الحالة المدارية.. والدروس المستفادة
عوض بن سعيد باقوير
شهدت السلطنة خلال العقد والنصف الأخير أي من عام ٢٠٠٧ وحتى الحالة الأخيرة المعروفة باسم إعصار شاهين جملة من الأعاصير والعواصف المدارية وهي حالات يتعرض لها عدد من الدول الواقعة على المحيطات خاصة المحيط الأطلسي والمحيط الهندي كون تلك الأعاصير على ضوء تحليل خبراء الطقس والمناخ تتكون في تلك المحيطات لأسباب موضوعية عديدة.
والحالة المدارية الأخيرة التي تأثرت بها عاصمة الوطن وعدد من ولايات جنوب الباطنة وشمالها خاصة ولايات الخابورة والمصنعة والسويق وصحم ، شهدت عددا من الدروس والتي هي ليست غائبة عن الجهات المختصة بسبب الخبرة التراكمية منذ إعصار جونو عام ٢٠٠٧ وحتى إعصار شاهين.
ومن هنا فإن الأمر يستدعي جملة من الدروس خاصة على صعيد إيجاد حلول فيما يخص تصريف مجاري الأودية التي اتضح أنها المشكلة الكبرى التي تسبب اندفاع المياه في وجود بعض مساكن المواطنين وهي مشكلة تحتاج إلى حلول من المختصين في المرحلة القادمة ومع ذلك كانت الجهود الحكومية على الصعيدين العسكري والمدني حاضرة وبذلت لعودة الحياة إلى طبيعتها في الولايات التي تضررت بشكل كبير من الحالة المدارية.
الجغرافيا والحالات المدارية
شهد العالم خلال القرن الماضي تحولات كبيرة على صعيد تغير المناخ مع ارتفاع ملحوظ لدرجات الحرارة والرطوبة وهي من مسببات تكون الأعاصير والعواصف داخل المحيطات. ومن هنا شهد العالم خلال نصف القرن الماضي كوارث طبيعية مدمرة في قارة أمريكا الشمالية حيث أعاصير المحيط الأطلسي وهناك دول كالولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك ودول أمريكا الجنوبية، كما أن المحيط الهندي الذي يقع جزء من الجغرافيا العمانية على سواحله شهد عواصف وأعاصير عديدة خاصة في دول مثل الهند وإيران واليمن وباكستان وهي مجموعة الدول التي تقع في مجال المحيط الهندي وبحر العرب، كما أن بحر عمان هو الآخر شهد عدة حالات مدارية بفعل تكونها في المحيط الهندي الأقرب للسواحل العمانية وعلى ضوء ذلك فإن إيجاد حلول جذرية لمواجهة تلك الأعاصير تبدو صعبة في ظل الظروف الجغرافية بدليل أن دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وهي ذات إمكانات كبيرة لم تستطع منع نتائج تلك الكوارث الطبيعية. ومع ذلك فإن الحالة المدارية في السلطنة وعلى ضوء خبرات الماضي تحتاج إلى حلول تتعلق بمسارات الأودية التي تشكل المعضلة الأكبر، كما أن وجود قنوات تصريف المياه يمكن أن تكون أحد الحلول الواقعية، كما أن النظر بجدية إلى مسألة التوسع العمراني القريب من مجاري الأودية تعد من الأمور الاستراتيجية التي تحتاج إلى معالجة خاصة فيما يخص تصريف المياه من خلال إيجاد قنوات ومن خلال الاطلاع على تجارب الدول التي تتشابه جغرافيا مع السلطنة.
الدروس المستفادة
سوف تظل الأعاصير والعواصف سمة العالم في القادم من السنوات في ظل الظروف المناخية وارتفاع درجة الحرارة في المحيطات، ومن هنا فإن المشهد المناخي يتغير بشكل دراماتيكي وعلى ضوء ذلك فإن ثمة دروسا لابد من النظر لها سواء فيما يخص مسألة قنوات تصريف المياه بشكل خاص خاصة مجاري الأودية ولا شك أن الجهات المختصة سوف تستفيد من تجربة الحالة المدارية لتقليل الخسائر المادية والبشرية، كما أن على السلطنة أن ترسم استراتيجية مستقبلية في هذا الجانب، خاصة فيما يخص سدود الحماية.
وهناك خطة موجودة لإقامة مزيد من السدود في مختلف مناطق السلطنة ، وفي المحصلة الأخيرة فإن الأعاصير والعواصف من الصعب التحكم في مساراتها في ظل الكم الكبير من مياه الأمطار التي اقتربت في بعض الولايات من ٤٠٠ مليميتر كما هو الحال في ولاية الخابورة والتي سجلت الرقم الأعلى في كمية هطول الأمطار خلال الحالة المدارية الأخيرة.
ولا شك أن الحالة المدارية كالعادة كما هو دوما كشفت عن المعدن الأصيل للشعب العماني من خلال الهبة الشعبية والتبرعات للولايات في شمال وجنوب الباطنة التي تأثرت بشكل كبير وهذا هو ديدن المجتمع العماني خلال أوقات الشدة.
ومن هنا فإن التعاضد بين الدولة وكل مؤسساتها الرسمية وأيضا المجتمع هو دليل على الوحدة الوطنية وعلى المشاعر الإيجابية التي ترجمت الى أفعال من خلال قوافل المساعدة التي انطلقت من الولايات العمانية الى أشقائهم في الولايات المتأثرة من الحالة المدارية.
ومن هنا فإن الدروس كبيرة في إيجاد معالجات مختلفة تتعلق بأهم مشكله وهي إيجاد قنوات تصريف المياه والتي سوف تقلل من اندفاع المياه وجريانها من خلال جريان الأودية.
الاهتمام العربي والدولي
للسلطنة مكانة عربية ودولية من خلال دورها على الصعيد الدولي ، ومن هنا كان الاهتمام الشعبي العربي بما يحدث في السلطنة من أنواء مناخية كدليل على محبة لعمان وقيادتها وشعبها ، كما أن الاهتمام الإعلامي الموضوعي سجل خطوات إيجابية من خلال رصد الأحداث بشكل حقيقي سواء من الإعلام الوطني او من خلال شبكات التواصل الاجتماعي او حتى من الإعلام العربي خاصة قناة الجزيرة ومن خلال تقاريرها الموضوعية وعلى ضوء ذلك تبقى السلطنة ومن خلال الاهتمام السامي للسلطان هيثم بن طارق ، حفظه الله ورعاه ، وتكاتف الشعب مع قيادته هو صمام الأمان والذي من خلاله ستعود عمان وولاياتها المتأثرة الى المستوى الطبيعي وأفضل، ودوما يثبت الشعب العماني ومن خلال الأزمات بأنه شعب واحد وصف واحد مما يعطي مؤشرا على أن العمانيين ومنذ قرون يقفون في وجه الأزمات التي يتعرض لها الوطن العزيز.
حفظ الله بلادنا العزيزة وسلطاننا المعظم والشعب العماني الكريم من كل سوء ومكروه لتبقى عمان درة الأوطان انه سميع مجيب الدعاء.
*صحفي ومحلل سياسي
