31
31
الثقافة

تصميم نموذج مقلد لكهف غارق حافل بكنوز فنية موغلة في القدم

22 أبريل 2021
22 أبريل 2021

باريس - «د.ب.أ»: إذا أتيحت لك الفرصة للغطس لمسافة 40 مترًا تحت مياه البحر، فمن المرجح ألا تتوقع العثور على أي آثار لحضارة قديمة.

غير أنه منذ أكثر من 35 عامًا توصل هنري كوسكيه لهذا الاكتشاف، ففي عام 1985 اكتشف هذا الغطاس المحترف الكهف الوحيد المعروف الذي يقع تحت الماء في العالم، والمزود برسومات على جدرانه الصخرية، وهذا الكهف كائن بالقرب من ساحل مدينة مارسيليا الفرنسية.

وتغطي جدران الكهف الغارق في المياه، رسومات لطيور البحر العملاقة، والتي تعرف بصورة أفضل بأنها من أسلاف البطريق، وانقرضت في القرن التاسع عشر، ويقدر الخبراء عمر هذه الرسومات بأكثر من 25 ألف عام.

ويقع مدخل كهف كوسكي الذي يحمل اسم مكتشفه، على مسافة 37 مترًا تحت مستوى سطح البحر المتوسط بين مارسيليا وبلدة كاسي، وتم في عام 2015 وضع باب من الصلب يزن 800 كيلوجرام، لحماية العلامات والرسومات التي يبلغ عددها 500 والموجودة على جدران الكهف، ويرجع تاريخها إلى العصر الحجري.

وتعد هذه الأعمال كنزا فنيا وفقا لما يقوله جيليس توسيلو.

وبحلول نهاية القرن 21 من المرجح أن تبتلع المياه هذا الكنز بكامله، كما يقول توسيلو المتخصص في فنون عصور ما قبل التاريخ.

وبالتالي يعمل الخبراء بأسرع ما يمكنهم، لإعداد نموذج مقلد بالضبط للكهف الفريد من نوعه، ومن المقرر افتتاحه عام 2022.

وأوضح توسيلو لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أنه في عصر «الكرو ماجنون» أو أوائل البشر الذين استوطنوا القارة الأوروبية، كان الكهف يقع على مسافة 120 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وعلى مسافة 15 كيلومترًا من الساحل، ولكن بسبب ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض وذوبان الكتل الجليدية، ارتفع منسوب المياه ليغرق الكهف بعد نهاية العصر الجليدي الأخير أي منذ نحو عشرة آلاف عام، واليوم أصبحت ثلاثة أرباع مساحة الكهف تغمرها المياه.

وتتضمن رسومات «الجرافيتي التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري»، منحوتات ومجسمات لطيور البحر ورسومات لسباع البحر والخيول والثيران والماشية والوعول وأكثر من 60 من نماذج الرسم اليدوية.

وكان طبع الأيدي على الجدران من الأمور الشائعة في فنون العصر الحجري، غير أنه من الأمور غير المعتادة في كهف كروسكي أن نحو ثلثي الأيدي المطبوعة مفقودة الأصابع.

ومن المسائل الغريبة الأخرى هو وجود رسم لرجل اخترقه سهم، وأطلق عليه الخبيران الأثريان جان كورتان وجان كلوتس «رجل مقتول».

وكان كورتان هو أول من فحص الكهف بعد اكتشافه، وفي مقابلة إعلامية وصف الكيفية التي غطس بها ليصل إلى النفق الذي يبلغ طوله 175 مترًا ويؤدي إلى مدخل الكهف عام 1991، يرافقه غطاسون من الجيش الفرنسي، ونشر الباحثان أول فهرس لمحتوياته عام 1994.

وباستخدام وسيلة الكشف عن عمر المواد الكربونية، تمكن كورتان وكلوتس من إثبات أن المنحوتات والرسومات على جدران الكهف يرجع تاريخها إلى 27 ألف عام، وبالنسبة للباحثين يعد الكهف واحدًا من أكثر كهوف العصر الحجري تأصيلا يتم اكتشافه، ويصفانه بأنه «مأوى من عصر ما قبل التاريخ».

وأجرى كلوتس المتخصص في فنون ورسومات عصور ما قبل التاريخ، بحثا في كهف شوفيه الأصلي الشهير، الذي تم اكتشافه عام 1994، بالقرب من بلدة مونتيلمار بمنطقة أردشيه بالجنوب الفرنسي.

وترأس كلوتس في وقت لاحق فريقا من المستشارين العلميين، لتصميم نموذج مقلد لكهف شوفيه ومن بينهم توسبلو، وتم افتتاح النموذج في أبريل 2015.

وثبت الآن أن هذه الخبرة ذات قيمة عالية، لأنه بعكس كهف شوفيه الذي تم السماح له بالنزول إليه، فإن كلوتس لم يستطع على الإطلاق أن يزور كهف كوسكي الذي يشكل خطورة بالغة.

وفي عام 1991 فارق ثلاثة رجال الحياة، وهم يحاولون الوصول إلى الكهف الغارق تحت المياه عبر النفق الضيق، وأجبر الحادث كوسكي على أن يبلغ السلطات بوجود الكهف الذي اكتشف عام 1985، وذلك لمنع وقوع مزيد من الكوارث.

وبقول توسيلو: إن عدم القدرة على رؤية الكهف الأصلي أمر يثير الإحباط.

وعليه الاعتماد على خبراته التي اكتسبها مع كهف شوفيه، وعلى الكتب التي دونها كلوتس وكورتان وصور الرسومات، لكي يضع نموذجًا مقلدًا لكهف كوسكي.

وسيقوم مع فريقه بإعادة إنشاء القطع الفنية المرسومة على جدران الكهف بدقة بالغة.

ومن المقرر استكمال العمل في النموذج المقلد عام 2022، وسيتم عرضه في فيلا ميدترانييه بمرسيليا، وهي إحدى المباني الجديدة بهذه المدينة التي اختيرت عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2013، وسيتم وضع النموذج الرائع بجوار متحف الحضارة الذي لا يقل جلالا، ويشبه منصة للقفز للبحر، ونصف المبنى تقريبًا الذي بلغت تكلفته 82 مليون دولار يقع تحت الماء.