الإعلام في عصر المعلوماتية والتوسع التقني

19 يناير 2022
19 يناير 2022

لا يختلف أحد في أن عالم الإعلام في عصر الفضاء المفتوح والوسائط الحديثة، مع التوسع الكبير الذي أفرز الكثير من المتغيرات والتحولات الفكرية مع التطور في الجانب التقني بوسائطه المتعددة، إذ دخلت هذه الوسائط بقوة أكثر مما توقعها البشر، أو حتى دار خلدهم، وأصبح عالم الإعلام والمعلوماتية ووسائطها بهذا الحجم الضخم من التوسعات في عوالم التقنيات. وكلمة ثورة المعلومات -التي تم تداولها في كتابات ومقالات بعض الباحثين والمهتمين بالإعلام وتطوراته في عصرنا الراهن- كلمة صحيحة لا جدال فيها، وإن ما جرى في عصرنا الحالي، هي ثورة علمية وقفزة هائلة في الإعلام الجديد وتحدياته، إذ صارت السيولة المعلوماتية الجديدة لا تحدها الحدود ولا نستطيع حجبها أو منعها، أو الالتفاف عليها بوسائل أخرى في هذا الفضاء الواسع غير المقيد.

ولا شك أن هذه التقنيات الجديدة -كما أشرنا-، مع تعدد الوسائط الرقمية والإعلام الإلكتروني وغيرها من التطورات الحديثة المتوقع دخولها في هذا الفضاء التقني الواسع؛ سيسهم بلا شك في الانفتاح الإعلامي بدرجات مختلفة وفق السياسات لكل دولة في هذا العالم، وهذا ما سيدفع إلى أن تتخذ كل دولة من الطرق والوسائل لتطوير ما يسهم في التشويق وجذب الجمهور داخل الدولة نفسها أو خارجها، لما يتم بثه أو نشره من خلال هذه القنوات أو الوسائل الأخرى، سواء في وسائل الإعلام المرئية، أو المقروءة، أو المسموعة، وهذا لا بد منه في سياق الانفتاح الحر في وسائل التواصل الاجتماعي وفي غيرها أيضاً، إذ سيصبح هذا الوافد الجديد، منافساً بلا شك للكثير من وسائل الإعلام التقليدية والمستحدثة بنفس الروتين القديم، وهذا ما سيحرك الساكن الفكري والثقافي، ويغير المستقر الذي اعتيد عليه في العقود الماضية.

ولذلك هذه الوسائل من جانبها لا بد لها من التحرك ومن المحاولة الجادة في أن تجدد مضامينها المختلفة للتفاعل، وتفتح الباب للنقد وفتح باب الحوارات مع أصحاب الرأي والفكر والتحليل.. إلخ.

فهذه التقنيات الجديدة ووسائطها المختلفة، فتحت الباب للتعدد والتنوع في طرح الآراء والأفكار والإسهام في خلق الحوارات والنقاشات في هذه الوسائل الإعلامية الجديدة، التي تستهدف طرح الفكرة الإيجابية وتسهم في بلورة أفكار جادة وصادقة ومعبرة عن حاجات المجتمع وتطلعاته، بعيداً عن التجريح أو الإساءة، دون أن تحقق الهدف المطلوب في مردوده الإيجابي. وهذا هو الأهم والأجدى والأنفع في استغلال هذه الوسائل الجديدة، التي حققت طفرة كبيرة في توصيل الآراء وتعددها، لكن الأهم في ذلك هو أن تطرح الكلمة الصادقة والرؤية الثاقبة، التي تجد لها القبول والجذب والاستفادة من طرحها.

وأتذكر أنني في عام 2007، شاركت في مؤتمر بمركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية في أبو ظبي عن الإعلام في عصر المعلومات، وكانت الورقة التي قدمتها تتعلق بالاستعداد للتطورات الجديدة التي ستأتي مع هذه البيئة الافتراضية للوسائط الحديثة، الرقمية منها أو غيرها التي دخلت بتسارع كبير دون استئذان، في عالم متداخل ومتشابك مع وسائل الاتصالات والأدوات والطرق الجديدة المتاحة في عالم الإعلام، ووسائط التقنية في هذه القرية الكونية.. وملخص ما قلته في الورقة: إننا مع هذا الفضاء المفتوح المتسارع، مع تطوره التقني والتكنولوجي، وبظهور التعدد الكبير في الوسائط المعلوماتية الجديدة، فإن هذا الجديد سيكسر الاحتكار القائم في الإعلام، ويقلب الموازين فيما كان عليه الإعلام قبل نصف قرن أو يزيد، إذ لم يعد في استطاعة أي جهة كانت حكومية أو هيئة أو مؤسسة؛ منع أو تحييد هذه الثورة العلمية التكنولوجية التي عمت العالم كله، أو حجبها عن الوصول إلى الآخرين. وهذا ما جعل الكثير من الحكومات تعيد النظر بعدم الغلق والحجب؛ لأن هذه التقنية الاتصالية، اخترقت الحدود والسدود، وأصبحت تنافس الدول في البث والنقل، وهذا ما تحقق بالفعل وأصبح واقع لا مفر منه.

لكن الإشكال في هذا الجانب وإفرازاته الجديدة، أنه مع أهميته في الحصول على المعلومة، وبروز المساحة الواسعة والحرة في النقد والحوار بين رواد هذا الفضاء، إلا أنه وللأسف فتح المجال للكثير من الآراء السلبية الناقدة للشخص وليس للقضية المطروحة، ويصل إلى حد التعدي اللفظي على الآخرين، خاصة في هذه الوسائط الجديدة، دون أن يكون هناك مبرر لمثل هذا التناول النقدي للشخص. ولذلك يبقى أنه لا بد من التوعية والتذكير بأهمية النقد المنطقي والعقلاني في الحوارات والمناقشات البينية، فهذه الوسائط التي لم تعد قائمة على النخبة المثقفة الواعية وحدها.. أصبح ما يطرح وينشر فيها، إيجابيا وسلبيا مشاعاً للعموم، وهذا من الصعب السيطرة عليه أو أن نتخلص مما يعتريه من سلبيات وتجاوزات، وهذا ما يجب أن يحققه الوعي بالآثار الناتجة عنه، ويشكل بعضها سلبيات سلوكية وفكرية نحتاج في سبيل علاجها أن نستمد من القيم التي نتفق عليها، لأن الأمر أصبح متاحًا دون محددات أو معايير للضبط، ولذلك من المهم تحقيق التوعية الإيجابية من الرصيد القيمي، دون أن نحرق المراحل التي يجب أن تكون واقعية، لكن من الضروري، أن يتم التوجيه الإيجابي.

ومنذ أسابيع عدة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، قرأت بعض المناقشات لبعض الشباب حول قضايا مجتمعية، كانت تدور حول ما قاله أحدهم عنها، وهو أنه يجب إقالة بعض المسؤولين، بسبب قرارات أو تصريحات صدرت عنهم، فجاء تعليقي: إن هؤلاء موظفون عموميون، ولا يمكن أن تصدر عنهم قرارات شخصية، بل تتخذ من خلال رؤية حكومية انطلقوا منها أو نفذّوها، سواء كانت مقبولة عند البعض أو لم تكن، لكن لا أعتقد أنها خرجت لمزاج شخصي من هذا المسؤول أو ذاك، فالبعض ممن تداخلوا مع تعليقي، سلكوا طريقة النقد الحاد لشخصي، لمجرد أنني طرحت وجهة نظر مغايرة لما قاله أحدهم، فالإشكال أن البعض لا ينظر للاختلاف وتعدد الآراء بصفتها قيمة في حد ذاتها، فليس من حق أحد أن يصادر طرح فكرة مغايرة، لأن الأمر عند بعضهم ممن يضع معّرفات غير حقيقية، يتكلم (دون رسن)، أو حتى معايير معقولة، لكننا في فضاء يتوقع أن تخرج منه مثل هذه الآراء وقد حصلت، وهذا ما يؤكد أهمية الغرس الإيجابي من قيم الأسرة و يحمل قيمها الواعية الإيجابية في النقاشات والحوارات.

ولا شك أن كلمة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، في لقاءاته الأخيرة، مع الشيوخ والوجهاء في بعض المحافظات، أكد أهمية التربية الصحيحة والسليمة، بعيدًا عن تقليد المؤثرات الخارجية، ومن خلال الرصيد الذي نمتلكه في تاريخنا العماني، كما أكد جلالته وهو أن:"تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. تربية الأبناء هي جزء من أصل المجتمع العماني فعندما يتشرب أبناؤنا بعاداتنا وتقاليدنا ونتمسك بالأسرة والمجتمع سيكون نجاح المجتمع"..هذه الإشارات من جلالته، حفظه الله، تبرز أهمية القيم الثاقبة والتمسك بها، وضرورة التوازن بين القيم التي تربينا عليها، والمتغيرات الفكرية عند أمم كثيرة في هذا الفضاء المفتوح، ولذلك تبقى القيم أقوى الحوافز لإعطاء الإنسان قيمة أعلى من مفهومها للتقدم والنجاح، وهذا ما نحتاجه لأن يتحقق في جيلنا الحاضر والمستقبل.

* عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية: مؤلف كتاب "حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين".