المقهوي عُماني
كنت سأكتب العنوان « الباريستا عُماني»، و(الباريستا/ Barista) كلمة إيطالية بمعنى عامل القهوة الذي يُحضَر القهوة ويُقدمها للزبائن -حسب موقع ويكيبيديا- لكني وجدت إن كلمة المقهوي المرادفة "لباريستا"، تفي بالمعني، مع أن استعمالها اليومي في عالم المقاهي أقل استعمالا من كلمة (باريستا).
رغم ارتباط لفظة المقهوي في الأذهان بوظيفة الشخص المُقدّم للقهوة في المجالس والسبلات والمناسبات العامة دون مقابل، بينما الباريستا يُقدم القهوة مقابل مبلغ مالي، وإذا تتبعنا مسار الكلمتين، فربما تحيلنا دلالة المقهوي إلى المعجم الاشتراكي، بينما تقودنا كلمة الباريستا إلى القاموس الرأسمالي. لكننا لم نرغب في استقدام الأيديولوجيا إلى عالم المشارب، بل الاكتفاء بالكتابة عن مذاق القهوة وصُنّاعها.
في الأسبوع الماضي وأثناء الدوام في مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة، رأيتُ شابا عُمانيا يُقدم مادة ثقافية حول القهوة وأدوات تحضيرها لمجموعة من الشباب العُمانيين من الجنسين، فقادني الفضول للحضور، إذ ظننتُ أنه تم تدشين مقهى المجمع المهيأ أصلا لاستقبال الزبائن من موظفي المجمع وغيرهم، فنحتسي القهوة على مهل، حسب قصيدة محمود درويش التي يقول فيها:" القهوة لا تشرب على عجل، القهوة أخت الوقت تحتسى على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات".
حضرت جلسة تحضير القهوة تحت إشراف المدرب الشاب أحمد البلوشي، الذي أخبرني بأن الدورة التدريبية في كيفية إعداد القهوة وتحضيرها، مخصصة لمجموعات من الشباب لعدة أيام بواقع يومين لكل مجموعة، بإشراف من مركز الشباب. المهم أنني استمتعت بما قدمه المُدرب الذي وجدت بحوزته كتاب (قهوة نامه لمؤلفه عبد الله الناصر) يحكي بأسلوب شيق عن ثقافة القهوة.
لكن متعتي الكبرى كانت في حماسة المشاركين من الشباب والشابات، في التعرف على ثقافة القهوة ومكوناتها ومراحل الإعداد والتحضير قبل تقديمها للزبائن. كما لمست رغبة الشباب في بعث مقاهي خاصة بهم. لم يكن لدي الوقت الكافي لحضور التدريب اليومي، لكني خرجت بانطباع جميل تجاه مركز الشباب الساعي لتمكين الشباب من خلق فُرص عمل في السوق المحلي، وتوطين الأيدي العاملة في المقاهي، ناهيك عن إيجاد مقاهي عُمانية متخصصة في إعداد القهوة وتسويقها، تستحوذ على مذاق الزبائن وأمزجتهم. وهنا نجدها فرصة مناسبة للقول بأن تدريب الشباب وتمكينهم من تسيير مشاريعهم الخاصة، خطوة ناجحة يعود أثرها المثمر والنافع على الوطن والمواطن، فالمهم ليس التوظيف بل التدريب والتمكين واكتساب المهارة والإجادة في المجالات التي يرغب الشباب في العمل فيها وإدارتها لتحقيق الإنتاج. بل وندعو الجهات المختصة الوقوف إلى جانب مشاريع الشباب عبر عدة خطوات منها إعفاء مشاريعهم من الضرائب، ومن الرسوم البلدية، وغيرها من الحوافز التي تحميهم في سوق المنافسة والعرض والطلب. لم أكتفِ بالحضور، بل تواصلت مع المدرب الذي قام بدوره الطيب فعرّفني على مجموعة من الشباب العُمانيين المتخصصين في كافة مراحل إنشاء المقاهي، من التصميم الداخلي إلى توفير الأثاث إلى جلب القهوة من مزارعها، وحتى توفير مستلزمات إعداد القهوة من آلات الطحن إلى آلات العصر وغيرها من مشاريع الإعلان والترويج لمنتج القهوة والتي أجادها الشباب العمانيين باحتراف واقتدار.
وأثناء اللقاء دار الحديث حول مشاريع الشباب المتكاملة فيما بينها، والتي سمعت قصص نجاحها من أصحابها، وخرجت بشعور يطيب الخاطر ومطمئن على حال شبابنا، الذين باستطاعتهم تقديم ما بحوزتهم من طاقات وقدرات واستثمارها في المردود الاقتصادي.
إن التجارب الناجحة للشباب العماني في العمل الخاص، تتطلب لفتة من الجهات الحكومية لمباركتها ودعمها ومحاولة استنساخها وتطويرها، فالتعمين لن يحقق عناصر النجاح ما لم تقف المؤسسات المعنية إلى جانب الشاب والشابة لتحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه الاستحقاقات الوطنية.
