نوافذ :التعاون الضمني.. هل يكفي؟
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
كثيرا ما أصادف أثناء ممارسة الرياضة على الشاطئ، أناسا في أعمار مختلفة - متطوعين - يحملون أكياسا لجمع ما خلفه أناس آخرون عبثوا بالمكان؛ وكأن هؤلاء الناس العابثون؛ بينهم وبين المكان شيء من الثأر، حيث يتركون مخلفاتهم دون أدنى مسؤولية؛ متناثرة على امتداد الشاطئ، أو على الرصيف، فيأتي مثل هؤلاء الناس الـ «نجباء» ليعيدوا للمكان حيويته، ونضارته، وبهجته، مع يقينهم أن الجهات المعنية في بلدية مسقط، تقوم بذات الدور، ولكنهم؛ هم؛ هكذا تحفزهم أنفسهم السوية للمساهمة في خدمة البيئة، فالبيئة النظيفة عنوان كبير لجمال النفوس، وصدق محبتها لما حولها، وتساميها في التعاون لما يخدم الصالح العام، ومثل هؤلاء الناس تحرروا من تجاذبات الذات الذاهبة إلى المعنى الذي جاء في كتاب المجتمع المدني: «الناس لا يتبعون القواعد الخلقية إلا إذا لبت حاجاتهم المباشرة»- انتهى النص -.
والمقاربة ذاتها تذهب إلى جميع من يستطيع أن يحرر ذاته من هذه التجاذبات الخاصة، في أي مجال يقوم به، والخدمات العامة التي تصل إلى الناس بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة كثيرة وعديدة، وفي المقابل هناك من يقوم بها دون مقابل، مع أن هذه الخدمات هي؛ كثيرا ما تكون؛ من اختصاصات مؤسسات معنية بها، ومسؤولة مسؤولية مباشرة، وملزمة لتحقيقها، ولكن لأن هناك فئات في المجتمع استطاعت أن تحرر نفسها من كثير مما يراكم في أرصدتها المادية؛ على وجه الخصوص؛ واختارت أن تسمو بقدراتها النفسية والذهنية، وتنظر إلى الحياة بمنظار آخر، غير ما يتعارف عليه الأغلبية من الناس، ويقرأوه كأسلوب حياة، ولهؤلاء كلهم الشكر والتقدير من كل من يعي نقاء مثل هذه النفوس وقدرتها على انتزاع نفسها من ركام المادة الضيق.
ولكن؛ مع هذا السمو، وهذا الصفاء، وهذا النقاء، فلن يكون هذا الـ «تعاون الضمني» له القدرة على لثم الكثير من الثغرات التي تحدثها الكثير من الممارسات، فتشوه الصورة العامة للمجتمعات التي لا تزال تحتفظ بشيء من هذا التعاون المميز، وهنا أشير أكثر إلى ضرورة حضور القانون بشدة التطبيق والتنفيذ، فالارتهان على هذا النوع من التعاون لن يخدم كثيرا، وستظل هناك فئات غير قادرة على الحصول على حقوقها كاملة، فالفقراء والمعوزين لن تسد حاجياتهم مجموعة التبرعات الفترية والمناسبية، إن لم يكن هناك دخل منتظم، والممارسات الخاطئة ضد البيئة لن تستطيع الأنفس البيضاء أن تجعل هذه المساحات الممتدة صافية نقية، والنقص في بعض المؤسسات الحيوية لن تكملها تبرعات بعض الخيرين الذين ينتزعون أنفسهم من تسلط الذات، بينما يستطيع القانون الذي يجد قوته وجبروته في التطبيق والتنفيذ الأمين، أن يلجم كل هذه الثغرات دون أي عناء، صحيح أن في تطبيقه سيصطدم بالكثير من المصالح المتضاربة عند ما هو موكول بتطبيقه، ولكن تبقى المصلحة العامة هي الأحق في تحققها، ومثولها على الواقع، ومما يبعث على القلق أكثر، أنه كلما تعمقت المجتمعات في الحداثة، كلما انسلت الـ «قواعد الخلقية» المنتمية إلى الفطرة أكثر، ودخل الناس في نفق مظلم؛ حيث تغيبهم المصالح الخاصة، وتستأثر بسخائهم لأنفسهم أكثر، ومن هنا تأتي الحاجة أكثر إلى الحاجة الفعلية للقوانين، وأهمية تطبيقها، أي الانتصار للمأسسة.
