اليمن والقيادة الجديدة
التطورات الأخيرة التي شهدتها الأزمة والحرب في اليمن من خلال تشكيل المجلس الرئاسي الجديد ونقل صلاحيات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى المجلس الذي يمثل الأطياف السياسية اليمنية باستثناء جماعة أنصار الله هو خطوة إيجابية في سبيل الوصول إلى حل سياسي يُنهي معه معاناة الشعب اليمني الشقيق وإيجاد عملية تنموية اقتصادية في اليمن.
كما أن التوصل إلى هدنة بين فرقاء الحرب تمتد إلى شهرين هي خطوة مهمة في إطار الحل السياسي الشامل وانطلاق اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام، وفي إطار تلك التطورات لا يمكن أن نغفل الدور المحوري للدبلوماسية العمانية التي تواصل جهودها الخيّرة في عدد من ملفات المنطقة ومنها الملف اليمني، ولعل إشادة الرئيس الأمريكي بايدن بتلك الجهود العمانية هي ترجمة حقيقية لدور سلطنة عمان منذ أكثر من نصف قرن، وعلى ضوء ذلك فإن الدبلوماسية العمانية تتحرّك على أكثر من صعيد للوصول إلى حالة من السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
مسقط محطة أساسية
منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل سبع سنوات وسلطنة عمان وبقيادة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ومن خلال الدبلوماسية العمانية تبذل جهودا كبيرة على الصعيدين الإنساني والسياسي فيما يخص الحرب في اليمن. وتعد مسقط محطة مهمة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص باليمن وأيضا المبعوث الأمريكي ولعل زيارة الأول لصنعاء في أول زيارة بعد الهدنة وتشكيل القيادة السياسية الجديدة الانتقالية في اليمن بعد مشاورات يمنية في العاصمة السعودية الرياض تعطي مؤشرا بأن الأزمة اليمنية تتجه نحو نهاية إيجابية من خلال المشاورات المتواصلة في مسقط بين الفرقاء وأيضا التنسيق مع المبعوثين الأممي والأمريكي.
إن الأزمة اليمنية تعد واحدة من الأزمات المعقّدة بعد انتهاء مرحلة حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح والمشكلات التي تلت ذلك في أعقاب الثورة الشعبية اليمنية عام ٢٠١١ خلال مرحلة ما سُمّيت بالربيع العربي حيث انطلاق الاحتجاجات الشعبية في أكثر من بلد عربي وأدى ذلك إلى سقوط عدد من الأنظمة العربية خاصة في مصر وليبيا وتونس واليمن.
إن جهود بلادنا سلطنة عمان تتماشى مع الثوابت الراسخة للدبلوماسية العمانية، ومنذ بداية النهضة الحديثة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- وتتواصل الآن من خلال النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة وثبات السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وعلى ضوء ذلك اكتسبت الدبلوماسية العمانية احتراما واسع النطاق ومصداقية كبيرة على صعيد قيادات العالم وشعوبها وهذا يعد منجزا وطنيا مشهودا. ومن خلال تلك التطورات فإن هناك فرصة حقيقية للفرقاء في اليمن للتوصل إلى حل توافقي يُخرج اليمن من المأزق الخطير الذي تواجهه منذ أكثر من سبع سنوات حيث يعاني الشعب اليمني الأمرّين.
ومن هنا فإن جهود سلطنة عمان وبقية الأطراف الإقليمية والدولية تهدف للوصول إلى حالة من السلام والتنمية المستدامة في اليمن الشقيق.
القيادة السياسية الجديدة
تمثل المتغيرات الأخيرة على الساحة اليمنية فرصة مهمة لإنهاء الأزمة اليمنية والدخول في خارطة طريق تؤدي إلى مصالحة شاملة والانطلاق باليمن الشقيق إلى مرحلة جديدة من خلال الشراكة السياسية، ولعل رفع الحظر عن مطار صنعاء وميناء الحديدة ولو بشكل تدريجي، هي خطوة في الاتجاه الصحيح ومن خلال الجلوس إلى طاولة الحوار بين القيادة السياسية الجديدة وجماعة أنصار الله فإن الوصول إلى حلول سياسية والبعد عن التشدد والتمسك بالشروط هو أمر ممكن من خلال إطلاق عملية سياسية تنموية متكاملة في اليمن خاصة على صعيد الانتخابات التشريعية، وعلى صعيد انتخاب رئيس الجمهورية اليمنية وإشراك كل المكونات السياسية في تلك العملية السياسية. هذا هو المنطق الصحيح الذي يُنهي مأساة الحرب الكارثية في اليمن، ولا شك أن الشعب اليمني يتطلع إلى ذلك الحوار الذي سوف يُنهي الحرب وتنطلق بعده العملية السياسية وهي مدعومة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومن المبعوثين الأممي والأمريكي. ولا شك أن أمام القيادة السياسية الجديدة مسؤولية وطنية كبيرة من خلال الحرص على التوافق مع كل الفرقاء وإيجاد الحوار مع جماعة أنصار الله لأن ذلك هو الخطوة الإيجابية والتي من خلالها تُنتهي الحرب وتبدأ العملية السياسية على أسس واضحة ووفق برنامج زمني محدد. كما أن العملية السياسية لا بد أن تواكبها عملية دعم اقتصادي وهناك مؤشرات دعم إيجابية من المملكة العربية السعودية للاقتصاد اليمني بمبلغ ٣ مليارات دولار وهذه خطوه مهمة سوف يكون لها انعكاس إيجابي على الاقتصاد اليمني الذي يحتاج إلى مزيد من الدعم العربي والدولي.
التنمية الشاملة
الإصلاح الاقتصادي والتنمية الشاملة لا بد أن يواكبا الخطوات السياسية؛ فاليمن بعد تلك الحرب القاسية يحتاج إلى برنامج تنموي شامل، ولعل الدعوة إلى مؤتمر دولي للمانحين بعد التسوية السياسية هو أمر في غاية الأهمية خاصة أن الوضع المعيشي للشعب اليمني هو وضع كارثي على الصعيد الصحي والتعليمي والأمن والاستقرار وإنقاذ ملايين اليمنيين من الفقر والتشرد وهي حالة تسببها الحروب، كما هو الحال الآن في الحرب الروسية على أوكرانيا وتشرد ملايين من الشعب الأوكراني، فالحروب لها جوانب إنسانية مدمرة للشعوب وعلى ضوء ذلك فإن اليمن يحتاج إلى حكمة الفرقاء اليمنيين وتغليب مصلحة الوطن اليمني وشعبه على كل المصالح الضيقة.
إن المأساة الإنسانية في اليمن تعد من الكوارث الإنسانية الكبرى كما أشارت إلى ذلك منظمات الإغاثة الدولية وكذلك تقارير الأمم المتحدة، كما أن مسألة الحسم العسكري ليست واردة بعد سبع سنوات من المواجهة العسكرية بين الأطراف المحلية والإقليمية.
ومن هنا فإن المشهد السياسي في اليمن يشهد بارقة أمل نحو إيجاد مقاربة سياسية تُعيد لليمن أمنه واستقراره وينطلق مجددا في محيطه العربي والإسلامي والدولي، وسوف تواصل بلادنا سلطنة عمان جهودها المخلصة والخيّرة لإيجاد حل سياسي للازمة والحرب في اليمن حتى تسجل النهاية لتلك الحرب القاسية ويدخل اليمن وشعبه مرحلة من الحياة المستقرة بعيدا عن تلك المآسي الإنسانية.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي
