أو نقلك للمرحلة التالية.

مع هذا أتذكر تيك توك، وأدخل لحسابي الذي لا أشارك عليه شيئا لكنني أكتفي بالمتابعة، أتعرف على أخبار ألمانيا الأخيرة من خلاله، يجب أن أحمل معي وثيقة السفر إذا كنتُ قد ابتعتُ تذكرة المواصلات العامة التي تبلغ تكلفتها 9 يورو والتي اعتمدتها الحكومة الألمانية بعد الأزمة الأخيرة بسبب الوقود نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة لمحاولتهم تقليل استخدام السيارات وعلاقتها بالتلوث وأزمة المناخ. تستطيع أن تتنقل على متن كل المواصلات المتاحة داخل ألمانيا طيلة شهر كامل بهذه التذكرة. تتدفق المقاطع المضحكة والتي لا أفهمها. وبما أنني مهتمة بالكتب والفن والثقافة، سبق وأن كتبت عن التفاعل الإيجابي مع هذه المنصات بدلاً من حجبها الذي لا يفيد على الإطلاق، أستطيع أن أؤكد لكم أن أخي الذي يبلغ من العمر 11 عاما قادر على الوصول لمحتوى الموقع بسهولة، إذا كان القصد من ذلك حمايته من التعرض لمحتوى قد يضر به.

في متابعة صحفية لنيويورك تايمز، لاحقوا الأثر الذي طبعه تيك توك على مبيعات الكتب في أمريكا، الجدير بالذكر أن الموقع محجوب تقريباً هناك، أثيرت مسألة الوصول إلى البيانات التي يستخدمها الموقع منذ فترة حكم ترامب، إذ ظهر على السطح في مناسبة من مناسبات عديدة أن الموقع الصيني يستثمر بيانات الشعب الأمريكي مما قد يتسبب بتهديد الأمن القومي، هل لك عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة أن تتخيل ذلك؟ عموماً رأت مادلين ميلر أن كتابها «أغنية أخيل» والذي نشر بالمناسبة عام 2011 حقق رواجا واسعا هذا العام ببيع مليوني نسخة بعد أن شارك أحد مستخدمي هذا التطبيق مراجعة عن هذا الكتاب. ذكرني ذلك بدورة حضرتها هنا تحت إشراف وزارة الإعلام حول صناعة البودكاست، حكى أحد مؤسسي شركة «مايكس» السعودية عن مفاجأتهم بعدد المشاهدات يتزايد كل لحظة لحلقة قديمة أنتجتها الشركة ليتبينوا بعد ذلك، أن أحد مستخدمي تيك توك قد شارك مقطعا لا يصل لدقيقة واحدة من ذات الحلقة.

تشارك نيويوك تايمز هذا التصريح وأنا هنا أترجم: «تشترك العديد من الكتب الأكثر مبيعا هذا العام في شيء ما، لكنها ليست العوامل التي اعتدنا عليها من قبيل: مؤلف مشهور، أو عمل كلاسيكي مهم جدا، أو بسبب فيلم أو برنامج تلفزيوني، إنه ببساطة:« TikTok»

بحسب الصحيفة تقول كريستين ماكلين المديرة التنفيذية في دار النشر« NPD Books »إن تيك توك بات مسيطرا على السوق. إنه يحكم قبضته على أرفف السوبر ماركت ومتاجر المطارات والسيطرة على الطاولات الأمامية في المكتبات. كما لوحظ أن الوسم الذي تنتشر عليه الكتب في هذه المنصة وهو «BookTok#»لا يقدم استعراضاً تقليدياً للكتب ومحتواها، بل يركز بصورة خاصة على الرحلة العاطفية التي قطعها القراء مع الكتب التي يقدمونها عبر هذا الوسم. واتضح أن هذا ما يبحث عنه الكثير من الناس. حيث يكثر استخدام «هذا ما جعلني أشعر» أو «هذا ما سيجعلك تشعر» أو «أريد أن أشعر بذلك».

فوجئ الناشرون بأن الكتب القديمة يمكن أن تصبح رائجة بصورة كبيرة ولم يكن هذا متاحاً ومألوفاً في وقت سابق، كتاب أغنية أخيل الذي ذكرته آنفا هو كتاب عن الإلياذة ليس كلاسيكياً لكنه ليس حديثاً أيضاً، في العادة تصبح هذه الكتب خارج دائرة الاهتمام بمرور الوقت، لكن المعايير وقواعد اللعبة قد تغيرت الآن. تذكر نيويورك تايمز أن الكاتبة التي عانت من أعراض كورونا على المدى الطويل كانت قلقة بشأن مواصلة حياتها في وضع مالي لا تحسد عليه، وقررت العودة للتدريس لكسب لقمة العيش، لكنها الآن بعد رواج كتابها على تيك توك باتت قادرة على العناية بنفسها وبعائلتها وبدأت بالفعل مواصلة كتابة روايتها التالية. وقالت «لقد منحني هذا الوقت للكتابة، لمواصلة كوني كاتبة».

تقول لي صديقة حصلت على شهادة عليا في التسويق، إنها الآن تعمل لصالح شركة كبرى في قطاع التسويق خصوصاً محتوى تيك توك، أنظر إليها متسائلة فتقول لا تعجبي لستُ على علاقة بأي منصة أخرى، المطلوب مني أن أدير محتوى الشركة على تيك توك وهي ليست شركة لتقديم المحتوى، بل شركة لها علاقة بالمنتجات الطبية، تدفع لها هذه الشركة مرتباً عالياً، حتى أنها وجدت نفسها مضطرة للتعلم أكثر عن هذه المنصة، وملاحقة المشاهير فيها، ومتابعة التقييمات الدورية التي تقدمها المواقع الإحصائية عن المحتوى الأكثر رواجاً والآلية التي ينبغي العمل عليها للوصول لعدد أكبر من المستخدمين. بالنسبة لي وأنا لم أبلغ حتى الثلاثين من عمري بعد، وبالطبع أعتبر نفسي شابة متابعة لما هو جديد، فعندما تشتكي أختي التي ستبلغ من العمر هذا الشهر التاسعة عشرة، ولا أستطيع فهم مزاجها، إذ تبدو اهتماماتي مختلفة، أقول لها فوراً لكنني أتابع تيك توك، كأنني أدافع عن قدرتي على الاطلاع على مجريات هذا العصر، لكنها تضحك وتقول لا يتوقف الأمر على متابعة ما تتابعينه فحسب، إن هذا يتطلبُ عملاً وجهداً أكبر. ولا أملك إلا أن أصدقها.