بين الحرب الكارثية وبيان مسقط
عوض بن سعيد باقوير
الأحداث المتواصلة في المنطقة الخليجية تنذر بحرب محتملة بين إيران والكيان الإسرائيلي وبدعم أمريكي بريطاني على ضوء أحداث السفينة التي يمتلكها أحد رجال الأعمال من إسرائيل ونتج عنها مقتل بريطاني وروماني في المياه الدولية لبحر العرب.
ورغم النفي الإيراني عن مسؤولية طهران عن ضرب السفينة إلا أن ردود الفعل الأمريكية كانت غاضبة وهناك تصريحات تتحدث عن ضرورة الرد القاسي على إيران. ومن هنا فإن مسألة الرد العسكري قد تحدث وقد تكون محدودة ومع ذلك فإن إيران سوف ترد هي الأخرى؛ ليبدأ الصراع العسكري حتى تحدث الكارثة وتندلع الحرب الكارثية التي لا يريدها العالم لأسباب استراتيجية واقتصادية. ومن هنا فإن منطقة الخليج العربي تعود إلى أجواء الحرب خاصة مع تعثر المفاوضات النووية في فيينا ومع وجود قياده إيرانية ذات الطابع المحافظ التي تسلمت السلطة أمس بقيادة إبراهيم رئيسي.
بيان مسقط والأمن الإقليمي
للسلطنة إرث سياسي متواصل في صناعة السلام والأمن الإقليمي منذ وقت مبكر واستشعار بضرورة إيجاد منظومة أمنية بين دول الخليج على ضفتيه ومن هنا جاء اجتماع مسقط بين الدول الثماني وهي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل قيام المجلس والعراق وايران عام ١٩٧٦ أي بعد ست سنوات على قيام النهضة العمانية الحديثة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ وكان هذا الاجتماع إشارة مبكرة واستباقية على ضرورة إيجاد منظومة شامله للامن والاستقرار في منطقة الخليج الحساسة. وقد أشار بيان مسقط في ختام الاجتماع الى تلك الضرورة الامنية التي تجعل من المنطقة واحة للسلام والتعاون بين دول وشعوب الاقليم في مناخ مريح للملاحة الدولية عبر مضيق هرمز الاستراتيجي.
وعلى ضوء الاحداث الدراماتيكية في المنطقة خلال السنوات الاخيرة من حرب السفن والحرب في اليمن والأزمات المتواصلة في المنطقة حتى بين عدد من دول مجلس التعاون كما رأينا في الازمة الخليجية، فإن العودة الى روح بيان مسقط تعد ضرورة وهو الأمر الذي تعمل عليه الدبلوماسية العمانية منذ نصف قرن ولا تزال من خلال ملفات حاسمة يتصدرها الملف اليمني وايضا الحوار بين ضفتي الخليج أي بين طهران والرياض علاوة على موضوع تأمين الملاحة البحرية.
ومن هنا فإن المشهد في المنطقة مقلق وخطير في ظل المواجهة غير المباشرة بين ايران والكيان الاسرائيلي ليس فقط في منطقة الخليج ولكن في سوريا ..
نحن الآن نتحدث عن قيادة إيرانية جديدة برئاسة إبراهيم رئيسي وهناك مفاوضات متعثرة في فيينا وهناك حرب السفن المتكررة علاوة على تهور اسرائيلي محتمل وتهديد أمريكي ، وفي ظل هذا المناخ المتوتر فإن اندلاع صراع مسلح محدود او شامل هو أمر غير مستبعد وحتى يمكن الرجوع إلى مسألة الحوار فإن مسقط تعد الركيزة الاساسية في جملة تلك الملفات، وهذا قدر استراتيجي لها كونها تقع في قلب المنطقة على الصعيد الجغرافي حيث الإطلالة المميزة على بحر عمان ومضيق هرمز حيث وجود احد أهم المضايق البحرية في العالم حيث مرور الطاقة الى الغرب والشرق على حد سواء.
ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية امام مرحلة وتحديات حقيقية من خلال العمل على تطبيق وإنجاز عمل دبلوماسي يستوحي نصوص بيان مسقط والتي تتحدث عن ضرورة إقامة منظومة أمنية بين دول المنطقة وايضا اليمن.
الكيان الإسرائيلي والمنطقة
الكيان الإسرائيلي يعد المشكلة الكبرى في المنطقة العربية عموما منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ وفي ظل رفض الكيان الصهيوني كل مبادرات السلام الشاملة والعادلة وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ، فإن هذا الكيان الصهيوني قد يفرز حاله تشبه الوجود النازي في المانيا ، والذي تسبب في كوارث عالمية حيث اندلاع حربين وهما الحرب العالمية الأولى والثانية من خلال إيديولوجية التوسع وفكر الاستعلاء على بقية الأجناس البشرية. وفي تصوري إن الكيان الاسرائيلي قد يسبب كوارث وحروبا في المنطقة من خلال وجود علاقات مباشرة مع عدد من دول المنطقة ولعل حرب السفن هو أحد إرهاصات تلك الصراعات المحتملة وهناك دول كإيران ترى وجود الكيان الصهيوني في المنطقة خطرا على أمنها القومي، وهذا شيء طبيعي في ظل تشابك المشروعات الاستراتيجية في المنطقة وعلى ضوء ذلك فإن الكيان الصهيوني يظل خطرا داهما ليس على الأمن القومي الايراني ولكن على الأمن القومي العربي. ومن هنا فإن وجود تعاون إقليمي بين دول المنطقة كما أكد على ذلك بيان مسقط قبل عدة عقود يعد من الخطوات المهمة حيث الاستقرار والسلام في المنطقة وتأمين الملاحة البحرية.
هناك مسألة حيوية مرتبطة مع قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية حيث يستحيل ان يحدث الاستقرار في معناه الشمولي والاحتلال الاسرائيلي متواصل والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني متواصلة لأن الأمن الجماعي للمنطقة العربية لا يتفصل وعلى الكيان الصهيوني ان يختار بين السلام الشامل والعادل مع الدول العربية أم يظل كيانا منبوذا على الصعيد الشعبي وهذا هو الأهم.
قد يحدث تطبيع في العلاقات بين الكيان الاسرائيلي وعدد من الدول العربية كأنظمة سياسية ولكن يظل الرفض الشعبي موجودا ومتأصلا في الوجدان العربي طالما الاحتلال متواصل وجاثم على الاراضي العربية وفلسطين تحديدا والجولان السوري المحتل وايضا الأراضي اللبنانية، فالسلام مع الاحتلال لا يستقيم والرهان الاسرائيلي على تفاهمات وعلاقات هشة لن يفيد وهي محاطة ديموجرافيا بأكثر من ٤٠٠ مليون عربي والظروف السياسية سوف تتغير ولن تبقى على حالها خاصة فيما يخص الأوضاع العربية السلبية.
وعلى ضوء ذلك تظل إسرائيل هي المشكلة الكبرى لأن دول المنطقة لديها الإرادة على الحوار كما حدث مؤخرا بين السعودية وايران في العراق بشكل غير علني وسوف يتواصل لأن الجغرافيا المشتركة والمصالح والدين الإسلامي الذي يجمع دول المنطقة يعطي فرصة كبيرة للتعاون وحل الخلافات من خلال الجلوس على طاولة الحوار. ومن هنا فإن المشهد في المنطقة يحتاج الى تحرك وإرادة سياسية كبيرة بين دول المنطقة خاصة الدور المحوري للدبلوماسية العمانية التي أصبحت محط الانظار في عدد من الملفات كما أن المصداقية التي تتمتع بها الدبلوماسية العمانية من قيادات العالم وصدقها في التعامل مع كل الأطراف بحياد تام هو الذي مكن بلادنا من تحقيق مكاسب سياسية للمنطقة خاصة نزع فتيل الحرب في أكثر من مناسبة خاصة خلال فترة الملف النووي الايراني.
مسار الاستقرار
المنطقة تحتاج إلى الاستمرار بعد عقود من الصراعات والحروب لأكثر من أربعة عقود وخرج الجميع خاسرا من تلك الحروب المنطقة تحتاج إلى تطبيق النموذج الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية وهو إيجاد منظمة سلام من خلال منظومة أمنية، وهذا شيء مهم لاستقرار مصالح الدول المطلة على الخليج العربي كما أن إيجاد علاقات طبيعية ومتوازنة بين دول الاقليم سوف يجعل الكيان الاسرائيلي منبوذا في المنطقة.
إن منطقة الخليج هي منطقة حساسة وهي مهمة للعالم خاصة في مجال الطاقة والنقل البحري ومن دون وجود علامات الاستقرار والسلام فإن التوتر والصراع من جديد هو أمر محتمل مع دخول السفن الإسرائيلية الى المياه الاقليمية تحت شعارات وهمية، وهذا بلا شك سوف يخلق المزيد من التوتر في المرحلة القادمة. ولعل التعاون الاقليمي بين الدول الثماني كما تمت الاشارة ولاحقا اليمن بعد إنهاء الحرب سوف يشكل ضمانا أمنيا لدول المنطقة وللعالم من خلال حالة مستقرة وملاحة آمنة بعيدا عن حرب السفن والصدام المحتمل، ومع كل ذلك يظل الكيان الصهيوني هو العقبة الكبرى وهو الذي يسبب كل الإشكالات في المنطقة العربية.
وتظل القضية الفلسطينية هي محور الصراع الكلي حيث يصعب تخيل السلام الشامل والعادل دون وجود الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ورجوع كل حقوق الشعب الفلسطيني.
* صحفي ومحلل سياسي
