صاحبة القدور

16 يناير 2022
16 يناير 2022

دائمًا ما تلفت انتباهي وتثير قدورها المصفوفة بانتظام فضولي وأنا انحرف بسيارتي من الشارع العام، قررت أخيرًا أن أشبِع فضولي وأعرف ما الذي تبيعه هذه المرأة في هذه القدور، في هذا الوقت من النهار كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، طقس مسقط جميل هذه الأيام -حدّثت نفسي- لكنها مستمرة منذ الصيف في ذات المكان.

ترجّلت من سيارتي، فقابلتني بابتسامة بشوشة مرحّبة، رددت التحيّة، وطرحت أسئلتي التي كانت طوال تلك الشهور تبعث الحيرة فيّ، عرضتْ عليّ محتويات القدور التي كانت عبارة عن أطباق متعددة من الأرز تنوّعت بين البرياني والقبولي والشيلاني، كنتُ على ما يبدو الزبونة الأولى فمحتويات القدور لم تُمس، كانت ساخنة، ينبعث منها بخار ينشر رائحة زكية مغرية.

ألقيت نظرة على القدور، من الداخل والخارج، فكانت لامعة نظيفة، فاطمأننت لها أكثر، لكن أكثر من محتوى القدور شدتني كثيرا تلك المرأة، التي لم تتوقف عن الابتسام لي طوال فترة وجودي معها، حاثة إياي على تجربة طعامها، بأسلوب يعجز عنه خبراء التسويق، وكيف أن طعامها لذيذ لا يقاوم، وأنها أعدّته بيديها، لم يكن ممكنا أن أغادر المكان دون تجربة الطعام الذي كان مظهره ورائحته تغازلان كل حواسي، قرّرت تجربة قبولي اللحم، فكشفت لي عن مرق الدجاج مُصرّة على أنني سأندم ندما شديدا إن لم أجرّبه، وعرضتْ عليّ أن تهديني طبقا من عندها، لم تترك لي مجالا للاعتذار عنه.

لم تستعطف، لم تظهر عجزا، لم تركّز على ذاتها أبدا خلال حديثي معها، رغم أنه من البديهي أن وراء وقفتها تلك حاجة مادية، لكنها كانت سعيدة وفخورة بعملها، عدتُ للبيت، تركت الغداء الذي كان ينتظرني وأكلت القبولي الذي اشتريته من تلك المرأة التي ألهمتني، كانت صادقة؛ فالطعام كان لذيذا، ونفسها كان ظاهرا فيه.

مررت بعدها بساعتين من ذات الطريق، ووجدت أن المرأة وقدورها قد اختفت من المكان، كانت صادقة عندما قالت لي: لا يبقى طعامي طويلا؛ لأن الناس تحبه وتُقبِل على شرائه، فأدركتُ أن هذا ما حدث، عدتُ بذاكرتي مع هذه المرأة إلى الأيام التي كان الناس يؤدون أعمالهم البسيطة بكل حب وفخر، قبل أن تصبح مهمات ثقيلة تؤدى على مضض، بعد أن فقدت معناها.