الحرب في أوكرانيا وملامح الأحلاف الجديدة

08 مارس 2022
08 مارس 2022

من ملامح الحرب الروسية-الأوكرانية وتبعاتها الاستراتيجية والاقتصادية تشكيل ما يمكن تسميته بالأحلاف الجديدة، والتي تذكر العالم بالأحلاف التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية وخاصة الحرب الأخيرة حيث وجود دول المحور بقيادة ألمانيا وزعيمها هتلر ومعه إيطاليا واليابان وغيرها من الدول مقابل الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومعهما الاتحاد السوفييتي السابق.

إن الحرب الروسية المتواصلة ضد أوكرانيا كشفت عن ملامح معلنة وغير معلنة لأحلاف تتشكل من خلال المواجهة الاستراتيجية الحالية بين روسيا الاتحادية ومعها الدول التي تقف معها والدول الغربية.

لقد اتضح من خلال المواجهة العسكرية الحالية بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا وهي الجمهورية السوفييتية السابقة أن هناك أهدافا استراتيجية للدول الغربية، لعل في مقدمتها جر موسكو إلى حرب استنزاف مكلفة إنسانيًا واقتصاديًا وعسكريًا وحتى أخلاقيا، ولعل موضوع العقوبات الاقتصادية القاسية من الغرب ضد روسيا الاتحادية يعطي مؤشرا على ملمح من تلك الأهداف غير المعلنة، كما أن زحف الناتو نحو الجغرافيا الروسية هو عملية مقصودة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١.

وعلى ضوء ذلك فإن ملامح تشكل نظام دولي جديد وانتهاء موضوع القطب الأمريكي الأوحد سوف يكون إحدى أهم نتائج المواجهة العسكرية الحالية وهذا يعطي سؤالا مهما عن ملامح تلك القوى الدولية الصاعدة والتي قد ترى في المواجهة الاستراتيجية الحالية وتحولاتها الدراماتيكية فرصة سانحة لإيجاد نظام دولي متعدد الأقطاب.

التحالفات الجديدة

الحرب الاقتصادية الحالية من خلال العقوبات الشاملة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا الاتحادية أظهرت أن هناك عددا من القوى الدولية ليست متحمسة لتنفيذ تلك العقوبات، التي سوف يكون ضررها كبيرا على الاقتصاد العالمي، كما أشار إلى ذلك صندوق النقد الدولي.

ومن هنا فإن دولا مثل الصين والهند ودولا عديدة من دول أمريكا اللاتينية وحتى عدد من الدول العربية لن تنفذ مثل تلك العقوبات نظرًا لوجود مصالح حيوية مع روسيا خاصة على صعيد الأمن الغذائي، خاصة أن هناك دولا عديدة تعتمد على القمح الروسي وأيضا موضوع الغاز مثل الصين والهند، حتى ألمانيا الاتحادية لا يمكنها الاستغناء عن إمددات الغاز الروسي الذي يمثل أكثر من أربعين في المائة، كما أن الأزمة الأوكرانية أظهرت مواقف سياسية متأرجحة على ضوء تقديرات المصالح المشتركة.

المواجهة العسكرية بين موسكو وكييف أظهرت تحالفات وتأرجح المواقف حتى في تصويت مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وأيضا من خلال المواقف السياسية الأخرى ومن خلال الاتصالات مع موسكو حتى الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى تعد مواقفها أقرب إلى الموقف الروسي لاعتبارات جغرافية وعرقية وتاريخية علاوة على عدد من الجمهوريات الأخرى على الجانب الأوروبي.

المواجهة الاستراتيجية

أظهرت الأزمة الأوكرانية أن المواجهة العسكرية هي الجزء الظاهر من الأزمة، أما فيما يخص التبعات الاستراتيجية فإن هذا الموضوع يتعدى تلك المظاهر الحربية والعقوبات الاقتصادية إلى ما هو أبعد من ذلك.

وهنا تدور المعركة الحقيقية بين الفرقاء سواء المشاركين في المعركة الحالية أو تلك الأطراف التي تنتظر نتائج المواجهة العسكرية، خاصة أن دولة مثل الصين تمثل لها تلك المواجهة عنصرا مهما في إطار مواجهتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية على شواطئ المحيط الهادي.

ومن هنا فإن المشهد السياسي في أوكرانيا أوروبا يمثل الوجه المعلن لحرب تقليدية سوف تنتهي بتوقيع اتفاق تتعهد من خلاله كييف بعدم الانضمام إلى حلف الناتو لأن روسيا الاتحادية لا يمكن أن تسمح بوجود أوكرانيا كدولة جارة على حدودها وتنتمي إلى حلف الأطلسي.

كما أن المواجهة العسكرية الحالية قد أفرزت جملة من المتغيرات الآنية منها الانقسام الدولي حول الحرب في أوكرانيا وأيضا حول آليات العقوبات الاقتصادية.

وحول إمكانية تورط أوروبا في الحرب من خلال إمداد القوات الأوكرانية بالسلاح الجوي، وهو الأمر إن حدث فسوف يشعل الحرب بين روسيا الاتحادية ودول الناتو وسوف يكون مسرح الحرب المدمرة أوروبا وهو الأمر الذي يعيد للأذهان تدمير أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية خلال العهد النازي في ألمانيا.

وعلى ضوء تلك التطورات فإن المنطق السياسي يفرض على الفرقاء احتواء الحرب والاعتراف بمخاوف موسكو الأمنية فكما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد جون كيندي في عقد الستينيات من القرن الماضي نصب صواريخ سوفييتية في كوبا وهي لا تبعد جغرافيا عن الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا فإن روسيا الاتحادية لن تقبل بتهديد الناتو بالقرب من الجغرافيا الروسية وتحديدًا القبول بعضوية أوكرانيا في حلف الناتو وهذه هي المعادلة الاستراتيجية التي تؤكد عليها موسكو، لكن تبقى الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية تتعدى مسألة عضوية الناتو من خلال إضعاف روسيا الاتحادية واستنزافها في حرب إقليمية كما حدث للاتحاد السوفييتي في أفغانستان في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

الأبعاد الاستراتيجية

إذن المواجهة العسكرية بين روسيا الاتحادية من جانب وأوكرانيا والغرب من جانب آخر هي في حقيقتها ذات أبعاد استراتيجية أكثر منها معركة عسكرية تحسم هنا أو هناك، ومن هنا فإن المحصلة الأخيرة لتلك الأهداف سوف تتكشف مع مرور الوقت، كما أن الدبلوماسية الدولية لن تنجح في إقناع روسيا بالتخلي عن الجزء الأهم من شروطها، وهي تخلي أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى حلف الناتو، كما أن المستقبل السياسي للرئيس الأوكراني عليه علامة استفهام، وأن العقوبات الاقتصادية في نظر عدد من الخبراء العسكريين لن تنجح في زحزحة الموقف الروسي لاعتبارات أمنية بحتة.

ومن هنا فإن المعركة الاستراتيجية هي الصورة الأشمل التي تدور رحاها في الغرف المغلقة وبين أجهزة الاستخبارات كما أن التكلفة العسكرية والاقتصادية تتعدى التكلفة الاستراتيجية وهي الأهم والأخطر بالنسبة لروسيا الاتحادية، لأن التكلفة الاستراتيجية هي التي سوف ترسم مستقبل روسيا الاتحادية ومدى جاهزيتها للحفاظ على وضعها كدولة كبيرة سوف تكون أحد الأقطاب القادمة التي سوف يتشكل منها النظام الدولي المرتقب المعتمد على تعدد الأقطاب.

_________

عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي