لا أبحث .. في "إنتاج المختلف" فيه

31 أكتوبر 2021
31 أكتوبر 2021

يحل الاختلاف كإحدى الممارسات في حياة البشرية، وهو ممارسة تفضي إلى الكثير من النتائج، والنتائج التي يفرزها الخلاف؛ هي في حد ذاتها إما أن تكون مختلفا عليها، أو مختلفا فيها، أو مختلفا عنها، وكيفما تكون صورة الاختلاف هذه؛ فإن مسألة التوافق على مجمل نتائج الاختلافات السابقة الذكر، يظل محدودا، وإن لامس شيئا من الرضا عند مجموعة من الناس، فلا بد أن تطرح أسئلة محورية حول إنتاج المختلف، تبحث هذه الأسئلة في الغايات، وليس في الوسائل، وهذه من أشد المعضلات التي تواجه إنتاج المختلف عليه، أو فيه، أو عنه، ولشدة هذا الاختلاف القائم بين الناس، تبقى؛ في المقابل؛ مجموعة المحاولات للوصول إلى مستوى نسبي من هذه الغايات؛ هذا على أقل تقدير، وبالتالي فما يذهب إليه "إنتاج المختلف" هو الذي يجعل الحياة ديناميكية، ومتطورة، ولا تقف عند حد معين، وهذا ما أهم الممارسات المعبرة عن حيوية الإنسان، وعدم توقفه عند نقطة معينة، وهذا أمر في غاية الأهمية.

نقول أيضا: من "إنتاج المختلف" هو التفكير خارج الصندوق، حيث يحرر الناس من تموضعهم عن صورهم النمطية في التفكير إلى اقتحام الأهوال وإلى المخاطرة المأمونة، وإلى المجازفة المحسوبة، وإلى الإتيان بحلول "مجنونة" راشدة النتائج، وإلى تجاوز المعقول دون تهور، وإلى حرق المراحل دون الدخول في خسارات الزمن، وإلى توظيف الطاقات الشابة، وإلى عدم الاكتفاء بالجزء الفارغ من الكأس؛ كنوع من القناعة، فالإبقاء على نمطية التفكير، وعلى نمطية الممارسة، يجعل الحياة رتيبة، وتبعث على السأم والملل، واصطناع هدوء ما كان ينبغي أن يكون، لأن في استمراره مضيعة للوقت، وفي استمراره التأخر عن الركب، وفي استمراره تضاد لحركة الكون، فالكون بكل ما فيه لا يهدأ عن الحركة، والاشتغال، منذ مطلع الشمس، وإلى مطلعها في اليوم التالي، لا توجد ذرة في الكون ساكنة، فكل شيء يعمل، وكل شيء يفرز نتائج، وكل شيء يغير وجه الحياة، ولذلك هي الحياة متجددة، وبهية، ويشع من جنباتها السرور والبهجة، فكل هذه الاشتغال الكوني، ينتج المختلف، ولا يكرر نمطية الهدوء والسكون، وإلا لكنا عند مربعنا الأول، منذ أن أشرقت علينا الشمس عند صرختنا الأولى للحياة، فالتفكير "خارج الصندوق" هو إنتاج المختلف، والاشتغال بالجزء الفارغ من الكأس، هو إنتاج المختلف، وحرق المراحل هو إنتاج المختلف، وركوب المخاطر، والتفكير بالحلول الـ "مجنونة" هو إنتاج المختلف، وبالتالي فإنتاج المختلف ليس حالة "عبثية" بقدر ما هو قائم على خطط، وبرامج، وحرق المراحل فيه، ليس تجاوزا للتخطيط، ولكن الإسراع فيه، وعدم التهاون في تحققه.

عندما نبحث في "إنتاج المختلف" فإننا نبحث في العدالة من الظلم، فحالة الظلم سائدة وممارسة بصورة أكبر وأوسع، لكن العدالة تحتاج إلى تعقل، وإلى تفكير، وإلى شجاعة، فليس يسيرا أن تتنازل عن مكتسب تحسبه لك، ولكن في تغاضيك عنه يحقق عدالة للآخر، فالمساواة حاصلة وبكثرة، ولكن العدالة "إنتاج المختلف" فالبشرية مستمرئة الظلم والقسوة، ولكنها لا تتنازل لصالح العدالة التي تتصادم مع الصالح الخاص، والناس منحازون إلى الضدية أكثر من انحيازهم إلى الحياد والتوافق، ولذلك يرون في الحياة تضييق للمصالح، وفي الحرية تقييد للتسلط، وفي التوافق منعا للتشتت، وفي التعاون ردءا للتحيز، وفي التضحية تجاوزا للتبرير، ففي كل هذه الثنائيات هناك "إنتاج المختلف" لأنه يأتي على غير ما تعارف عليه، وما تعود الناس عليه، وما يريدوه، ولذلك فهناك ثمة أسئلة فارضة نفسها باحتمالات المنطق؛ ومنها: لماذا لا تأتي العدالة إلا من خلال منصات القضاء، ومن خلال ممارسة الضبطية؟ ولماذا لا تتحقق الحرية إلا كما قال عنها أمير الشعراء: "وللحرية الحمراء باب: بكل يد مضرجة يدق" فحتى تتحقق لا بد من دماء تهرق في سبيل تحقيقها، وهذه التضحية هي "إنتاج المختلف" فالمعتاد لن يصل إلى هذا المستوى من التضحية، ونجاحاتنا في الحياة كثيرة، وفي أغلبها تحصيل حاصل لتجاوز العثرات ولكن هذا التجاوز في مستوياته الدنيا فقط، أما عندما يلامس التفوق والتميز، فإنه بذلك يرقى إلى "إنتاج المختلف" لأنه لن يكون باستطاعة كل واحد يصل إليه، ومعنى ذلك فـ "إنتاج المختلف" حلم يدغدغ المخيلة فيرتقي بها من القاعدة العريضة إلى المستويات الأعلى في سلم (هرم ماسلوا) لتحقيق الحاجات والاحتياجات الأولية، مرورا بحاجيات الأمان والتقدير، وصولا إلى تحقيق الذات، ومعنى ذلك أن تحقيق الذات يدخل في "إنتاج المختلف" لأنه من السهولة بمكان أن تحصل على كل احتياجاتك الفسيولوجية، والفطرية، والمؤازرة الاجتماعية، ومستوى نسبي من الأمان، ولكن لن يكون يسيرا أن تصل إلى الذرى في تحقيق الذات والتميز، وبالتالي فوجودك في قاعدة الهرم العريضة لا خوف عليك، فهناك أسرتك، ومجتمعك، ولكن في سلم الأولويات في خاصيتك الفردية؛ كيف لك أن تسل نفسك من هذه البسطة "الدعة" المؤمّنة لك احتياجاتك الأساسية، ذلك ما يجعلك تنتقل من المعتاد إلى غير المعتاد، وغير المعتاد معناه "إنتاج المختلف".

ينظر إلى مجمل التحولات التي يصنعها البشر تحت مفهوم "إنتاج المختلف" أنها منطلق جديد لم يكن مألوفا، والحياة؛ بفضل الله عز وجل؛ تعيش هذا الترقي منذ بدء الخلقة؛ ولا تزال؛ وهذا النمو الذي يغير كل يوم وجه الحياة، ويكسبها نظارة الوجه، وحيوية التفاعل، حيث يمثل هذا الإنسان القوي بإرادته، وبطموحه، وبآماله الكبار ليصنع هذا الفارق الموضوعي في مسيرة الحياة في كل تجلياتها المختلفة، يصيب مرة، ويخفق مرات، وما بين الخطأ والصواب ثمة جهد خلاق، يثمر وينتج، يحذف ويضيف، دول كلل أو ملل، يرتهن في ذلك على قدراته التي وهبها الله له، حيث يوظفها بقدر خبراته في الحياة، وبقدر اكتسابه للمعرفة، وبقدر ارتفاع سقف الطموحات عنده، وتأتي الأوطان بحمولتها الوطنية لتكون الباعث لهذا الترقي، فبقدر المكتسب الشخصي الذي يحققه الفرد، فإن في ذلك مكسبا للوطن كله، ولذلك يتعاظم الـ"إنتاج المختلف" في الكم والكيف، فيضيف بذلك أبعاد تنموية في حقول الوطن المختلفة، فالدولة بمواطنيها المخلصين تحقق مختلف الفوارق الموضوعية في التنمية.

أنظر؛ بكل تقدير؛ إلى صناديق الاقتراع، وأجل فيها الدور الذي تلعبه في "إنتاج المختلف" سواء في انتخابات البرلمانية، أو الرئاسية؛ وفق الأنظمة والممارسات السياسية، لأن نتائجها الأولية حقيقية، وإن شابت نتائجها النهائية الكثير من الشك، فتلك مسألة أخرى، ليس هنا مجال مناقشتها، وانتصر لهذه الرؤية، وهذا التقييم، لأن المتفق عليه هو أن تخرج بنسب تصويت تصل إلى (99.9%) للصالح الخاص، ويتم الاقتتال على الـ (0.1%) من أصوات الناخبين – ويطرح التساؤل التالي: من هذا العدو الذي لم يكمل نسبة الـ (100%) وبالتالي فإن جاءت النتيجة غير ذلك فإن الصناديق بالفعل "إنتاج المختلف"ولذلك تشكل هذه الصناديق امتحانات عديدة: امتحانات في الأمانة، وامتحانات في نصرة الضمير، وامتحانات في الصدق، وامتحانات في الحياد، وامتحانات في مقاومة الباطل، وامتحانات في التحرر من ضيق المصالح، وامتحانات في القدرة على التخلص من تجاذبات الذات الضيقة، وامتحانات في الانتصار لمشروع الوطن الكبير، وامتحانات في العدالة، وامتحانات في المساواة، وامتحانات في مجابهة الظلم؛ والفساد، وامتحانات في تأصيل القناعات، فشكرا للصناديق النزيهة التي تجلت بهيبتها في "إنتاج المختلف".

تثبت الأحداث الجسام التي تحل بالبشرية الصورة الأخرى لـ "إنتاج المختلف" وذلك من خلال الروابط الطوعية الحديثة المتمثلة في (الفرق الخيرية) وهي "إنتاج المختلف" عن الروابط الاقتصادية التي تنتصر إلى مفهوم "السوق" الربح والخسارة، ولعلنا نستحضر حادثة الأنواء المناخية "إعصار شاهين" – نموذجا - التي حلت بالسلطنة خلال الشهر الماضي، حيث تبارى الجميع، وتحرروا من كل متعلقات الذات، فكانوا "إنتاج المختلف" بامتياز، فجمل التضحيات التي تمت؛ وهي أكبر من تعد وتحصى؛ أرخت محطة إنسانية عظيمة، ستبقى في الذاكرة لأجيال عديدة، وسيدونها التأريخ بأحرف من نور، وعندما قُيّمَت على أنها خصوصية عمانية بامتياز، فإن هذا التقييم، يعود إلى حداثة المنتج، أكثر من أنه تكرار للمشهد.