عادل محمود
عادل محمود
أعمدة

كلمات نزقة

23 مارس 2021
23 مارس 2021

عادل محمود -

ثمة مبدأ معياري لفحص التنمية، وهي صناعة الاكتفاء: «يجب إظهار العيوب، وليس تعداد الحسنات».

هذا لا علاقة له بالسياسة والرئاسة والكياسة. إنه علم كيف نكون باحثين عن أفضل استخدام للطاقات، المادية والبشرية. لكن ، للأسف الشيء الموروث هو... «المديح»

أمة بكاملها تمدح نفسها إذا انهزمت، وإذا تخلفت، وإذا انتكبت،

أمة تعصِم نفسها (في حفلة نرجسية جماعية) عن الخطأ. وهي لا تفنى بحكم التكاثر، ولا تنقرض بفاعلية الحجم والمساحة والتاريخ. ولكنها لا تتقدم إلى الأمام خطوة إلا لتتراجع في كارثة، أو مأزق، أو أخطاء العميان الأميين. وأحياناً تدمر بنفسها وليست في حاجة إلى أعداء.

النقد والفحص والاختبار والرأي والنصيحة والشكوى... كلها، عندنا، معادلات سياسية. (وزير إعلام قال لصحفي انتقد غسل السيارات في الشارع: « أنت تعلم أن إسرائيل ستستخدم هذا المشهد، الذي صورته، في معركة المفاوضات على المياه في الجولان... قائلين : «انظروا هدر المياه عند العرب».

البحث عن الانتقادات البسيطة... تصرف النظر عن التحليل العميق، الحامل للحل العميق... وتغطي على الفاعل الحقيقي، وتفضح المفعول به. الأمر الذي يؤدي إلى التعايش السلمي المغشوش مع الرشوة، والخداع، والفساد، والمذلة، والخروج على القانون والخوف من كل شيء... ولا سيما المستقبل. ثم ننام على فكرة: كيف تصنع عدواً لنفسك؟

أحد أجمل التعريفات للوطن قول الكاتب غسان كنفاني: «الوطن هو ألا يحدث كل هذا الذي يحدث». وحين تكون ابتسامات الصباح على وجوه البشر، وهم يذهبون إلى نهارهم ، دون خوف من الباذنجان الذي كان، فيما مضى، أسود الجسد من فرط أهليته للمقلاة، ويصبح اليوم شديد السواد تحت وطأة تسعيرة التاجر... ما يثير الصدود، لفداحة مهر الباذنجان الذي يدفعه الفقير.

الوطن هو ألا يكون البرد سمّ الشتاء بدلاً من المدفأة التي نارها فاكهة الدفء العائلي. الوطن ألا يتضاءل مسعى النمو، ويتكاثر حزب البطالة. ألا يكون الاستمرار على قيد الحياة نوعاً من بطولة الصبر على المتاعب والمصاعب والنقصان. الوطن ألا يتكاثر الشعراء وتضمحل الشاعرية. ويتعدد المديرون وتموت الإدارة.

الوطن ألا يكون في دفتر مذكراته هذا القول: «الفقر في الوطن غربة». الوطن ألا يكون عصر الاسكندر المقدوني، الذي أطعم من قمح وشعير الشرق، خمسة وعشرين مليون جندي، وينام ، كما يليق بإمبراطور ذكي ، وتحت وسادته السيف والإلياذة...أن يكون عصره أفضل من عصر القادة الذين اختصاصهم، في الحرب، الهزيمة، وفي السلم الغنيمة. وينامون وتحت وسادتهم صندوق مال الفقراء ، وكتاب محو الأمية.

أحد المفكرين يشرح مأزقنا قائلاً: إنتاج العبودية يسهل عندما تتعرض أجيال من الناس لقمع طويل، وتصبح الحرية فكرة لا مطلباً، والتكيف مع الاستبداد نوعاً من التجارب اليومية على الانصياع للشرط القبيح... يصبح الناس متعايشين مع السيئ ووالده الأسوأ، وحفيده الأكثر سوءاً، وتنحصر الاهتمامات في لقمة عيش، وحذاء لا تدخل من ثقوبه كل فصول السنة.

الوطن، أخيراً، عندما يصبح منتجاً حصرياً للأخطاء، يتهاوى في السلم الأخلاقي إلى حضيض الخطايا.