أفكار وآراء

هل ستنجح الانتخابات الرابعة في تخطي مأزق إسرائيل السياسي؟

22 مارس 2021
22 مارس 2021

د. صلاح أبونار -

يتجه اليوم الناخبون الإسرائيليون إلى مراكز الاقتراع في رابع انتخابات نيابية مبكرة على مدى عامين. ولا تظهر المؤشرات إمكانية حقيقية لنجاح نتانياهو صانع الأزمة وموضوعها، في الخروج بنصر انتخابي حاسم عجز عن تحقيقه عبر الانتخابات الثلاثة السابقة.

وغاية الأمر أن ينجح في الوصول إلى تحالف يميني-ديني ضيق أو واسع، يمكنه من الحكم لعام أو أكثر لينفجر بعد ذلك في وجهه. وإن لم ينفجر وواصل الكنيست مسيرته، فسوف يحدث ذلك عبر تنازلات متتالية يقدمها لحلفائه من اليمين الديني الديني المتطرف أو لخصومه من اليمين القومي السياسي، وتلك هزيمة سياسية في شكل انتصار سياسي.

كيف يبدو الوضع السياسي عشية الانتخابات؟ تبدو الساحة الانتخابية مزدحمة. فالقائمة النهائية للمرشحين تتكون من 39 هيئة تتوزع بين الأحزاب والتحالفات السياسية والقوائم الانتخابية. ولكن القوى السياسية، التي تتوقع قياسات الرأي العام نجاحها في اجتياز العتبة الانتخابية (3,5%) لا تتجاوز 12 قوة. من هم وماذا تتوقع لهم القياسات؟ سنقتصر في مراجعتنا للتوقعات على صحيفة هاآرتس، التي تتابع يوميا نتائج قياسات ثماني هيئات تعتبرها الأكثر مهنية، وتقوم بحساب متوسطها تحت مسمى قياس القياسات. ويمكننا عبر هاآرتس تتبع قياسات كل الهيئات والمتوسط العام من أول 3 ديسمبر، لكننا سنكتفي باستخدام المتوسط العام لأقرب موعد للانتخابات، وعندما نشير للتوقعات فهذا يعني متوسطات هاآرتس.

في أقصى اليسار سنجد القائمة العربية المشتركة (هداش) برئاسة أيمن عودة، وتتكون من ثلاثة أحزاب بعد انشقاق القائمة العربية الموحدة (راعام) عبر تحالف صريح بين زعيمها منصور عباس ونتانياهو. خاضت المشتركة انتخابات مارس 2020 بكل مكوناتها، وتمكنت عبر وحدتها من انتزاع 15 مقعدا، في قفزة تاريخية جعلتها قوة الكنيست الثالثة. ولكن انشقاق عباس خصم من قوتها، وتتوقع القياسات انخفاض في معدلات التصويت العربي، وتراجع مقاعدها 8-9 مقاعد فقط. إما الموحدة فتراوحت توقعاتها بين العجز عن تخطي العتبة في 7 مارس وحصولها على 4 مقاعد في 16 مارس.

وسنجد في اليسار ميريتس وهو حزب صهيوني ديمقرطي اشتراكي يتزعمه نيتزان هيروفيتز. في انتخابات أبريل 2019 فاز بأربعة مقاعد، وفي انتخابات أكتوبر 2019 فاز بثلاثة، وفي انتخابات مارس 2020 فاز بثلاثة. وحتى 1 فبراير توقعت القياسات حصوله على 4 مقاعد، ثم تراجع في 7 مارس للعجز عن تخطى العتبة، ثم ارتفعت مجددا في 16 مارس إلى 4 مقاعد. وعلينا الآن الانتقال لأحزاب الوسط. تتوزع أحزاب الوسط بين حدود اليسار وتخوم اليمين. أقرب ليسار الوسط سنجد حزب العمل العتيد الهرم. حتى 8 يناير لم يكن الحزب مرشحًا لتخطى العتبة، ومع اعتزال رئيسة عمير بيريتس وانتخاب ميراف ميخائيلي في 24 يناير 2021، أخذ الحزب يستعيد قواعده الناخبة لترتفع التوقعات إلى 5,5 مقعد في 16 مارس. وأقرب لوسط الوسط سنجد حزب ياش أتيد (هناك مستقبل) برئاسة يائير لابيد. في انتخابات أبريل 2019 وأكتوبر 2019 ومارس 2020 خاض الانتخابات في إطار تحالف أزرق وأبيض، وحقق فيه 15 ثم 13 ثم 13 مقعدا على التوالي من إجمالي مقاعد التحالف. ولكن بعد تحالف جانتس مع نتانياهو بعد انتخابات 2020، انسحب الحزب من التحالف ليخوض الانتخابات الراهنة منفردا، وفي 16 قدرت القياسات حصوله على 19 مقعدا. وفي الوسط سنجد أيضا تحالف أزرق وأبيض وتيليم وإسرائيل بيتنا.

خاض التحالف الانتخابات الثلاثة المبكرة مكونا من ثلاث قوى حزبية: حزب مناعة إسرائيل ويرأسه جانتس وياش أتيد وتيليم برئاسة موشية يعالون، ولكن في مارس أعلن ياش أتيد وتيليم انسحابهما احتجاجا على تحالف جانتس-نتتنياهو، وهكذا انحسر التحالف في حزب جانتس ومعه 17 مقعدًا. وعلى مدار الشهور التالية أخذ الحزب يفقد أعضاءه، حتى وصل عدد المنسحبين نهاية 2020 إلى 6 نواب.

والخلاصة سيخوض جانتس الانتخابات، بعد تآكل حاد في قاعدته السياسية المنظمة، وتآكل أكثر حدة في مصداقيته السياسية التي بناها على أساس حماية مؤسسات الدولة من خطر نتانياهو. وهكذا كانت أقصى توقعات القياسات لحزبه 5 مقاعد في 7 مارس وتراجعت إلى 4 في 16 مارس. وفي أقصى يمين الوسط سنجد إسرائيل بيتنا برئاسة ليبرمان، وتتوقع قياسات 16 مارس حصوله على 7 مقاعد. ولن يخوض تيليم الانتخابات.

مع الانتقال لأحزاب اليمين الموزعة بين اليمين القومي الصهيوني واليمين الديني الأرثودكسي، ننتقل إلى الأرض الحقيقية للمعركة الانتخابية. لا يبدو الليكود في أحسن أحواله. خلال الفترة من 3 ديسمبر حتى 16 مارس منحته القياسات 29 مقعدا، نزولا من 36 مقعدا في مارس 2020. ويبدو هذا غريبا عندما نتذكر ضخامة الجوائز التي منحها له ترامب في السياسة الخارجية من قرار القدس حتى الدفع بالتطبيع الإقليمي، وعندما تخبرنا كل المؤشرات أن المجتمع الإسرائيلي يزداد توغله في الفضاء اليميني. ولا نعتقد أن موضوع المحاكمة والاتهامات المعلقة فوق رأسه يقدم تفسيرا جوهريا. ونفترض وجود هذا التفسير داخل حالة التجزؤ السياسي المسيطرة على المجتمع الإسرائيلي. ولقد جاء انشقاق جدعون ساعر في 8 ديسمبر 2020 عن الليكود، وتكوينه لحزب تيكفا حداشا (الأمل الجديد) اليميني، مؤشرا قويا على عمق التجزؤ. يشكل حزب ساعر أول انقلاب كبير على الليكود، منذ انشقاق شارون عام 2005 وتأسيسه لحزب كاديما، ومن خلاله كسب انتخابات مارس 2006 وفبراير 2009 مزيحًا الليكود عن مركز السلطة. وتزداد خطورة دلالة انقلاب ساعر عندما نراجع تاريخه وخلفياته. فلقد كان ممثلًا لليكود في الكنيست على مدار 2003-2020، وتولى مناصب وزارية، والأهم أنه أكثر يمينية من نتانياهو.

وجاءت القياسات مؤكدة لذلك، فقد منحته في 3 ديسمبر 15 مقعدًا وانخفضت بعد ذلك، حتى وصلت إلى 10 مقاعد في 16 مارس. ويواجه نتانياهو أيضا نافتالي بينيت زعيم حزب يمينا. وهو حزب ديني يقف على يمين الليكود، ولديه طموحات سياسية لا نجدها داخل جماعات اليمين الأرثوذكسي، وتمنحه القياسات في 7 مارس 10.5 مقعدا. ولكن ليس كل تكتلات اليمين مناهضه لنتانياهو، فهناك كتلة اعتادت التحالف معه في إطار توافقات المصالح. وهنا يظهر حزب شاس ويرأسه أريه درعي، وهو حزب ديني سفارديمي أرثوذكسي متطرف، وتمنحه القياسات في 16 مارس 7.5 مقعد. ومن بعده يظهر تحالف يهدوت هتوراة ويرأسه موشية جافني، وهو حزب ديني إشكينازي أرثوزكسي متطرف، وتمنحه القياسات في 16 مارس 7 مقاعد.

وأخيرًا تأتي لائحة الصهيونية الدينية ويرأسها بصلئيل سموتريتش الأصولي والفاشيستي ورئيس حزب الاتحاد القومي، وفي 16 مارس توقعت القياسات حصولها على 4.5 مقعد.

يقودنا التحليل السابق لطرح سؤالين. السؤال الأول: كيف يمكننا تفسير الانقسامية العميقة التي اعتبرناها الجذر الأساسي للأزمة السياسية؟ حملت العملية التاريخية لتشكيل إسرائيل الأصول الهيكلية لتلك الانقسامية. إسرائيل مجتمع استيطاني، تكون عبر رابطة دينية أسطورية، استخدمها رواده في تعبئة ملايين من شتى البقاع لا تربطهم لغة أو ثقافة أو إثنية واحدة، وحمل هذا تعددية عميقة تعيد إنتاج نفسها مع تواصل الهجرة، وتجد لها درعا في التقاليد الحركية والمؤسسية الجماعية التي تبناها المستوطنون في احتلالهم للأرض.

وأدرك الجيل المؤسس تلك الحقيقة، ووعي أنه إذا أراد نفيها وبناء الأمة يتعين الاعتراف بها وتأسيس منهج عقلاني لإدارتها، والرهان طويل المدى على فعل مؤسساته الإدماجية. ولكن هذا الحل كان في حاجة إلى جيل قيادي من طراز استثائي، وهو ما توافر بالفعل في لجيل المؤسسين والذي أدارها على مدى العقدين التاليين على التأسيس.

وعندما اندثر هذا الجيل كانت التعددية قد تراجعت قوتها، دون أن تختفي أو تتحول لظاهرة هامشية، بينما كانت القيادات الجديدة أقل صلاحية لإدارتها، بل ووظفتها كمادة لإدارة الصراع والوصول للسلطة. ورافق ذلك عامل آخر هو تراجع قوة الصهيونية العلمانية، بالتوازي مع صعود الصهيونية الدينية، والذي وجد إعلانه التاريخي في صعود الليكود للسلطة 1977 ليحكم نحو 30 عاما من 43 عاما.

ولقد كانت الصهيونية العلمانية الأكثر تأهيلًا لإدارة التعددية، بينما شكلت الصهيونية الدينية جزءًا من بنية التعددية ومنطقها.

والسؤال الثاني: هل يمكن للنتائج المتوقعة أن تنتج حكومة مستقرة تنجح في إنهاء الأزمة؟ بفرض صدق التوقعات لن ينتج عنها سوى تحالفات لن تنجح في إدارة السلطة أكثر من عام. لماذا ؟ لدينا ثلاثة سيناريوهات تحالفية متصورة. يفترض الأول تحالفا جامعا لكل قوى اليسار والوسط. ويبدو هذا السيناريو عبثيا، لأنه بافتراض نجاحها في تخطي خلافاتها الداخلية لن تجد في حوزتها سوى 48.5 مقعد، دونما مقاعد القائمة العربية الموحدة إليها المتوقع تحالفها مع الليكود. ولو قررت استكمال النقص عبر التحالف مع اليمين ستعجز عن بناء إجماع داخلي.

ويفترض السيناريو الثاني بناء تحالف يميني واسع بقيادة الليكود، يشمل القوى التي تتحالف عادة مع الليكود وحزبي يمينا وأمل جديد، ليصبح لديه نصاب مريح: 68.5 مقعد. ولكن هذا يتطلب موافقة يمينا وأمل جديد وليس أحدهما فقط، ولن يوافقا إلا بشروط كفيلة بتحويله إلى مشروع للابتزاز السياسي وليس للحكم.

ويفترض السيناريو الثالث شروع الليكود في بناء تحالف يميني ضيق، يقتصر على الأحزاب اليمينية الدينية الأرثودكسية. لن يوفر هذا له أكثر من 46 مقعدا، وسيجد نفسه مضطرًا لفتح ملف السيناريو الثاني. وهنا لن ينجده ساعر وإن وافق بينيت سيحصل فقط على 58 مقعدا. وهنا سيواجه خيارين. خيار أن يجمع مقعدا من هنا وآخر من هناك، وهذا ممكن في مثل هذه البنية المفككة، لكنه سينتج تحالفا هشا بلا قواعد مؤسسية لن يصمد أمام العواصف القادمة.

وخيار أن يطرق أبواب أرض الوسط السياسي. فماذا سيجد؟ سيجد من استوعب دروس جانتس المريرة مثل يائير لابيد وميراف ميخائيلي، ومن يريد تصفية حساباته القديمة معه مثل ليبرمان. وقد ينجح رغم كل هذا في التحالف معهم، لكنه سيكون محملا بتناقضات حادة ستجعله قصير العمر.