ثلاثية (السمع والنظر والقول)
بين سمع ونظر وقول؛ تتحدد جميع انفعالاتنا، وسلوكياتنا، ومواقفنا، وردود أفعالنا؛ وهذه الحواس متفرعة من الحواس الـ (7) المعروفة؛ ما عدا، الـ "قول" فهو ليس من الحواس، بقدر ما هو فعل ميكانيكي معبر عن ما تجود به الحواس الأخرى، فلن يقول أحدنا قولا؛ قبل أن يسمع أو يرى، أو يتذوق، أو يتألم، أو يتحرك، أو يشعر بأمر ما (حزن؛ فرح؛عطش؛ جوع) وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فحسب ما تشير إليه التقارير العلمية أن الحواس يتجاوز عددها الـ (20) حاسة؛ بين شعور، وعمل ديناميكي.
أركز هنا؛ على الحواس الثلاث الأولى الرئيسية – في تقديري – وأقيمها على أنها مصادر مهمة، في حياة كل إنسان، ولذلك فإن تعذر السمع فالنظر، وإن تعذر السمع والنظر فالقول؛ وكل واحدة من هذه الحواس لن تغني عن الأخرى، وإن حلت بالنيابة عنها لظرف ما، فإن ذلك مقبول في الشرع والقانون؛ كما أعتقد؛ فإن رأيت اثنين يتعاركان إلى حد الاقتتال، فليس الشهادة المطلوبة منك، ليس بالضبط عن ما سمعت ما دار بينهما من حوار أدى إلى هذا الحراك، فأنت رأيت، وبالتالي فشهادتك مهمة عند هذا الحد من الرؤية، هذا مثال، وقس على ذلك أمثلة أخرى يمكن أن تغني إحدى هذه الحواس عن وظيفة حاسة واحدة أو أكثر عن الأخريات، وهنا أذهب أكثر إلى أهمية المصادر التي تمثلها هذه الحواس مجتمعة، أو متفرقة، ومن الأهمية بمكان أن تمثل أحد أهم الحواس للمصادر، مع ما يمثلان من خطورة وحساسية كبيرتين في شأن التوثيق للمصادر، والمصادر هنا ليست تلك التي يراد توثيقها كتابة، ورصدها للتاريخ، وإنما أية مصادر من شأنها أن تكون موثوقا بها للاستدلال، لأمر ما.
وقد شددت النصوص الشرعية، والقانونية "الوضعية" على أهمية كل مصدر من هذه المصادر (السمع، النظر والقول) وهناك آيات كثيرة في النص القرآني المقدس تشدد على أهمية الترشيد في (السمع، النظر والقول) والمقصود بالترشيد هنا؛ عدم إطلاق أعنة هذه المصادر للإفصاح المطلق عن كل ما يرى، أو يسمع، أو ينظر إليه، حيث لا بد من التيقن الكامل أولا في حالة الضرورة للإفصاح، وذلك حفاظا على كثير من معززات المجتمع، ومن قبله الأسر، والأفراد، لتبقى مجموعة الالتحامات المجتمعية منضبطة إلى حد كبير، فما يفرق الجماعات، ويوهن الترابط، ويخلط الحق بالباطل إلا من خلال انفلات هذه الثلاثية: (السمع والنظر والقول) ولذلك هدمت أسر، وتفرقت جماعات، ووهنت قوى، بفعل المغالطات المتعمدة؛ أكثرها؛ من جراء فعل هذه الثلاثية المتلازمة في التأثير على مجريات أحوال الناس.
تحدث التأويلات، وتتسع دائرة الخلافات، ويكثر القول والقول المضاد، وتستجلب القضايا البعيدة لتكون محور الاهتمام في وسط اجتماعي ما؛ دونما ضرورة تذكر؛ كل ذلك يحدث لأن هناك مغالطات مقصودة، أو غير مقصودة، بعد أن تدخل في مصانع الـ (السمع والنظر والقول) ولذلك تأتي نتائج ذلك كارثية، لا أحد يتمناها على الإطلاق، صحيح أن البشر مفطورون على تبديل الحق بالباطل من خلال هذه الثلاثية؛ إما لغرض شخصي، أو لغرض مدفوع من طرف ثالث، ومن أجل ذلك يأتي التشديد بصورة خاصة على ضرورة تقييد عمل هذه الثلاثية، ليبقى أفراد المجتمع محافظين على ودهم وتصالحهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
