منوعات

الفنان جاسم النبهان لـ عمان : «لا» لأعمال لا تناسب المجتمعين الخليجي والإنساني

27 أكتوبر 2021
نجم ذاكرة الزمن الجميل .. وعطاء ممتد من الستينات إلى اليوم
27 أكتوبر 2021

حاوره : عامر بن عبدالله الأنصاري

للأسف لا نلمس دورا لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون وطموحنا استعادة النشاط

المهرجانات المسرحية أصبحت للنخبة فقط .. والمسرح يقدم للشارع ويلامس همومه

السينما صناعة احترافية دقيقة في الفكرة والتصوير والمضمون.. ويجب عدم استسهالها

أوصي الشباب العماني بالاهتمام بالتاريخ والموروث الكبير للسلطنة والعمل على إنتاج أعمال فنية

أقابل الكثير من الشباب العرب يقولون لي «نحن تتلمذنا على افتح يا سمسم» وهذا يدعوني للفخر

بين صرخة المخرج يوسف البلوشي (3 - 2 - 1 - أكشن) لتصوير مشهد من مشاهد المسلسل الخليجي (حينما تعزف الريح) وبين فترات استراحة نجوم العمل، جاءت الفرصة المناسبة لاقتناص حوار مع الفنان الكويتي القدير جاسم النبهان، الذي لا يرد أي سؤال، فيرحب بكل ما يطرح ويسترسل في الإجابة رغم انشغاله ورغم ضغط العمل المتواصل من الصباح إلى الليل، فلا تشعر أثناء حواره إلا بالارتياح والترحيب والكرم، ومن زاوية أخرى مكنونة في الإحساس، تشعر حين تحاوره بأنك تعود بالزمن إلى الوراء، وربما أبعد مما يمكن أن نصل إليه نحن أبناء جيل الثمانينات، فهو الفنان الذي انطلق بعالم الفن والتمثيل والمسرح منذ ستينات القرن الماضي، وما زال في عطاء متواصل لا ينضب، فيرحب بكل الأعمال التي تعرض عليه، ولا يقول «لا» إلا إذا كان العمل يخدش المجتمع ويخرج من إطار الإنسانية، حدَّثنا بذلك، وبالحنين إلى الإنتاج الخليجي المشترك، وإلى «افتح يا سمسم» العمل الذي لا يعد من البدايات بالنسبة له إنما رسخ في ذاكرته لأثر العمل على الأجيال المتعاقبة، وحدثنا بالكثير والكثير، ما سيأتي ذكره في هذا الحوار الرحب، فشكرا على رحابة الصدر وحفاوة الحديث، وإلى ما قاله:

س: بداية لنتحدث عن تجربتك بالعمل مع فريق من سلطنة عمان، والمشاركة في الأعمال المشتركة بشكل عام؟

ج: أنا اليوم سعيد بالمشاركة في هذا العمل الخليجي الذي تشكلت نواته من سلطنة عمان الحبيبة، وهذا ما يجب أن يحدث مع كل فنان خليجي، أن يسعى للمشاركة في الأعمال الخليجية بدول مجلس التعاون الست، وهذا تأكيد على توجه الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية -التي لا نرى لها وجودا للأسف ممثلة بمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون لدول الخليج- التوجه الذي يسعى إلى تواصل الفنان الخليجي في كل الدول الخليجية، ولكن للأسف نحن نعمل على ذلك بمحض إرادتنا ليس بدعم من الأمانة العامة ومؤسسة الإنتاج المشترك التابعة لها، للأسف أقول إن الإمانة العامة بعيدة عن هذا القطاع الكبير، الذي يجب أن يُعتمد عليه لتحقيق أهداف مجلس التعاون، هذا المجلس الرائع في كل المقاييس ويعد مثلا للمجالس الدولية الناجحة.

قد بدأنا فعلا بإنتاج أعمال مشتركة قديما، قبل 30 سنة، وساهمت هذه الأعمال في إبراز روح المودة والإخاء والوحدة بين أبناء المجلس، لذلك اليوم نحن بحاجة ماسة لعودة الإنتاج المشترك.

لدينا الكثير من الأدباء، والكتاب، ولدينا تاريخ عميق في البحر والبر والعلوم المتنوعة، لذلك يجب أن تبرز هذه الأسماء وهذا التاريخ، وأن تلتقي هذه النُخب في أعمال تلفزيونية لهدف واحد نبيل وهو توثيق تلك المقومات وتقديمها للأجيال الحالية والمستقبلية، اليوم التركيز على القنوات الخاصة، إلا أن القنوات الخاصة ربحية وهذا من حقها وتنظر من زوايا تجارية وليس عليها ملامة، لذلك أتمنى بقوة أن يعود الإنتاج المشترك بقيادة الأمانة العامة من جديد، لخدمة تاريخنا وتراثنا وأدبائنا، ومواهبنا ومؤسساتنا المحلية الخليجية. كما أتمنى إنشاء فرقة مسرحية خليجية أو فرقة إنتاج فنية تنتج أعمالا درامية تنتج على الأقل عملا واحدا سنويا، وهذا دور مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك ومقرها دولة الكويت.

ولكن عملية التعاون التي نعمل عليها اليوم في مسلسل (حينما تعزف الريح) وغيرها من المسلسلات، هي بادرة خير بكل تأكيد.

س: تركز دائما في حديثك على الأعمال التراثية، ما سر هذا الاهتمام؟

ج: العمل التراثي، والموروث، والحالة الأدبية الذي مر بها مجتمع الخليج، كل هذا لم يأتِ من فراغ، ويجب أن نقول للأجيال القادمة إن من بنى هذا البلد أو هذا التراث هم الأولون، لم يكونوا حائزين على شهادات جامعية، بل كان المجتمع هو الذي يعلّم، البيت يعلّم، وكذلك المرأة كان لها دور كبير في ذلك الوقت، كل ذلك مثال على قوة هذا المجتمع وتمكنه لمواجهة الحياة، ليس الآن بسبب طفرات النفط، إنما منذ القدم.

س: من المعروف أننا في الوطن العربي لدينا موسم درامي، وهو شهر رمضان، هل أنت مع موسمية الأعمال؟

ج: في شهر رمضان المبارك موسم درامي بمثابة سوق للأعمال الدرامية، وهذا الموسم فيه الغث والسمين من الأعمال، فالسمين يبقى ويستمر، والمفاضلة بين هذه الأعمال وتلك من خلال تقبل الناس للعلم، فكلما لامس العمل هموم الناس وقضاياهم اقترب من النجاح، ما يحدث للأسف أن البحث عما يلامس هموم الناس يأتي من طرف واحد، ربما الكاتب أو فريق العمل، مع غياب الجانب المجتمعي، فيحدث أن يكون العمل ذا بُعد عاطفي وقصص الحب والغرام، وهذا ما نجده في بعض الأعمال للأسف ثم تأتي موجات الانتقاد بعدها، أنا لست ضد الموسمية، ولكن الموسمية تفرض على الجميع تقديم عمل منافس يحظى بالقبول في ظل زحمة تلك الأعمال.

س: تحدثت عن افتح يا سمسم في المؤتمر الصحفي، هل لهذا الحد ظل العمل عالقا في ذهنك؟ وكيف لمست أثره على الأجيال؟

ج: دعني أخبرك عن أثر افتح يا سمسم، وهو أثر واحد من بين آثار عديدة، في كثير من الأحيان عندما يقابلني الجمهور بالشارع، ومن حتى بقاع الوطن العربي، اسمع منهم عبارة متكررة معناها (أنا تتلمذت على افتح يا سمسم)، هذه العبارة حقيقة تشعرني بالفخر والسعادة، لأن الهدف من (افتح يا سمسم) أن يكون مدرسة تربوية وتعليمية لكل طفل عربي أينما كان وفي أي زمن، وأستطيع القول إن هذا البرنامج هو الوحيد الذي حقق أهداف مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون لدول الخليج، لذلك أكرر أننا بدأنا في هذه المؤسسة بإنتاج أعمال مؤثرة وناجحة وعليها أن تواصل مثل هذا الإنتاج، خاصة في هذا التناحر الموجود وهذا القلق الذي تعيشه العديد من الدول العربية، فنحن بحاجة إلى إنتاج يحقق الأهداف النبيلة في وحدة الوطن العربي وتعزيز القيم والمبادئ.

س: رأينا لك أعمالا سينمائية في منصات البث الحديثة، كيف غيرت هذه المنصات مستوى الإنتاج من وجهة نظرك؟

ج: السينما صناعة دقيقة وليست صناعة عبثية، وقديما كانت السينما تحتاج إلى أدوات مختلفة تماما عما هو موجود اليوم، ما حدا ببعض المعنيين والمنتجين باستسهال صناعة فيلم سينمائي، وهذا الأمر غير صحيح، فالسينما ليست بأدوات التصوير، بالصناعة الدقيقة، لإنتاج أعمال خالية من الرتابة، خالية من الحشو، تجذب المشاهد من أول وهلة إلى آخرها، السينما ليست قضية شخصية عند المنتج أو المخرج، إنما هي قضية جماعية يطرحها واحد، صناعة السينما ليست سهلة كما يعتقد البعض، وعلى سبيل المثال أول فيلم سينمائي شاركت به هو «الفخ» قد استغرق سنتين من الاشتغال.

ومن قواعد الأعمال السينمائية بالنسبة لي، أنه عندما ينتهي العمل لا يكون هناك سؤال للمتلقي يحتاج إلى إجابة.

س: بين الجيل القديم والجيل الجديد، كيف يمكن أن يستفيد كل جيل من الآخر؟

ج: (ضاحكا) نحن من الجيل القديم وسننتهي سريعا، ربما لن يكون هناك وقت كافٍ حتى يستفيد الجيل الجديد من خبرات الجيل القديم، هناك معاهد كثيرة تدرس الفن، وهناك مؤسسات ثقافية عديدة، مثلا في الكويت هناك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في بداية تأسيسه كان هو المشجع للمسارح الأربعة الأساسية في الكويت، تلك المسارح التي نبغ منها كل الجيل السابق، وهذا ما أنادي به الآن أن يعاد تفعيل تلك المعاهد والمؤسسات وأن يعاد تفعيل هذه المسارح الأربعة والتي تعد الأعمدة الأساسية للفن بالكويت وربما في الخليج كذلك، ومن خلال هذا التفعيل سيكون الجيل الجديد على تعاون واطلاع وتلاحم من الجيل السابق وأخذ منه خبرته ويستفيد من تجاربه.

اليوم لا يوجد مسؤول يحضر المسرح ويهتم به، إلا في المهرجانات؟

س: ألا ترى أن المهرجانات المسرحية والفنية تقدم الكثير للمهتمين والفنانين بشكل عام؟

ج: المهرجانات تجمع نفس الشخوص والجمهور الذي حضر لها منذ 20 سنة، وللأسف أصبحت المهرجانات -المسرحية خصوصا- تقدم أعمالا ثقيلة ويعتبرها القائمون على تلك المهرجانات أنها أعمال متميزة، كأن المهرجانات حكر على هذه الشخوص وهذه المجموعة التي تعتبر نخبة، وهذا الأمر غير صحيح، المسرح المتميز هو المسرح الذي يخاطب الشارع ويفهمها المتلقي أيا كان، فهذا هو العمل المسرحي، يناقش القضايا، يطرح الحلول، يتناول هموم الناس، يجب على الملتقي أن يشعر أنه جزء من هذا العمل، أن يجد نفسه فيه، فإذا تحقق ذلك تحققت الجماهيرية والانتشار، بدلا من الاعمال النخبوية التي لا يفهمها إلا تلك الفئة القليلة.

كنا سابقا نتنافس على الموسم المسرحي وتقديم الاعمال الجماهيرية التي تستقطب الجمهور إلى شباك التذاكر، ولم يكن همنا المهرجانات والتنافس على نيل لقب معين.

الأمنيات تكثر حقيقة، ومنها أن يعود الدعم للمسرح والفن كما كان سابقا، كما نلناه نحن الجيل القديم، من دعم معنوي ومادي، يكفي أن الساسة في أيامنا كانوا يناقشوننا عن الأعمال ويهتمون بها، نفتقد ذلك اليوم.

س: الفنان جاسم النبهان متى يقول

«لا» لأي عمل فني؟

ج: إذا كان العمل لا يتنمي إلى مجتمعي، وأعني بـ «مجتمعي» أولا: المجتمع الذي أعيش فيه بما يحمله من عادات وتقاليد وثقافة ودين، وثانيا: المجتمع الأشمل وهو المجتمع الإنساني الأخلاقي، لذلك خلال مسيرتي الفنية تناولنا قضايا ونصوصا من الشرق والغرب، من ذلك قدمنا العمل الروماني «سمك عسير الهضم» لكاتبه «مانويل جاليتش»، قدمنا هذا العمل لأنه عمل يتناول قضية إنسانية، وهذه القضية الإنسانية ربما تتكرر اليوم ويعيشها الحاضر والمستقبل، حتى ولو مر على النص 100 عام، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، وهذا الأعمال الخالدة مثل أعمال شكسبير التي ما زالت مؤثرة إلى اليوم رغم مرور أكثر من 400 سنة عليها، هذا نتاج إنساني لا يقيده حد ولا زمن ولا مكان.

ربما من النادر أن نجد اليوم رواية من كتّابنا ذات بعد مؤثر، هناك نماذج، ولكن أرى أن الغالبية انتهجت نهج القصة القصيرة، كنا نرى هذه القوالب في المجلات الدورية، وهذه القصص لا يمكن أن نستلهم منها أعمالا فنية، من ينسى «لمن تقرع الاجراس» للكاتب «مانويل جاليتش»، و «العجوز والبحر» للكاتب «أرنست همنغواي»، وغيرها من الروايات، كل تلك الروايات قرأناها وتأثرنا بها، لماذا، لأنها ذات بُعد إنساني.

وعندنا في الموروث كذلك أعمال موازية، المعلقات السبع التي علقت على الكعبة المشرفة، كل معلقة منها بمثابة رواية كاملة، ولكن أين الحصيف الذي يترجم تلك المعلقات إلى أعمال فنية.

س: برأيك لماذا لا يتحقق ذلك؟

ج: أسباب عديدة، ومنها أن الحياة المادية طغت علينا كثيرا، سابقا رغم قلة الدخل وصعوبة الحياة، إلا أن الإبداع كان حاضرا، كان هناك عطاء، من كتب التاريخ؟ ربما كان جائعا، التقنية اليوم رغم تسهيلها لكثير من الأمور إلا أنها سببت التباعد، نحتاج إلى حب الفن والتنازل عن كثير من الماديات، نحتاج إلى الشغف والنشاط والفن.

س: كلمة أخيرة

ج: أتمنى النجاح لهذا العمل «حينما تعزف الريح»، وأن ينال نصيبا من أوقات القنوات الخليجية وقناة سلطنة عمان وقناة الكويت والقنوات الخاصة، وكذلك أوصي الشباب العماني بالمحافظة على التراث، وأن يعملوا على تقديم عمل تراثي واحد على أقل تقدير سنويا، ويكون عملا حقيقيا مدروسا دراسة كافية، ففي السلطنة قامات وهامات أدبية وعالمية، ومن أمثلة ذلك أحمد بن ماجد الرحالة العالمي، وهو واحد بحد ذاته قضية يجب أن تقدم، إضافة إلى الأحداث التاريخية الكثيرة في عمان، لذلك يجب استغلال هذا الموروث. والدعم ثم الدعم، الشباب عندما ينالون الدعم يبدعون.

في هذه الأثناء، يرفع المخرج يوسف البلوشي صوته مرة أخرى، (3 - 2 - 1 - أكشن) ليعود كل الفريق إلى مواقعه ويبحر الفنان جاسم النبهان في الشخصية إلى آخر رمق من التصوير.