المخاطر العالمية لعام 2022

05 فبراير 2022
05 فبراير 2022

يكشف لنا تقرير (المخاطر العالمية للعام 2022) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، العديد من المخاطر التي تهدد العالم هذا العام؛ ذلك لأن التعافي الاقتصادي المتباين على مستوى دول العالم جرّاء جائحة كوفيد 19 يهدد "بتعميق الانقسامات العالمية"، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى المزيد من التعاون لتجاوز أزمة الجائحة، والمخاطر المتفاقمة التي تخلفها نوباتها المتعاقبة.

ومع بداية العام الحالي الذي كان العالم ينظر إليه بتفاؤل، فإن الجائحة لا تزال تشكل خطرا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث يخبرنا التقرير أن العالم يعاني من عدم المساواة في تلقي اللقاحات لمستحقيها، وما ينتج عنه من انتعاش اقتصادي غير متكافئ يهدد بتفاقم التصدعات الاجتماعية والتوترات الجيوسياسية؛ ففي "أفقر 52 دولة ـ موطن 20٪ من سكان العالم ـ تم تطعيم 6٪ فقط من السكان... وبحلول عام 2024 ستنخفض الاقتصادات النامية (باستثناء الصين) بنسبة 5.5٪ عن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع قبل انتشار الوباء، في حين أن الاقتصادات المتقدمة ستكون قد تجاوزته بنسبة 0.9٪"، حسب التقرير.

إن هذا التفاوت الاقتصادي الذي تعمِّقه الجائحة وتفاقم من آثاره، وما ينتج عن ذلك من اتساع فجوة الدخل العالمية سيؤدي إلى تعقيد التنسيق العالمي في القضايا التي تهم الأمة الإنسانية والكوكب الذي تعيش فيه؛ فتباعد القوى العالمية وصراعها على التنافس الاقتصادي، سيؤدي إلى تعقيد التنسيق اللازم لمواجهة العديد من التحديات المشتركة كتعزيز العمل المناخي، والسلامة الرقمية، واستعادة سبل العيش والتماسك الاجتماعي وغيرها.

ولهذا فإن تقرير المخاطر العالمية 2022 يركِّز على مجموعة من المخاطر، التي تُعد نتيجة مباشرة لصراع العالم مع الجائحة، فهي مخاطر ناتجة عن التوترات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، حيث يعتبر أن (تآكل التماسك الاجتماعي)، و(أزمات سبل العيش)، و(تدهور الصحة العقلية) من أهم المخاطر التي سيعاني منها العالم خلال الثلاث سنوات القادمة، وبالتالي فهي مخاطر تحتاج إلى حلول عاجلة وفورية. ولعل ما نشهده من تأثيرات تلك المخاطر في مجتمعنا يدعو إلى تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني من ناحية، وتمكين دور الثقافة وتفعيل أثرها الاجتماعي من ناحية أخرى.

ولا يكفي هنا أن نتحدث عن (التثقيف)، و(التوعية) ـ على أهميتهما ـ فالأمر لا يتعلق بمدى إدراك الأفراد والجماعات بأهمية التماسك الاجتماعي وحسب، بل ينطلق من قدرة هؤلاء الأفراد على إيجاد منافذ وطرق لتعزيز سبل عيشهم وزيادة دخلهم، في ظل تفاقم العديد من التحديات الاقتصادية، بما يُسهم في تحسين الصحة النفسية وبالتالي العقلية. إن المخاطر الاجتماعية التي تؤدي إلى (تآكل) المنظومة الاجتماعية سواء أكانت على مستوى الأسرة أو المجتمع عامة، تتأسس على مخاطر اقتصادية ومخاطر صحية، ولهذا فإن مسؤلية المؤسسات الاجتماعية والثقافية تتعاضم، وعليها أن تعيد النظر في تلك الخدمات الاجتماعية التي تقدمها للأفراد والجماعات لتكون مساندة للمجتمع كله وليس للفئات ذوات الدخل المحدود وحسب.

إن الطريق إلى التعافي الاقتصادي يجب أن يواكبه تعافٍ اجتماعي، ولهذا فإن المخاطر الاجتماعية والبيئية التي يصفها التقرير الآنف الذكر بـ (الأكثر إثارة للقلق)، هي مخاطر يمكن التغلب عليها إذا ما تم العمل على إدارتها وفق منظومة تنفيذية واضحة، وموجهة، ومتكاملة مع الجهات ذات العلاقة؛ فالتعاون والعمل المشترك بين المؤسسات الاجتماعية بأنواعها والثقافية بأطيافها، يمكن أن يُسهم في تعزيز الصحة النفسية للأفراد، بالإضافة إلى دور المؤسسات المعنية في تمكين الشباب ودعم قدراتهم، الأمر الذي سيسهم في التخفيف من حِدة تلك المخاطر.

وعلى الرغم من أن تقرير المخاطر العالمية للعام 2022 يُقدم المخاطر الاجتماعية باعتبارها (مقلقة)، إلَّا أنه يستعرض أكثر خمسة مخاطر أخرى تتعلق بصحة الكوكب، وهي مخاطر طويلة الأجل، إضافة إلى كونها أكثر ضررا بالناس، وهي فشل العمل المناخي، والطقس المتطرف، وفقدان التنوع البيولوجي، وأزمات الديون، والمواجهات الجيوـ اقتصادية التي تواجه دول العالم نتيجة للانشغال بالتنافس الاقتصادي الحاد. إن هذه المخاطر التي ستستمر لما يزيد عن عشر سنوات قادمة، سيعاني منها الكوكب باعتبارها مخاطر كونية، وستؤثر ليس فقط على المستوى البيئي، وإنما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أيضا، الأمر الذي يعني أن علينا إدراك مستوى الخطر الذي يواجهه عالمنا، وبالتالي إيجاد حلول عاجلة قادرة على تحقيق التوازن في المنظومة البيئية.

إن العمل على تعزيز التنوع البيئي وتمكين التنوع الثقافي والاقتصادي، سيمكِّن العالم من تخطي العديد من المخاطر وفي مقدمتها المخاطر الاجتماعية؛ ذلك لأن هذه الحلقة ترتبط بالإمكانات التي يقدمها المجتمع في تعزيز هذا التنوع وبالتالي قدرته على المساهمة والمشاركة في التصدي لهذه المخاطر، والعمل على التخفيف منها، ولهذا فإن هذه الحلقة تتسع من حيث التأثيرات والمخاطر لتصل إلى مخاطر تتعلق بالتباين في التحولات الرقمية وما يتعلق بها من تأثيرات تعيدنا إلى المخاطر الاجتماعية نفسها.

فعدم المساواة الرقمية، وفشل الأمن السيبراني، مخاطر تكنولوجية ترتبط بقدرة الدول على توفير الخدمات الرقمية إلى كافة مناطقها بالكفاءة ذاتها من ناحية، وتوفر تلك الخدمات للدول الفقيرة من ناحية ثانية، الأمر الذي سيعود مرة أخرى إلى خطر (تآكل التماسك الاجتماعي)، الذي يعتبر"أكبر تهديد قصير المدى في 31 دولة بما في ذلك الأرجنتين وفرنسا وألمانيا والمكسيك وجنوب أفريقيا من مجموعة العشرين"ـ حسب ما ورد في التقريرـ ، ولهذا فإن اتساع الفوارق الاجتماعية تمثل تحديا للمجتمعات؛ "حيث يُتوقع أن يعيش 51 مليون شخص في فقر مدقع مقارنة بالاتجاه السابق للجائحة، في ظل خطر زيادة الاستقطاب والاستياء داخل المجتمعات".

إن العالم يواجه في ظل استمرار نوبات الجائحة وتذبذب التعافي الاقتصادي، تحديات عدة في توفير الوظائف للشباب بشكل عام، ووفقا لمنظمة العمل الدولية فإن الاقتصاد العالمي لن يستطيع توفير الوظائف خاصة المتدنية منها حتى العام 2023، الأمر الذي يجعل من خطر (أزمات سبل العيش)، ثاني أكبر تهديد تتعرَّض له الدول على المستويات الوطنية ـ حسب تقرير المخاطر، مما سيزيد من تحديات الهجرة، وعدم الاستقرار، وهشاشة الدول، وبالتالي تأثيره على الهُويات والمواطنة، وانعكاسات ذلك كله على اقتصادات الدول. لقد تم وصف هذا الخطر بـ (التهديد الخطير على الدول)؛ لأنه يؤثر مباشرة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بل وحتى السياسي.

إن تلك المخاطر التي عرضها تقرير (المخاطر العالمية للعام 2022) ترتكز على تأثير الأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد19 على الحياة الاجتماعية للدول، ولهذا علينا النظر من وجهة قادرة على تقديم الحلول والدعم المباشر للمجتمع من ناحية، وإشراكه في اتخاذ القرارات من ناحية ثانية.

والحق أننا في سلطنة عُمان نقدم نموذجا مهما في الدعم الاجتماعي للأفراد والجماعات، وإتاحة الفرصة للمجتمع للمشاركة في اتخاذ القرارات التنموية، ولنا في نظام اللامركزية نموذجا مهما في ذلك، الأمر الذي يجعل على مؤسسات المجتمع المدني (الجمعيات، والاتحادات، والأندية، والمراكز الثقافية وغير ذلك) المسؤولية الكبرى في تعزيز المجتمع وتمكينه، بُغية التخفيف من آثار تلك المخاطر، وبالتالي حماية مجتمعنا.

فإذا كان العام 2021 اختبار للعالم على (القدرة على الصمود)، فإن العام 2022 يقيس القدرة على التخطي ومعالجة الآثار، والمشاركة الفاعلة في حماية المجتمعات والكوكب، فلنكن مسؤولين جميعا عن مجتمعنا وحمايته من مخاطر المستقبل.