الملف السياسي

سائرون على الدرب بقيادتكم الحكيمة

20 نوفمبر 2017
20 نوفمبر 2017

د. عبد الحميد الموافي -

بالتوازي مع التماسك والترابط الوطني القوي، فإن جلالته- أعزه الله- أرسى منهجا واضحا لعلاقات عمان مع الدول الشقيقة والصديقة، وهو منهج ارتكز على مجموعة من الأسس والمبادئ شديدة الوضوح، وطالما اتبعتها السلطنة خلال السنوات الماضية، وهو ما نجح دوما، ليس فقط في بناء مزيد من الصداقات مع دول وشعوب العالم من حولنا، ولكن أيضا في بناء وترسيخ صورة عمان وإسهامها الإيجابي والنشط من أجل العمل لتحقيق مناخ أفضل للسلام والاستقرار في هذه المنطقة.

تحتفل عمان، وطنا ومواطنا، قيادة وحكومة وشعبا، بالعيد الوطني السابع والأربعين المجيد، وليس من المبالغة في شيء القول إن من يتابع الاحتفالات، سواء في قمتها، ممثلة في العرض العسكري الذي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى- حفظه الله ورعاه- برعايته يوم السبت الماضي على ميدان الاستعراض العسكري بشرطة المهام الخاصة بولاية السيب بمحافظة مسقط، أو في الاحتفالات العديدة الأخرى، في كل محافظات السلطنة وولاياتها، وبمشاركة واسعة من جانب المواطنين، والمقيمين أيضا، يمكنه أن يلمس بسهولة ووضوح، ليس فقط الفخر بالقيادة الحكيمة، التي يجسدها، بعزة وشموخ، جلالة القائد المفدى- أعزه الله- والمحبة والثقة، والولاء غير المحدود، الذي يكنه كل أبناء الشعب العماني الوفي لجلالته، تقديرا وامتنانا وعرفانا لعطاء نبيل، وتفان تام، من اجل عمان وشعبها على مدى السنوات الماضية، ولكن أيضا الشعور العميق بالرضا والسعادة من جانب المواطنين، كل المواطنين، بما تحقق على امتداد هذه الأرض الطيبة، على مدى السنوات والعقود الماضية، والإصرار والعزم القوي والملموس، دون إعلان كالعادة، لمواصلة مسيرة النهضة العمانية الحديثة خلف قيادة جلالة السلطان المعظم، وتحت رايته، لتحقيق مزيد من التقدم والازدهار، والحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار، للوطن والمواطن، والعمل على تحقيق مزيد من السلام والتفاهم والتقارب بين دول المنطقة وشعوبها، لترسيخ علاقاتها على أسس طالما عملت من أجلها، ودعت إليها، القيادة الحكيمة، بل وبذلت، ولا تزال تبذل جهودها الصادقة من اجل تحقيقها، إيمانا منها بأهمية وضرورة وحتمية التعايش السلمي وحسن الجوار والتعاون المتبادل وبحسن نية مع الأشقاء والأصدقاء لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لها جميعها، وبأكبر قدر من التوازن، توازن المصالح فيما بينها.

وإذا كان هذا الشعور الواسع والعميق بالرضا والفخر والاعتزاز بما تحقق على أرض الواقع، ولصالح المواطن العماني من ناحية، وبما حققته عمان على كل مستويات العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة في المنطقة والعالم من حولها من ناحية ثانية، هو في الواقع ثمرة لجهود ضخمة، ولخيارات صحيحة، ولخطط وبرامج تتم دراستها بتأن وعمق، لتكون في صالح المواطن العماني في حاضره ومستقبله، فإنه من الطبيعي أن يكون الواقع اليوم، وما تم إنجازه عمليا، هو الأرضية التي تنطلق منها المسيرة، لمواصلة سيرها نحو الأهداف العليا التي يحددها جلالته في مختلف المجالات، وعلى كل المستويات. وعلى أرضية النجاح الذي يشهد به الجميع، داخل الوطن وخارجه، والذي يعيشه المواطن والمقيم على امتداد هذه الأرض الطيبة، وتسجله تقارير ومؤشرات التقييم الدولية العديدة، بما في ذلك مؤشرات الشعور بالسعادة، والرغبة في الإقامة في عمان بالنسبة للأجانب، والسلام والأمن والأمان، وسهولة الحياة وغيرها، فإنه من الطبيعي أن تشكل الأسس والركائز التي وضعها جلالته لمسيرة النهضة المباركة، أساس الانطلاق نحو الغد المشرق، خاصة أنه تتوفر دوما القدرة على التكيف مع متطلبات التنمية والتحديث والتطور الاقتصادي والاجتماعي في كل مرحلة، بما يحافظ على استمرارية السير نحو الأهداف الأساسية في الداخل، واستيعاب ما تفرضه التطورات الإقليمية والدولية، في وقت أو آخر من تحديات اقتصادية أو إقليمية أو غيرها، مع الحرص دوما على استيعاب كل الدروس المستفادة، وبما يعزز السير نحو الأهداف المنشودة، وبدعم قوي ومتواصل، بل وبمشاركة أيضا من جانب المواطنين، في تحديد الخيارات المناسبة وتنفيذها كذلك. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد الى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

*اولا : إن من اهم الأسس والركائز التي حرص جلالته- حفظه الله ورعاه- على إرسائها منذ اليوم الأول، هي تحقيق وترسيخ الوحدة الوطنية، التي شكلت- ولا تزال تشكل- القاعدة الصلبة لجهود التنمية المستدامة في كل المجالات. وليس من المبالغة في شيء القول إن عمان، الوطن والمواطن، الدولة والمجتمع، تعيش وتنعم بثمرة الجهود السامية في هذا المجال، وهو ما يتجسد أمنا وسلاما واستقرارا، وتماسكا وتضامنا، وتعاضدا وتكاتفا، بين المواطنين على امتداد هذه الأرض الطيبة من أقصاها الى أقصاها. وهو ما أثار دهشة وتساؤل، وربما حيرة البعض أحيانا، حول قوة ورسوخ وصلابة هذا التماسك والترابط الوطني على كل المستويات، وفي جميع المجالات.

وفي ظل ما تشهده المنطقة من تحديات وعواصف، ومن حروب وصراعات، وإصابة كثيرين بعمى الألوان وما يصاحبه من اختلاط للأوراق أيضا، لأسباب عديدة، وفي ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها دول وشعوب المنطقة أيضا، على مدى السنوات الأخيرة، سواء من جانب الجماعات الإرهابية، أو من جانب التيارات المتطرفة بألوانها وادعاءاتها وشعاراتها التي تتمسح بالدين الإسلامي الحنيف، وهو منها براء، ظهرت بوضوح وتأكدت دوما، قيمة الجهود التي بذلها جلالته، ورجاحة الرؤية وبعد النظر الذي انطلق منه لتحقيق وحدة الشعب والأرض والوطن، والتغلب على كل التحديات التي ظهرت بشكل او بآخر لعرقلة او تأخير تحقيق ذلك، وبعزيمة وإصرار وإرادة صلبة، وثقة غير محدودة في المواطن العماني، شيد جلالته - حفظه الله ورعاه - الوحدة الوطنية على قاعدة المواطنة والمساواة بين ابناء الوطن، في الحقوق والواجبات، وامام القانون، ومن ثم شارك المواطن العماني، ومنذ البداية في جهود تحقيق هذه الوحدة الوطنية المتينة، وشعر بشكل عملي بأهميتها وقيمتها لحياته وحياة ابنائه، ومن ثم اصبح صاحب مصلحة مباشرة في الحفاظ عليها. وبينما زادت التطورات الأخيرة، في المنطقة ومن حولها، من المخاطر التي تعرضت وتتعرض لها عدة دول في المنطقة، بما في ذلك المعاناة الشديدة لشعوبها، فإن هذه التطورات ذاتها اثبتت سلامة النهج، وفاعلية الوسائل والأساليب التي تم اتباعها لبناء وتشييد الدولة العصرية، والتطوير المتدرج لمؤسساتها، وبمشاركة واسعة وتزداد دوما من جانب ابناء وبنات عمان في جميع المجالات، وعلى كل المستويات. ومع التقدير لمن يغبط عمان على ما حققته، خاصة في هذا المجال، فان الأعوام السبعة والاربعين الماضية، أرست في الواقع خبرة كافية على مستوى كل مؤسسات الدولة، وعلى مستوى المواطنين ايضا، للحفاظ على وحدة الوطن وسلامته، في كل المجالات، وبكل الوسائل الممكنة ايضا، وفي المقدمة منها إعلاء قيمة المواطنة، وجعلها أعمق وأوسع واكثر بكثير من اوراق قانونية، لتكون انتماء حقيقيا، واستعدادا للتضحية، وحرصا مستمرا على المشاركة في عمليات التنمية والبناء، ايا كان الموقع او المجال او الكيفية، فالمهم هو ان يكون المواطن قوة مضافة الى قوة الوطن، بقدر ما تمكنه قدراته وإمكاناته.

والمؤكد ان المواطن والمجتمع العماني قد أثبتا، على مدى السنوات الماضية، قوة وصلابة ومنعة امام هجمات ومحاولات اختراق عديدة، ساذجة حينا، وماكرة حينا، ولكنها تكسرت امام يقظة مواطنين تربوا وترعرعوا في مدرسة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - التي جعلت الولاء والانتماء والإخلاص للوطن وقيادته، ولحاضره ومستقبله، أسمى معاني الوطنية. واليوم فان عمان تنطلق بقوة وصلابة، وبتماسك وطني تام نحو الغد المشرق بقيادة جلالته وتحت رايته الخفاقة. وفي ظل إدراك عميق لأهمية وضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية بكل جوانبها ومعانيها وعناصرها، اكثر من أي وقت مضى.

*ثانيا : انه في الوقت الذي قطعت فيه جهود التنمية الوطنية خطوات عديدة ومتتابعة نحو بناء اقتصاد وطني، قادر على النمو الذاتي، والوفاء بجانب كبير ومتزايد من احتياجات المواطن وتطلعاته، في إطار الإمكانات المتاحة بالطبع، مع القدرة على التفاعل النشط مع التطورات الإقليمية والدولية، فإن الوعي العميق بضرورة تحقيق درجة متزايدة من التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل، والحد من الاعتماد على عائدات النفط، وضرورة الاستثمار الجيد لإمكانات السلطنة ولمواردها المادية والبشرية، ولموقعها الاستراتيجي أيضا، تحول بالفعل من مرحلة الوعي والإدراك الى مرحلة العمل والتنفيذ والتحول الى خطط وبرامج مدروسة وذات أهداف مرحلية واستراتيجية، وفي هذا المجال فان البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي ( تنفيذ ) والاولويات التي تم اعتمادها لخطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 - 2020 ) وكذلك المرتكزات التي ترتكز عليها الرؤية الاستراتيجية للمرحلة القادمة ( عمان 2040 ) التي يتم اعدادها الآن، وما يترافق مع ذلك كله من جهود ضخمة على مستوى التطوير والتحول الى اقتصاد المعرفة، وتشجيع الابتكار والتحول الرقمي في مختلف القطاعات، اصبحت جميعها خطوات عملية ملموسة على الارض، وبدأت تطرح بالفعل بعض نتائجها وثمارها، وهو ما سيتزايد بالضرورة خلال السنوات القادمة.

وكلما تم إعداد الشباب والخريجين وتدريبهم وفق برامج علمية ومهنية متطورة، كلما تعاظمت النتائج وازدهر الاقتصاد الوطني، وتم التغلب على مشكلات التحديث، اجتماعية واقتصادية. ومع ادراك المشكلات والعقبات الاقتصادية والاجتماعية، التي تنشأ أو تصاحب عمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي، الا ان الرؤية الواضحة للاهداف، والترتيب الصحيح للاولويات الوطنية، على الاجل القصير والمتوسط والطويل، وتجنب القفز غير المحسوب، ومقاومة الميل الى البهرجة وتكرار النماذج الناجحة في بيئات اقتصادية واجتماعية مختلفة، وهو ما تم الالتزام به على امتداد السنوات الماضية، من شأنه ان يضمن تطورا متواصلا ومتتابع الخطوات، بأقل قدر من المخاطر، وبما يلبي احتياجات الوطن والمواطن وفق متطلبات التنمية في مراحلها القادمة.

*ثالثا : انه بالتوازي مع التماسك والترابط الوطني القوي، فان جلالته - اعزه الله - أرسى منهجا واضحا لعلاقات عمان مع الدول الشقيقة والصديقة، وهو منهج ارتكز على مجموعة من الأسس والمبادئ شديدة الوضوح، وطالما اتبعتها السلطنة خلال السنوات الماضية، وهو ما نجح دوما، ليس فقط في بناء مزيد من الصداقات مع دول وشعوب العالم من حولنا، ولكن أيضا في بناء وترسيخ صورة عمان وإسهامها الإيجابي والنشط من اجل العمل لتحقيق مناخ افضل للسلام والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية ومن حولها. وبالرغم من زيادة حدة المشكلات التي تواجهها المنطقة، وتفجر صراعات ومواجهات عدة، وحدوث استقطابات ومحاور مختلفة، معلنة ومستترة، فإنه من المؤكد ان مواصلة السلطنة لنهجها كدولة سلام، والتزامها بالعمل من اجل تحقيق تقارب اكبر وتهيئة مناخ افضل للتواصل ولحل الخلافات بين الأشقاء، وبين الأشقاء والأصدقاء، بالحوار الإيجابي وبالوسائل السلمية، وكذلك التزامها بعدم الاصطفاف في محاور، مباشرو أو غير مباشرة، ويقينها الدائم بحل الخلافات في النهاية بين الأشقاء، واستعادة اللحمة بين الدول الشقيقة، وإمكانية إرساء علاقات طيبة مع الدول الأخرى في المنطقة، في إطار حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بمبادئ القانون الدولي والمواثيق الإقليمية والدولية، كفيل في الواقع بتنمية وتوسيع وتعميق علاقات السلطنة مع الدول الشقيقة والصديقة خلال السنوات القادمة، ومن ثم خدمة المصالح المشتركة والمتبادلة والتوصل الى حلول لكل الخلافات والقضايا، خاصة إذا توفرت الإرادة السياسية لدى كل الأطراف المعنية، وهو ما تبدو بعض مؤشراته، وقد تزداد في الفترة القادمة.