صناعة النشر تترقَّب المعارض

02 أكتوبر 2021
02 أكتوبر 2021

يكشف تقرير «من جهود التصدي للجائحة إلى التعافي منها. تداعيات جائحة كوفيد 19 على صناعة النشر العالمية 2020-2021»، الصادار عن الاتحاد الدولي للناشرين (IPA)، ما تواجهه دور النشر عالميا من انخفاضا في الإيرادات بسبب تداعيات الجائحة وحالات الإغلاق التي فرضتها العديد من الدول، إضافة إلى توقف عقد معارض الكُتب، والتي أثَّرت على النشر والطباعة، وبالتالي تسويق الكُتب وبيعها، مما أدى إلى مواجهة العديد من التحديات المالية، وصل بعضها إلى الإفلاس.

ولهذا فإن الاتحاد – بحسب التقرير – اتخذ العديد من الإجراءات، أهمها (دعم استرتيجيات الرقمنة)، و(إقامة تحالفات في قطاع النشر)، الأمر الذي دفع العديد من اتحادات الدول في العالم إلى المضي قدما في دعم (سلسلة القيمة لقطاع النشر)؛ وهي تلك السلسلة المترابطة لصناعة الكتاب في الدول بدءا من إجراءات طباعة الكتاب ونشره، إلى تسويقه وبيعه، وتشمل المؤلف ودور النشر والمكتبات ومنافذ البيع، مما يؤدي إلى عقد مجموعة من الشراكات أو التحالفات على مستوى القطاع، بهدف إعادة تشغيل تلك السلسلة بعد تعثرها خلال الجائحة. لذا فإن تقوية التحالفات وتشكيلها استراتيجيا على مستوى الدولة أو الإقليم يجعل من تلك السلسلة ذات جدوى على المستوى الثقافي والاقتصادي، بما يُعزِّز علاقات الناشرين مع المكتبات والمعلمين والمثقفين من ناحية، ومع شركات التكنولوجيا والخدمات اللوجستية من ناحية ثانية.

ولعل ما أتاحته التقنية من فرص أمام قطاع النشر قلَّل من التداعيات السلبية وخفّف من حدة التأثير، ولهذا فإن الاتحاد الدولي للناشرين في تقريره يُورد (التحول الرقمي) باعتباره أحد أهم فرص التعويض على القطاع؛ فقد بيَّن التقرير أن أعضاء الاتحاد حققوا «نموا ملحوظا في مبيعات الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية»، حيث انتعشت عمليات الشراء عبر الإنترنت، وتوجَّهت دور النشر إلى (البحث عن تنسيقات رقمية جديدة) يمكنهم عن طريقها الوصول إلى المستهلك في منزله. وعلى الرغم من أهمية هذا التحوُّل إلا أن «المبيعات عبر الإنترنت ليست كافية للتعويض الكامل عن نسبة المبيعات خارج الإنترنت التي تمت خسارتها» – بحسب استطلاع التقرير -.

إن التحوُّل الرقمي لدور النشر والمكتبات أمر لابد منه في قادم الأيام، ولن يتم ذلك سوى عن طريق الشراكة بين سلسلة القيمة الخاصة بالقطاع، وعلى رأسها القطاع التقني المسؤول عن تنفيذ البنية الأساسية لبرامج هذا التحوُّل ومدى قدرتها على استيعاب متطلبات صناعة الكتاب المتغيرة، ومتطلبات سوق الكتاب، التي أصبحت ذات معطيات مختلفة، بل أن واقع الاستطلاعات كشفت فئات جديدة أكثر طلبا للكتاب، لا سيما في ظل التحوُّل الرقمي للتعليم من ناحية، وزيادة الطلب من قبل فئات الشباب واليافعين على كُتب القصص والروايات من ناحية ثانية. ولهذا فإن التحوُّل الرقمي لصناعة الكتاب سواء أكان للنشر أو التسويق، يقتضي دراسة الواقع واحتياجاته، وقدرته على استيعاب هذا التحوُّل.

ولأهمية صناعة النشر فإن سلطنة عمان قد أسستها ضمن أنماط ثقافية ومعطيات اقتصادية، أسهمت منذ عقود في انتعاشها، سواء على مستوى طباعة الكتاب ونشره، أو إنشاء المكتبات الحكومية والأهلية، وهذا ما كشف عنه تقرير (الثقافة مشاركة وانتشار)، الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للعام 2020 من تزايد المكتبات العامة حيث وصلت إلى (31) مكتبة، وكذلك المكتبات الخاصة/ الأهلية التي وصلت في العام 2019 إلى (71) مكتبة. وعلى الرغم من أن التقرير لم يبيِّن إحصائية لدور النشر العمانية، إلاّ أن المتتبع لحالة هذه الدور سيلحظ بدء تزايد أعدادها خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، على الرغم من تأخر إنشاء تلك الدور والتحديات التي تواجهها من ناحية إجراءات التأسيس والتسويق وغير ذلك.

إن المكتبات الأهلية في السلطنة ودور النشر تحتاج إلى التفات في ظل تداعيات الجائحة وما يعانيه قطاع النشر من تحديات وإشكالات أثرَّت مباشرة على قدرته على الصمود في سوق الكتاب، وبالتالي فإن هذا القطاع يحتاج إلى الدعم الموجَّه سواء من خلال الدعم الحكومي أو التسهيلات أو تقوية الشراكات بين سلسلة القيم التي تؤسس هذا القطاع في السلطنة. ولعل تأخُّر التحوُّل الرقمي لهذا القطاع، أثَّر في تعاظم تداعيات الجائحة عليه؛ حيث بدت العديد من المكتبات غير قادرة على الاستمرار، بينما استطاعت بعضها تأسيس منظومة تقنية قادرة على التسويق والوصول إلى منافذ البيع، باعتمادها على مبدأ تقوية سلسلة الشراكات. والحال أن دور النشر في السلطنة على الرغم من الجهود التي تمت في هذا القطاع، إلاَّ أنها ما زالت تواجه تحديات حجَّمت من قدرتها على المنافسة حتى على مستوى المنطقة، ولعل التحدي الذي تواجهه بين ضمان الجودة العلمية والثقافية والتسويق الاقتصادي، إضافة إلى مضاعفات ذلك بسبب تداعيات الجائحة، فإن هذا القطاع يحتاج إلى التكاتف، ليس للتعافي فقط بل أيضا من أجل تطويره وإنعاشه، حتى يتمكن من تخطي تداعيات الجائحة، ومواصلة جهود تنمية أنشطته، وتوسعة نطاق الطباعة والنشر والتوزيع.

ولأن هذا القطاع ما زال محدودا، ويعتمد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن إقامة معارض الكتب، خاصة معرض مسقط الدولي للكتاب، يُعد من أبرز المناشط التي تُسهم في إنعاشه، وتُعزز دوره التنموي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي؛ حيث تجد دور النشر والمكتبات المحلية منها بشكل خاص منفذا أساسيا لتسويق الكُتب (الورقية والرقمية والسمعية)، وكذلك عقد اتفاقيات للطباعة والنشر، إضافة إلى تلك الفُرص التي يتيحها المعرض للقاء المباشر بين الناشرين والكُتَّاب من ناحية، وبينهم وبين القُرَّاء من ناحية أخرى.

ومع انفتاح التقنيات الحديثة ووسائل التكنولوجيا التي أتاحت خيارات متعددة لتنظيم معارض الكتب وحركة زواره، وتلك التجارب الدولية والعربية التي نفَّذت معارض كتب دولية ومنافذ للبيع، استطاعت النجاح، كما هو الحال في معرض الإسكندرية للكتاب الذي نُفِذ في أكتوبر من العام 2020، والذي يُعد أول معرض عربي يُعقد أثناء الجائحة، كما نشهد هذه الأيام فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، وقبل ذلك تم تنفيذ العديد من المعارض في الدول العربية والأجنبية، فإنه مع تباشير التعافي المجتمعي في السلطنة وعودة الحياة بشكل شبه طبيعي، فإن التفكير في عقد معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته (26)، الذي تم تأجيله بسبب تداعيات الجائحة في العام الفائت، أصبح من أبرز الفرص التي ينتظرها هذا القطاع.

إن أهمية معارض الكتاب لا تكمن في دعم صناعة النشر وحسب بل أيضا في تعزيز سلوكيات القراءة خاصة في ظل تفشي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وقدرتها على تغيير أنماط القراءة لدى الكثير من أفراد المجتمع، حيث يظل الكتاب متصدرا سواء أكان إلكترونيا أو ورقيا. لذا فإن هذه المعارض تسهم في تنمية سلوكيات القراءة وأنماط التفكير المجتمعي، من خلال مجموعة من الممارسات التفاعلية المباشرة، خاصة لدى فئة الأطفال والناشئة والشباب. ولعل تجارب السلطنة في معرض مسقط الدولي للكتاب خير شاهد على تنمية تلك الأنماط الثقافية والاجتماعية التي تُشرك المجتمع بكافة أطيافه، ليصبح المعرض تظاهرة مجتمعية.

إن الطموحات التنموية التي تعقدها السلطنة على قطاع النشر، تتطلب الدعم والمساندة، ليس فقط الدعم الحكومي الموجَّه، وإنما من خلال دعم مشروعات الرقمنة للمكتبات ودور النشر، وتأسيس منافذ بيع إلكترونية قادرة على تسويق الكتاب العماني ونشره من ناحية، ومنافذ بيع في المحافظات وعقد معارض الكُتب من ناحية أخرى، إضافة إلى التسهيلات التي تُسهم في تنمية هذا القطاع، وإيجاد بيئة محفزة للاستثمار فيه.