oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

حتميـة الحـوار مـع الآخـر

16 مارس 2021
16 مارس 2021

إذا كان الصراع أحد سمات الاتصال البشري وفق شواهد التاريخ ومدوناته فإن الحوار كان على الدوام أحد أهم أدوات التواصل الحضاري وبناء الروابط القوية بين الثقافات. وكلما توفرت شروط الحوار كلما كان وسيلة ناجحة في تخطي البشر للصراعات/الحروب التي كانت على الدوام أحد عوامل هدم وزوال حضارات عريقة وراسخة.

وإذا آمنا بأن هناك حضارات بشرية عدة خلافا لمن يرى أن هناك حضارة بشرية واحدة فقط، فإن علينا أن نؤمن أيضا بحتمية الحوار بينها. ووجود أكثر من حضارة لا يعني أن عليها الدخول، حتميا، في صراع فناء لبقاء الأقوى ولذلك ظهر ما يعرف في العالم بحوار الحضارات ردا على من نادى بنظرية صدام الحضارات التي ظهرت في شكلها التنظيري منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي. ووجود أكثر من حضارة من شأنه أن يثري البشرية ويقودها إلى المستقبل بخيارات كثيرة.

وربما ساعدت جائحة كورونا في تكريس فكرة الحوار بين الحضارات لا الصدام بينها، وأوضحت الجائحة في مستوى من مستوياتها أن هذه الحضارات متشابكة بين بعضها البعض وبينها الكثير من المشتركات التي تستحق التركيز عليها لبناء روابط أقوى.

وضعت الجائحة الناس أمام حقيقة مهمة جدا.. لا أنجو إلا بنجاة الآخرين، ولا أتعافى إلا بتعافيهم. والشعوب لديها رغبة في التعايش مع بعضها البعض ولكنها تحتاج إلى أرضية حوار لتستطيع اكتشاف الآخر، ومعرفته بشكل حقيقي. ويقوم الحوار بهذا الدور. وكلما حضر الحوار إلى ثقافتنا وكثر بيننا وبين الآخر كلما تقاربنا أكثر وزالت تراكمات الماضي التي مهدت لفكرة الصدام.

وإذا كانت الدعوة للحوار بين الحضارات ضرورة حتمية فإن الدعوة للحوار داخل الحضارة الواحدة أو الثقافة الواحدة أكثر حتمية وأكثر أهمية؛ لأننا إذا لم نستطع أن نتحاور داخل فناء الحضارة الواحدة فكيف سنستطيع حوار الحضارات الأخرى. ولذلك لا يمكن أن تكون في إقليم لا تقيم فيه حوارا مع جارك، حتى لو كنت تعتقد أنه مختلف معك أو تعتقد أن في نيته الدخول معك في أي نوع من أنواع الصدام.. عندما تجد فرصة للحوار فعليك الدخول فيها لتكتشف الحقيقة وتبني، ربما، معطيات جديدة لم تكن واضحة لديك.