1182451
1182451
المنوعات

صيادو إسطنبول يرابطون على ضفاف البوسفور رغم شح الأسماك

02 ديسمبر 2017
02 ديسمبر 2017

إسطنبول - «أ.ف.ب»: ينتظر فؤاد لساعات طويلة على جسر غلطة في إسطنبول معتمرا قبعة من الصوف الأسود... فقد ولى الزمن الذي كانت خلاله مياه البوسفور تعج بالأسماك ما يثير القلق لدى هذا الرجل الهاوي للصيد منذ نصف قرن وأيضا لدى الخبراء إزاء تراجع المخزونات.

هذا الموظف التركي المتقاعد واحد من مئات الصيادين الذين يصطفون جنبا إلى جنب على ضفاف البوسفور والقرن الذهبي والذين تشكل ظلالهم في المياه أحد المشاهد الشهيرة في المدينة التركية الكبرى. لكن خلف هذا المشهد الوردي ثمة حقيقة مرة وهي أن النظام البيئي في البوسفور في خطر خصوصا بسبب التسارع الكبير في وتيرة الصيد العشوائي. وهذا الأمر مرده بشكل خاص إلى التركيز على اصطياد أنواع محددة من الأسماك وعدم إرجاع أنواع صغيرة إلى المياه بعد سحبها. ويقول فؤاد البالغ من العمر 65 عاما لوكالة فرانس برس خلال رميه شبكته في مياه القرن الذهبي على البوسفور عند الضفة الأوروبية من إسطنبول «أمارس الصيد مذ كان عمري 15 عاما». ويوضح «في الماضي كان هناك الكثير من الأسماك مع عدد سكان أقل. هذه الأسماك الرائعة اختفت بسبب الازدياد السكاني والإهمال في الصيد».

ويشكل مضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة، منصة رئيسية للصيد في فترات محددة من السنة لأنواع محببة من الأسماك بينها السمك الأزرق (المياس) والقاروص والتونة الوثابة.

ويرابط صيادون كثيرون في المكان ليلا نهارا واقفين قرب مدافئ بدائية ومحتسين الشاي الساخن المحضر في السماور إلى جانب منصات صغيرة تبيع الصنانير والطعوم والفخاخ المستخدمة للايقاع بالأسماك.

وفي ظل التحول السريع الذي تشهده المدينة على وقع المشاريع العقارية، تختلف مشاهد الصيد هذه قليلا عن الصور القديمة بالأبيض والأسود من خمسينات القرن الماضي والتي تظهر صيادين حاملين صنانيرهم على جسر غلطة المطل على القرن الذهبي.

وبحسب رئيس اتحاد الصيادين الرياضيين والهواة في إسطنبول ايرول اوركشو فإن عدد الصيادين الهواة ازداد بدرجة كبيرة مع النمو المطرد في عدد سكان إسطنبول. غير أن مخزونات الأسماك تراجعت بنسبة 50 % مقارنة مع الثمانينات والتسعينات وفق اوركشو الذي يؤكد أن «الوضع يتدهور. عدد الأسماك إلى تراجع»، مطالبا بسياسة لحماية الأنظمة البيئية البحرية.

ويلفت اوركشو إلى أن المسؤول عن هذا الوضع هو التلوث والممارسات المدمرة في مجال الصيد إذ أن «90 % من الأسماك التي تصطاد من جسر غلطة صغيرة وهو أمر غير قانوني». هذه الوتيرة من الصيد الجائر مقلقة بحسب تمريس دنيز الأستاذة في جامعة إسطنبول والمتخصصة في مسائل الصيد التي تنتقد النقص في المراقبة.

وتسأل «هل تتخيلون وضع مخزونات الأسماك إذا ما افترضنا أن كل واحد من الصيادين البالغ عددهم مائة ألف يصطاد كيلوجراما واحدا في مياه البوسفور في عز موسم الهجرة؟»، منددة بنقص البيانات في شأن مخزونات الأسماك في تركيا. إلى ذلك، حتى لو أن صيادين كثيرين يبدون بالفعل هواة، كثيرون يبيعون أسماكهم خلافا للقانون في ظل وضع اقتصادي متشنج في بلد تطال فيه البطالة أكثر من 10 % من قوة العمل في البلاد. وتلفت دنيز إلى أن «الصيد يصبح على ما يبدو مصدر دخل للعاطلين عن العمل». وقد أظهرت دراسة أجرتها الهيئة التي تعمل فيها دنيز أن 16 % من الصيادين على جسر غلطة يبيعون غلتهم.

ويعتبر الصيادون، وبينهم بضع نساء، أنفسهم رمزا من رموز المدينة. وقد بدأت شريفة دوغان، وهي امرأة في السادسة والخمسين من العمر مصابة بالسكري، بالصيد نزولا عند نصيحة طبيبها قبل شهرين.

وتقول «أنا حقا هاوية. الرجال يساعدونني على رمي شباكي وسحب السمكة من الصنارة».

وتضيف «آتي إلى هنا في الصباح وأحيانا أبقى لسبع ساعات (...) الأمر بمثابة علاج». دوغان التي تعتبر أنها تتمتع بـ «حظ المبتدئين» الذي عادة ما يحالف الأشخاص الذين يشقون أولى خطواتهم في مجال ألعاب الحظ، تصطاد بحسب تأكيداتها نصف كيلوغرام من السمك يوميا تحمله معها إلى المنزل لتشاركه مع العائلة والأصدقاء. وبالعودة إلى جسر غلطة، يبدي فؤاد استياءه إزاء الصيد المتفلّت في البوسفور. ويقول «هم يصطادون كل مجموعات الأسماك الصغيرة ما يؤدي الى زوالها». ويستذكر قائلا: «في الماضي عندما كانت المياه تعج بالأسماك، كنت أصطاد في بعض الأيام بين ثمانية كيلوجرامات وتسعة من التونة الوثابة والسمك الأزرق حجمها كبير لدرجة كانت تصل إلى مستوى الركبة».

وعلى رغم الوضع، يواظب فؤاد على المجيء إلى جسر غلطة حيث يبقى لعشر ساعات يوميا. ويقول «بدل اللعب بطاولة النرد في المقهى، أمسك بما يكفي من الأسماك لإطعام عائلتي».