نوافذ : من يسلم من المشاكسات؟
مع التسليم بمعرفة معنى كلمة "مشاكس" هل هناك من يتعمد المشاكسة، أو أن يشاكس؛ هكذا هوى في نفسه؟ فإن كان الأمر كذلك؛ فهذا أمر مرده إلى الفطرة، وليس إلى مكتسب من مكتسبات الحياة اليومية، والسبب في ذلك أن المشاكسة – وهي في معانيها الكثيرة: التنازع؛ الاختلاف؛ التصادم؛ افتعال الأزمات؛ السير في الاتجاه المضاد للأنظمة والقوانين؛ العناد المفضي إلى الفرقة والتشتت؛ "لا يعجبه العجب..." منتقد على مختلف المسارات الأفقية، متخاذل؛ غير مبادر؛ معاند؛ مقاوم للتغيير – وقس على ذلك أمثلة كثيرة معبرة عن ذات المعاني الـ "مشاكسة"البيئة من حولنا متخمة بصور المشاكسة، سواء على المستوى الخاص "الأسرة" أو على المستوى العام "المجتمع" وهذا ما يرد فعل المشاكسة إلى الفطرة، أما لو كان لمكتسب الخبرة من الحياة، في هذا الجانب بالذات الـ "مشاكسة" فإن ذلك قد يرد إلى موقف مؤقت حصل، وخالطه عناد، وهذا يحصل كثيرا، ولكن يبقى مرهونا بظروفه المؤقتة.
عندما تحدث المشاكسة عند فئة الأعمار الصغيرة، يكون قبولها أقرب إلى الرضا، ويعذر فيها مجموعة هؤلاء المتشاكسين، أما لو يحدث العكس "عند الكبار" فإن للأمر خطورته، ولا يجب أن تترك الحالة التشاكسية على تموضعها لتداعياتها الخطيرة على الأمن: الأسري؛ المجتمعي؛ الإنساني، ولذلك يتلبسنا القلق من وجود فئة مشاكسة في أي وسط كان: الأسرة؛ المجتمع؛ الدول، وهناك دول مشاكسة ومعروفة؛ نزقة، ونرجسية، وهي على طول الخط مشاكسة؛ حيث تعيش حالتها المراهقة، لا تنفع عندها سنوات الرشد، فهي خارج سياق حسابات التربية، وهناك أفراد على هذه الشاكلة، ويبدو كل المجتمعات الإنسانية مبتلية بهذا النوع من البشر، وكان الله في عون الأسرة؛ المجتمع، الإنسانية؛ عندما يكون بين ظهرانيها هذا النوع من المشاكسين لغيرهم، والمتشاكسين مع أنفسهم، ومن يكتوي بنار مشاكساتهم الغالبية ممن حولهم، فنيرانهم لا تنطفئ عند حدود معاقلهم، بل تمتد إلى الأبعد من ذلك، ولذلك فالحياة تكتسب هذا النوع من عدم الهدوء والاطمئنان.
تنتج المشاكسات؛ وهي حالة إنسانية كما ذكرنا؛ عن الأضداد، فالمشاكس لا يؤمن بالتضاد، ويرى خط الأفق ممتد بما يلبي إشباع رغباته وطموحاته هو فقط (نوع من الأنانية) ولا يمكن أن تكون له تغذية راجعة لحقيقة الأشياء فيه، ولا يهم إن كان للآخرين موطئ قدم على امتداد هذا الخط، من عدمه، المهم هو وهو فقط، ولذلك تأتي القوانين والأنظمة لتحد من نمو هذا النوع من الخلق السيئ عند الإنسان لحفظ حقوق الآخرين الذين تصفو ذاكرتهم من هذا الابتلاء، والخوف أكثر في هذه الصورة هو حدوث "الانفصام الشخصي" لأن هناك أناس؛ يتوقع أنهم أسوياء؛ ولكن ولحاجة في النفس، يتلبسون حالة المشاكسة كنوع من إبراز الذات؛ ربما؛ أو كنوع من فرض الرأي، ولو أن هذا الرأي مبالغ في تقديره، والمشاكس يعرف ذلك، وهو ما يسقطهم في خندق النفاق، وهذه من الحالات المستعصية للعلاج في الأمراض الاجتماعية.
هل نستطيع أن نتجاوز مستنقع المشاكسات؛ في كثير من تماس العلاقات مع الآخر؟ أشك في ذلك، ولكن الأمر ليس مستحيلا، فيحتاج إلى كثير من الحكمة.
