854
854
عمان اليوم

السلطنة وقعّت اتفاقيات لتوفير 5.5 مليون جرعة وصلت منها 254 ألفا

10 أبريل 2021
10 أبريل 2021

 

الصراع العالمي على اللقاحات مستمر.. والسياسة تلعب دورا مباشرا فيه -

كتب - عاصم الشيدي -

في الوقت الذي تجاوزت فيه وفيات كورونا 3 ملايين وفاة والإصابات 133 مليون إصابة فإن حربا لم تعد خافية تدور في العالم حول اللقاحات التي أصبحت إكسير الحياة بكل تجلياتها. وتجاهر الدول الغنية والمنتجة للقاحات بالقول إنها الأحق من غيرها باقتناء اللقاح على اعتبار أنها الدول التي تصنعه والتي اكتشفت تقنياته وهي الدول «المتقدمة»، بل إن بعض تلك الدول «المتقدمة» فعّلت قوانين الدفاع الوطني لتستطيع منع شركات الأدوية من تصدير اللقاح إلى الخارج قبل استيفاء متطلبات الدولة في الداخل حتى لو كانت تلك الشركات قد وقعت اتفاقية بيع سابقة على تفعيل القانون.

وإذا كان هذا الجزء الظاهر من الحرب فإن هناك أجزاء كثيرة غير ظاهرة، ولذلك برزت على السطح مصطلحات جديدة لم نسمع بها من قبل مثل «قومية اللقاحات» و«دبلوماسية اللقاحات» وربما يتحول اللقاح في القريب العاجل إلى أداة ضغط سياسية تظهر معه مصطلحات مثل «التنازل مقابل اللقاحات» أو «السلام مقابل اللقاحات» وهذا الذي نفهمه من تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة الذي حذر من «تسييس» اللقاحات في مرحلة هي منعطف تاريخي يحتاج العالم فيه إلى أن يتحد كما لم يفعل من قبل لأن النجاة من هذا الوباء لا تكون إلا جماعية.

وفي السياق العماني يدور حديث طويل حول قدرة السلطنة، وسط كل هذا الصراع، في الحصول على الكمية المناسبة من اللقاحات والتي تستطيع بها أن تصل إلى المناعة المجتمعية وتحمي الناس من الخطر الكبير المحدق مع تصاعد الموجة الثالثة من موجات الوباء والتي تعتبر الأقوى والأكثر تأثيرا حتى الآن رغم أننا في بداية صعود المنحنى الوبائي نحو الذروة المنتظرة.

ورغم الجدل الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الواقع يقول إن السلطنة تبذل جهدا كبيرا على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والصحية من أجل التفاوض مع الشركات المصنعة للقاحات للإيفاء بالتزاماتها وفق العقود التي وقعتها السلطنة في وقت مبكر.. وفي الفترة الأخيرة رأينا معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة وقد اجتمع مع سفراء روسيا والهند والصين وكوريا الجنوبية وكان هدف كل هذه اللقاءات مناقشة موضوع اللقاحات وتسريع توريدها للسلطنة.. إضافة إلى وجود مفاوضات مستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك دول الاتحاد الأوروبي للموضوع نفسه. وتظهر الأرقام الواردة تاليا في هذا الحوار أننا مقبلون على مرحلة ستشهد انفراجة فيما يخص «اللقاحات».

وحتى نتجاوز الكلام الذي يبنى على اجتهادات فردية أو يستند على إشاعات تكون متعمدة ومدروسة في بعض الأحيان ولها تأثيرها العميق على المجتمع حملنا الكثير من الأسئلة التي تدور في أذهان الناس والتي تبنى عليها أفكارهم وذهبنا إلى المديرية العامة للتموين الطبي بوزارة الصحة، وهي المديرية المعنية في المقام الأول بموضوع توريد اللقاحات وهناك تحدثنا مع الدكتورة نسيبة بنت حبيب نصيب المديرة العام للمديرية. وكان أمام الدكتورة نسيبة الكثير لتقوله والكثير لتوضحه والكثير لتكشفه.

5.5 مليون جرعة

تقول الدكتورة نسيبة: إن السلطنة وقعت بالفعل اتفاقيات لشراء 5 ملايين و520 ألفا و230 جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا «كوفيد19» وهذا العدد من الجرعات من شأنه أن يغطي ما نسبته 60% من عدد سكان السلطنة، وهذه النسبة قادرة وفق منظمة الصحة العالمية وعلماء الأوبئة على صناعة المناعة المجتمعية التي ننشدها.

وحول الفارق في اللقاحات بين ما تم الاتفاق عليه وما وصل إلى السلطنة حتى الآن تقول الدكتورة: لا توجد دولة في العالم حصلت حتى الآن على كل ما تريد من احتياجها من اللقاح، حتى الدول المصنعة له. هناك صراع عالمي في الحصول على اللقاحات وهذا ليس خافيا على أحد ويعرفه الجميع ونشاهد تداعياته.

تتوقف الدكتورة قليلا عن الحديث قبل أن تعود للقول: السلطنة استلمت بالفعل حتى الآن 254740 جرعة من لقاحي «فايزر» و«أسترازينيكا». حيث حصلت على 111540 جرعة من لقاح فايزر، و143200جرعة من لقاح استرازينيكا الذي طورته جامعة أكسفورد البريطانية. وقالت د. نسيبة حبيب التي كانت تتحدث لجريدة عمان إن كمية اللقاحات التي من المنتظر أن تستلمها السلطنة خلال الشهر الجاري تبلغ 211530 جرعة بينها 48 ألف جرعة من لقاح استرازينيكا «هي بالفعل تحت الشحن لحظة إجراء هذا الحوار» إضافة إلى 129600 جرعة من اللقاح نفسه ستصل تباعا خلال الشهر الجاري و45 ألف جرعة من لقاح فايزر.

وأضافت: إن السلطنة تبذل جهودا كبيرة جدا من أجل توفير الكميات المناسبة من اللقاحات وسط تنافس عالمي غير مسبوق، لكن الشركات لا تستطيع أحيانا، ولأسباب متعددة، الإيفاء بالتزاماتها نتيجة تفعيل قوانين مانعة في دولها.

1.7 مليون جرعة خلال يونيو

لكن الدكتورة نسيبة تتوقع أن يتوفر في السلطنة خلال الفترة القريبة القادمة كمية مناسبة من اللقاحات حيث من المتوقع أن يتم استلام لقاحات من شركتي «فايزر» و«أسترازينيكا» تفوق 2.5 مليون جرعة مقابل الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحالف العالمي ومع كل من الشركتين بشكل مباشر وتشمل: حوالي 222 ألف جرعة في أبريل و550 ألف جرعة خلال مايو و1.7 مليون جرعة خلال يونيو، إضافة إلى مليوني جرعة من لقاح فايزر سيتم توريدها خلال يوليو وأغسطس وسبتمبر، مما سيمكن السلطنة من تطعيم كافة المستهدفين ضمن الاستراتيجية الوطنية للتطعيم.

وحول الاتفاقيات الموقعة قالت الدكتورة: وقعت السلطنة على مبادرة «كوفاكس» وهي عبارة عن مبادرة يشترك فيها كل من التحالف العالمي من أجل اللقاحات «جافي» والائتلاف المختص بالتأهب لمواجهة الأوبئة ومنظمة الصحة العالمية ويهدف «كوفاكس» إلى توفير 2 مليار جرعة من اللقاحات المأمونة والفعالة بحلول عام 2021م بعد أن يتم اجتياز الموافقة الرقابية التنظيمية للاستخدام على أن يوزع بالتساوي على جميع البلدان المشاركة حسب نسبة العدد السكاني مع إعطاء الأولوية للعاملين الصحيين ثم كبار السن.

وفي هذا الإطار، والحديث للدكتورة نسيبة، وقعت السلطنة اتفاقية مع منظمة التحالف العالمي للقاحات منذ 11/10/2020م لتأكيد وحجز كمية مليون جرعة تمثل نسبة 10% من الاحتياجات المطلوبة من المرحلة الأولى تم توريد 43.200 جرعة منها بتاريخ 3 من الشهر الجاري وكانت من شركة «استرازينيكا» ويتوقع استلام 175 ألف خلال شهر مايو ستكون أيضا من لقاح شركة «استرازينيكا-أكسفورد» وعدد 109.980 جرعة من شركة فايزر ستصل خلال شهر يونيو وهذه الجرعات كلها ضمن حصة السلطنة من المبادرة وليست ضمن الاتفاقات المباشرة بين السلطنة وهذه الشركات.

وعندما سألنا الدكتورة عن الاتفاقيات المباشرة بين السلطنة والشركات المصنعة للقاحات قالت: إن السلطنة وقعت اتفاقية مع شركة فايزر الأمريكية منذ 17/11/2020م لتوريد كمية 370.000 جرعة، تم رفعها لاحقاً، لتكون 3.372.000 جرعة تم استلام 111.540 جرعة منها ويتم حالياً استلام دفعات بواقع 45.000 خلال الشهر الجاري ونتوقع استلام 248 ألف خلال شهر مايو و825 ألف جرعة خلال شهر يونيو.. كما تدرس السلطنة توقيع اتفاقية أخرى مع شركة فايزر لتوفير مليوني جرعة إضافية.

أما فيما يخص الاتفاقيات الموقعة بشكل مباشر مع شركة أسترازينيكا فقالت الدكتورة نسيبة: هناك اتفاقيات مع هذه الشركة لتوفير حوالي مليون جرعة من احتياجات السلطنة، وننتظر وصول 48 ألف جرعة هذا الأسبوع فيما تصل بقية الكميات في الأيام القادمة من الشهر الجاري وشهري مايو ويونيو القادمين.

وفيما يخص لقاح شركة جونسون أند جونسون الأمريكية فإن الدكتورة نسيبة تقول: إنه تم توقيع اتفاقية مبدئية «غير ملزمة» مع الشركة لتوفير 200 ألف جرعة قابلة للزيادة إلى 500 ألف جرعة؛ لكن الشركة أفادت أنها أولويتها توفير اللقاح في الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى التزامها مع الاتحاد العالمي للقاحات «جافي» وستكون قادرة على التصدير للخارج اعتبارا من شهر سبتمبر أو أكتوبر القادمين.. وتوقع السلطنة الاتفاقية مع شركة جونسون أند جونسون خلال هذا الأسبوع.

حرب اللقاحات

والدكتورة نسيبة التي تعيش تفاصيل الصراع اليومي من أجل الحصول على اللقاحات تعرف الكثير عن «حرب اللقاحات» ولكنها تصرّ على أن التفاصيل متاحة للجميع وتتناولها وسائل الإعلام بشكل يومي والجزء الأكبر منها ليس بخاف على أحد. لكنها تقول إن سبب تأخر التحالف العالمي للقاحات «جافي» في توريد اللقاحات للدول كان سببه الأساسي عجز الشركات المصنعة عن تسليم الكميات المتفق عليها للمنظمة خلال شهر مارس والأمر جار الآن في شهر أبريل. كذلك تأخر اعتماد لقاح شركة «أسترازينيكا» حتى 21 فبراير الماضي حين حصل على موافقة منظمة الصحة العالمية ما أدى إلى تأخر وصول الكميات المطلوبة للسلطنة عبر منظمة «جافي». كما تذكر الدكتورة نسيبة أن شركة فايزر أوقفت إنتاجها مؤقتا خلال شهر فبراير وكان هدفها زيادة الطاقة الإنتاجية بمصنعها ما أدى إلى تأجيل التوريدات إلى كافة الدولة. كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وضعا قيودا على تصدير اللقاح خارج أمريكا والاتحاد الأوروبي وهذا معروف ومعلن وليس خافيا على أحد.

لا نورد لقاحات غير معتمدة

وردا على سؤال حول أن هناك دولا أخرى في المنطقة استوردت أعدادا كبيرة من اللقاحات، قالت الدكتورة نسيبة: إن السياسة المعمول بها في وزارة الصحة هي عدم توريد أي أدوية أو لقاحات ليست معتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية وذلك لضمان الفعالية والسلامة.

يذكر أن السلطنة اعتمدت استراتيجية وطنية من أجل التحصين تستطيع التأقلم مع الطلب العالمي على اللقاحات المضادة لفيروس «كوفيد19» وكذلك مع محدودية القدرة التصنيعية للشركات مقابل الطلب المتزايد عالميا. وحددت السلطنة، وفقا لحديث الدكتورة نسيبة، الفئات ذات الأولوية لأخذ اللقاح مسترشدة بتوصيات منظمة الصحة العالمية وكذلك بنتائج المسح الاستقصائي المصلي الذي أجرته السلطنة خلال الفترة الماضية.

وتنص الاستراتيجية المعتمدة تغطية 60% من إجمالي عدد السكان وهي النسبة المطلوبة لتحقيق المناعة المجتمعية ومنع انتشار المرض على أن يتم تطعيم حوالي 40% خلال مرحلتين تكون الأولى بنسبة 20% من الفئات الأكثر عرضة للخطر ومضاعفات الإصابة مثل مقدمي الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية بمواجهة جائحة كورونا والمرضى المصابين بالأمراض المزمنة ونقص المناعة وكبار السن بمعدل جرعتين لكل شخص.

10 أسابيع بين الجرعتين

كما تم بناء على توصية منظمة الصحة العالمية والسياسات المتخذة من قبل المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها تعديل موعد الجرعة الثانية من اللقاح لتكون بعد 10 أسابيع من الجرعة الأولى لإفساح المجال لتغطية أكبر عدد من المستهدفين بالجرعة الأولى.

وتضيف الدكتورة نسيبة في حديثها: تم وضع خطة لتوزيع اللقاح وتطعيم الفئات المستهدفة منه لإدارة وضمان عمليات توزيع اللقاح وإعطائه للمستهدفين في جميع أنحاء السلطنة حسب الفترة الزمنية المحددة. وكانت الحملة الوطنية للتحصين في السلطنة قد انطلقت بتاريخ 24 ديسمبر 2020 فور وصول أول شحنة من اللقاحات وكانت من شركة فايزر الأمريكية وبايونتيك الألمانية.

وفي مطلع فبراير بدأت السلطنة التطعيم باستخدام لقاح شركة استرازينيكا/ أكسفورد بعد حصولها على 100 ألف جرعة من إنتاج المعهد الهندي للأمصال واللقاحات بالتعاون مع الحكومة الهندية وبالتنسيق مع استرازينيكا.


المشهد إذن مختلف جدا عن الضجيج الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي حيث يختلط هناك الحابل بالنابل وتختلط الحقائق بالأخبار المضللة والإشاعات الموجهة بهدف زعزعة الثقة وإرباك الجهود الكبيرة المبذولة من قبل الدولة أو اللجنة العليا أو وزارة الصحة.

لكن الثابت أن السلطنة مثلها مثل غيرها تعيش وسط جائحة صحية ضارية وخسائرها كبيرة جدا سواء على المستوى البشري أو الاقتصادي.. وبعض الدول في العالم فعّلت قوانين الطوارئ لأنها تدرك مستوى الخطر في هذه المعركة الشرسة.. وفي المعارك لا بد أن يكون الجميع في خط المواجهة من أجل الوصول إلى مرحلة الخلاص. على أن هذا لا يعني أن النقد الموضوعي ليس مطلوبا، بل هو ضروري جدا من أجل تصحيح المسار.