لكي نخرج من فخ الدخل المتوسط أو لكي لا نقع فيه

20 يونيو 2022
20 يونيو 2022

يعرف فخ الدخل المتوسط middle income trap بأنه الحالة التي يتوقف فيها النمو الاقتصادي للدولة عند مستوى متوسط دخل الفرد، ثم تعجز فيها الدولة عن التحول إلى مستوى الدول ذات الدخل العالي، رغم أن اقتصادها كان ينمو نموًا متسارعًا خلال السنوات السابقة. وهناك الكثير من الدراسات وأوراق العمل التي كُتِبت أو نُشرت عن هذا الموضوع، لاسيما تلك التي كتبها خبراء البنك الدولي وخبراء آخرون في مؤسسات أكاديمية ومالية دولية.

ومما يجب قوله في صدارة هذا المقال إنني لا أقدّم هنا دراسة تكفي للوصول إلى استنتاج بشأن ما إذا كان الاقتصاد العماني قد وقع في فخ الدخل المتوسط أو ما إن كان لا يزال في مرحلة دون ذلك أو أنه تجاوزها. الذي أكتبه هنا هو مجرد مقال صحفي أحاول فيه، مثل بقية مقالاتي الصحفية السابقة، أن ألفت انتباه الباحثين أو المعنيين بالاقتصاد والتنمية إلى أهمية الموضوع من أجل البحث فيه، واتخاذ ما يلزم بشأنه من سياسات وإجراءات يكون الهدف منها تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية شاملة.

يُرجع الخبراء سبب وقوع الدول في فخ الدخل المتوسط إلى زيادة تكلفة الإنتاج، وتدني مستوى الإنتاجية في الاقتصاد. بعض الدول النامية تمكنت خلال العقود الماضية من تجنب الوقوع في هذا الفخ والبقاء فيه، وحققت التحول إلى مستوى الدخل العالي، إلا أن كثيرا من الخبراء والباحثين يرون أن أكثر الدول في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا الجنوبية وقعت في ذلك الفخ، ولم تستطع الخروج منه، وبأخذ متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة الأمريكية كمقياس ومرجعية، وجد الخبراء والباحثون أنه من بين حوالي 100 بلد في شتى قارات العالم كانت توصف بأنها بلدان متوسطة الدخل في عام 1960، تمكن 13 بلدًا فقط من التحول إلى مستوى الدخل العالي مع عام 2008، بينما وقعت البلدان الأخرى في فخ الدخل المتوسط.

ومن البلدان التي تمكنت من الوصول إلى مستوى الدخل العالي، غينيا الاستوائية والبرتغال واليونان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين وبورتوريكو ودول أخرى. الملاحظ أنه لا يوجد أي بلد عربي من بين البلدان التي قيل إنها تمكنت من تحويل اقتصاداتها إلى مستوى الاقتصادات عالية الدخل، رغم أن كل دول مجلس التعاون مثلًا هي ذات متوسط دخل عال للفرد. كما أن جميع البلدان التي تمكنت من الوصول إلى مستوى الدخل العالي هي من غير البلدان التي يعتمد اقتصادها على النفط. ولعل سبب عدم قدرة تلك البلدان على الوصول إلى المستوى العالي المستدام من الدخل عائد إلى عدم الاستقرار في أسعار النفط، وبالتالي عدم قدرة دخولها على الاستمرار في اتجاه تصاعدي بمرور الزمن بحيث تخرج من مستوى الدخل المتوسط إلى مستوى أعلى، بل أن دخولها واقتصاداتها أصبحت عرضة لتقلبات سعر النفط وعدم استقراره لعدة سنوات.

إن سبب عدم تمكن أي من الدول العربية أو الدول التي تعتمد على النفط من الانتقال إلى مستوى الاقتصادات عالية الدخل يثير أكثر من تساؤل، وهو من الأمور التي تحتاج إلى دراسة أعمق وأوسع تشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهناك آراء مختلفة عن أسباب تباطؤ نمو الدخل ووقوع الدول في فخ الدخل المتوسط، غير أن أكثر خبراء الاقتصاد والتنمية يرون أن أهم عنصرين للخروج منه إلى مستوى الدخل العالي هما الاستثمار والابتكار.

في أحد التقارير الصادرة عن البنك الدولي تم تصنيف مجموعة من البلدان على أنها بلدان منخفضة الدخل؛ لأن متوسط دخل الفرد فيها يبلغ حوالي 1,000 دولار سنويًا أو يزيد قليلًا عن ذلك، بينما صنفت بلدان أخرى على أنها متوسطة الدخل، وهي تلك البلدان التي يقع متوسط دخل الفرد فيها بين حوالي 4,000 دولار إلى حوالي 12,000 دولار، واعتبر ذلك التقرير البلدانَ التي يزيد متوسط دخل الفرد فيها عن 12,500 دولار بأنها بلدان عالية الدخل.

الجدير بالذكر هنا أن تصنيف البلدان حسب مستويات دخلها غير ثابت عند مستوى دخل معين وإنما يتغير بين حين وآخر، وربما يعود السبب في ذلك إلى الأخذ بالاعتبار عناصر أخرى غير المتوسط السنوي لدخل الفرد، كما هو في المؤشرات المعروفة بمؤشرات التنمية البشرية.

في عمان، توضح الحسابات القومية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن متوسط دخل الفرد خلال الأعوام من 2011 إلى 2020 كان يميل إلى التراجع. ففي حين كان ذلك المتوسط في عام 2011 حوالي 9,300 ريال، انخفض في عام 2015 إلى حوالي 7,300 ريال، ثم انخفض في عام 2020 إلى حوالي 6,350 ريالا، أي ما يعادل 24,180 دولارا، و 18,980 دولارا، و 16,510 دولارات على التوالي. ومع ذلك الانخفاض أو التراجع فإن عمان تصنف على أنها من الدول عالية الدخل، حيث إن متوسط دخل الفرد السنوي فيها خلال العشر سنوات الماضية لا يزال فوق مستوى 12,500 دولار المشار إليه أعلاه. ومن الواضح أن التراجع في متوسط دخل الفرد خلال الفترة المذكورة يعود بالدرجة الأولى إلى تذبذب عائدات النفط وأسعاره. وبغضّ النظر عن المتوسط العالي لدخل الفرد في عمان، فإنه من المؤكد أن الاقتصاد العماني ليس بحجم ولا بتنوع وتقدم اقتصادات سنغافورة أو البرتغال أو اليونان، دعك عن الصين أو كوريا.

لذلك فإن ما يحتاجه الاقتصاد العماني للوصول إلى ذلك المستوى من الحجم، وتنوع التقدم هو المزيد من الاستثمارات، سواء كانت محلية أو أجنبية، مع إعطاء أولوية للاستثمارات التي توجه إلى قطاعات خارج قطاع استخراج وتصدير النفط والغاز؛ لأن معظم الاستثمارات الأجنبية ما زالت تتركز حاليًا في هذا القطاع الاستخراجي الريعي، كما إن الاقتصاد العماني بحاجة إلى مزيد من الابتكار والتطوير في مختلف قطاعاته. وكما هو معروف أن جذب وتسخير رؤوس الأموال والاستثمارات يحتاج إلى تحسين بيئة الأعمال، بما تعنيه من تسهيلات إدارية وحوافز ضريبية، وهذا موضوع تم التأكيد عليه في أكثر من مناسبة وعلى أعلى المستويات، والابتكار والتطوير يحتاج إلى تعليم عالي الجودة ومؤسسات حاضنة ذات موارد كافية، ويحتاج إلى تشجيع معنوي ودعم مادي، من أجل أن يزدهر ويأخذ طريقه إلى التطبيق، وبدون ذلك سيبقى الابتكار مجرد أفكار وأحلام في رؤوس المبدعين والحالمين، أو حبيس أدراج المؤسسات البحثية، أو في مكاتب أصحاب القرار من المخططين والمنفذين.

الأرقام الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تشير إلى أن متوسط دخل الفرد في عمان خلال السنوات العشر الماضية يميل إلى التراجع، فإن ذلك يغري الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي وبالتنمية واستدامتها للقيام بدراسات أوسع وأشمل لمعرفة ما يمكن القيام به للوصول إلى اقتصاد ذي هياكل قوية، يكون الدخل العالي للفرد أحد نتائجه وليس بديلًا عن تنويعه وتوسيعه.

إن ارتفاع متوسط دخل الفرد في هذه المنطقة من العالم هو في الغالب مجرد ظاهرة ريعية، ولا يعني بالضرورة متانة وقوة الاقتصاد وسلامة هيكله، بل إن ذلك يعني إلى حد كبير هشاشة الاقتصاد وتعرضه للأزمات العالمية المتتالية. وإن تجارب الدول التي تجنبت الوقوع في فخ الدخل المتوسط أو خرجت منه تدل على أن توسعة الاقتصاد وتنويعه يحتاج إلى عمل دؤوب وتخطيط سليم، وإلى تسخير الموارد البشرية والمادية اللازمة وتدبيرها بصورة كفؤة.

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية