نوافذ : الـ "هوس" .. قطعة من الجنون

25 فبراير 2022
25 فبراير 2022

shialoom@gmail.com

هناك من يصنف الـ "تباهي" بشيء ما، والمبالغة فيه، على أنه نوع من المرض النفسي، وهناك من يرجعه إلى الفطرة الإنسانية، فالإنسان بطبيعته يحب أن يمتلك أشياء جديدة ومميزة، ونادرة، وهناك من يرى أن البيئة المحيطة يمكن أن تنشئ "متباه" بصورة غير مفتعلة، لأن ما يملكه من مال، أو جاه، أو جمال، أو فتوة، يدفعه لأن يكون متباهيا بما يملك؛ دون أن يرافق هذا السلوك شيء من التكلف، ظانا منه أن ما يقوم به هو في إطار حريته الشخصية، دون أن يتقصده كسلوك معبر عن الـ "تباهي" الذي يقيمه الآخرون كذلك.

هذا التباهي ينتقل في مرحلة متأخرة إلى نوع من الهوس؛ والهوس؛ غالبا؛ ما يوصف بالجنون، وإن كان صاحبه لا يصنف قانونيا، من فئة المجانين، بل هو عاقل كامل الأهلية، ولكن جنونه ينصب على جانب ما جوانب الممتلكات المباحة التي يمتلكها كل الناس، ولكن الفرد هنا يغالي في هذا الطلب، حتى يصبح جزءا عضويا من مكونه الشخصي فيوصف به، فلا ينفك عنه قيد أنملة، بل ربما قد يصل إلى مرحلة الانهيار النفسي، في حالة أنه لم يستطع أن يحقق هذا الأمر أو ذاك؛ الذي هو محل هوسه بامتياز.

تتعدد صور المهووس بالشيء الذي يهوس به، ويراه جزءا من تكوينه العضوي، حيث تأتي مجموعة العناوين، أو الأشياء أو الأدوات، لتجسد هوس فلان من الناس، ولا تعني شيئا لفلان آخر؛ ومن ذلك: امتلاك المال، أو المنصب، أو السفر، أو الزعامة، وهناك من يود أن يكون بلا مسؤوليات، وهناك من ينظر إلى السند، والعضدية "وجود جماعة يحتمي بها" وربما هناك الكثير من العناوين الجانبية التي يعرفها كثير من الناس، لأن جل الموضوعات التي تشكل "هوسا" لدى فلان من الناس، تكون ضمنية القلق، وقد لا يلحظها الآخرون من حوله، إلا بعد مدة، عندما يلاحظون تكريسه على شيء ما؛ أكثر من غيره، عندها يوصف هذا الفرد بأنه "مهووس" بكذا (...) فالمسألة معنوية، وإن جسدتها المادية بعد ذلك.

وفي مرحلة المغالاة لتحقيق هذا الهوس، قد يستخدم كافة الوسائل لتحقيقه، حتى إذا يصل الأمر إلى القتل، أو الظلم، أو الخداع، أو الاستعانة بالوسائل غير المشروعة الأخرى كالسحر؛ مثلا؛ كما نسمع؛ في بعض الأحيان، عندما يذهب أصحاب المناصب الكبيرة إلى الاستعانة بالمتعاطين مع السحر والشعوذة، وذلك للبقاء أطول مدة في المنصب، كما هو غالب الظن.

يقال من أعراض الهوس – حسب ما جاء في قاموس المعاني -:"تضخم الأفكار، وانتقالها السريع من موضوع إلى آخر بدون التمييز بين قيم المعاني وسرعة تداعيها، مع الميل إلى النكتة اللاذعة والإحساس المفرط بالانبساط والمرح" – انتهى النص -.

ولذلك ففي مرحلة العيش في الهوس، يبالغ المهووسون كثيرا في تجسيد فعل الهوس، إلى حد التفريط في ذات الأمر، وقد يحملك الاستغراب إلى حد وصف المهووس بـ "الهبل" وعدم التعقل، وقد لا تتمنى أن يكون الفرد المهووس على معرفة به، من فرط ما يبديه من سلوك شاذ، بينما هو يمارس كل ذلك عن أريحية مطلقة، وقد لا يخالجه شعور بأنه يأتي بسلوكيات هي محل انتقاد من الوسط الذي يكون فيه، وكما يقال: "الناس فيما يعشقون مذاهب".